غياب الرئيس المصري حسني مبارك عن المشاركة في القمة العربية بالدوحة في 30 مارس مازال يشغل الرأي العام العربي ويطرح الكثير من علامات الاستفهام، خاصة وأن المؤشرات كانت ترجح مشاركته بعد قمم المصالحة المصغرة التي عقدت على هامش القمة الاقتصادية العربية بالكويت وفي العاصمة السعودية الرياض.
ويبدو أن الإجابة لن تخرج عن أمرين وهما إيران وقناة الجزيرة ، فقد عزت مصادر صحفية عدم مشاركة مبارك إلى توسع دائرة الخلاف بين مصر وقطر وعدم حدوث تقدم حقيقي في جهود المصالحة بين البلدين بسبب اصرار الدوحة على دعوة الرئيس الإيراني لحضور القمة، ورغم أن قطر تراجعت عن مثل تلك الدعوة ، إلا أنه يبدو أن تحركها جاء متأخرا ، حيث جاء الإعلان عن عدم دعوة أحمدي نجاد قبل يومين فقط من انطلاق القمة وبعد أن حسمت القاهرة موقفها من مستوى التمثيل .
وكان رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني قد كشف في 28 مارس على هامش اجتماعات وزراء الخارجية العرب عن تراجع قطر عن دعوة إيران وحماس لحضور القمة ، قائلا :" إيران وحماس لن يشاركا بالقمة ، حجة مؤتمر الدوحة حركة حماس والرئيس الإيراني نجاد ، تبنا لن نحضرهم ، توبة" ، وذلك في إشارة للمؤتمر الذي عقد لدعم غزة في العاصمة القطرية في 17 يناير قبل قمة الكويت الاقتصادية العربية وقاطعته حينها دول عربية من أبرزها مصر والسعودية.
وأضاف "مصر ممثلة بوفد في القمة العربية، ونحن نحترم قرار مصر في مستوى التمثيل، وهو أمر يرجع للإخوان في مصر " ، وذلك في إشارة إلى إعلان وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط قبل ساعات من انطلاق اجتماع وزراء الخارجية العرب أن الرئيس حسني مبارك لن يحضر القمة العربية في الدوحة، وأن وزير الشئون القانونية والبرلمانية، مفيد شهاب سيترأس وفد مصر إليها.
وبجانب إيران وهى السبب المعلن حسبما جاء في تصريحات رئيس الوزراء القطري ، فإن قناة الجزيرة هى الأخرى لها دور كبير في قرار مصر خفض مستوى تمثيلها في قمة الدوحة ، حيث نقلت شبكة "فلسطين اليوم" في 29 مارس عن مصادر مصرية القول إن قرار الرئيس المصري حسني مبارك التغيب عن قمة الدوحة هو قرار شخصي ومرتبط بأداء قناة الجزيرة القطرية خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة ، وما قامت به من هجوم عنيف ضد الحكومة المصرية وصل إلى حد اتهامها بالتواطؤ ، رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها القاهرة والتي أدت إلى إجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار ، هذا بجانب الانتقادات العنيفة التي وجهتها مجددا للحكومة المصرية في ذكرى مرور 30 عاما على توقيع اتفاقية كامب ديفيد .
ويبدو أن موافقة الرئيس مبارك على الجلوس مع الرئيس السوري بشار الأسد في قمة الرياض العربية المصغرة التي عقدت بالرياض في 11 مارس وعدم موافقته على حضور أمير قطر ترجح الفرضية السابقة.
فقد فسر رفض القاهرة الوجود القطري في قمة الرياض التي ضمت كلا من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح ، والرئيس حسني مبارك والرئيس السوري بشار الأسد،، بعدم قدرتها على نسيان الحملة التي شنتها وسائل الإعلام القطرية على مصر ورموزها خلال فترة العدوان الإسرائيلي على غزة، والتي وصلت إلى درجة بث لقطات لمظاهرات يتم فيها تقطيع صور الرئيس المصري وإلقائها تحت الأحذية.
ورغم أن الآمال تصاعدت بانتهاء أجواء التشنج السابقة بعد دعوة العاهل السعودي للمصالحة في قمة الكويت العربية الاقتصادية في 19 يناير الماضي، إلا أن غياب قطر عن قمة الرياض وخفض مستوى تمثيل مصر في قمة الدوحة يؤكد أن ثمة خلافات عميقة مازالت موجودة بين القاهرة والدوحة حول التعامل مع بعض القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وذكر موقع "فلسطين بيتنا " في هذا الصدد أن التوتر المتصاعد في علاقات قطر ومصر هو انعكاس لصراع غير متكافئ بين دولتين، إحداهما لها ثقلها الإقليمي والدولي ودورها التاريخي المعروف، والثانية تبحث لنفسها عن دور ونفوذ جديد لكن بلا مؤهلات توصلها إلى المكانة التي تبتغيها لنفسها، والنتيجة أن الدولة الأخيرة اتبعت سياسة "خالف تعرف" وهو ما أدى إلى غضب القاهرة، التي شعرت بأن الدوحة تنافسها ليس لمجرد الظهور وإنما أيضا لإغاظتها، فراحت قطر تتقصى التحركات المصرية وتفتح جبهات موازية لها، فإذا أعلنت مصر عن مؤتمر لإعمار غزة ، أعلنت الدوحة عن مؤتمر شبيه، وإذا قررت أن تتولى ملف المصالحة بين الفصائل الفلطسينية، تنحاز الدوحة لفصيل وتتجاهل الآخر لتوسيع الخلافات، وإذا عزمت القاهرة على المساهمة في حل أزمة دارفور، تسارع قطر بتنظيم مؤتمر للمصالحة بين قادة التمرد والحكومة السودانية .
وأضاف أنه على الرغم من أن الأوراق تعود في النهاية إلى الأيادي المصرية، إلا أن مصر، وهي الشقيقة الكبرى، لم تترفع عن تلك التصرفات التي رأتها صبيانية واتخذت موقفا غاضبا في لحظة حاسمة في تاريخ العرب .
ويجمع المراقبون أن غياب الرئيس المصري عن قمة الدوحة أدى إلى إضعاف الدعم الذي كان متوقعا أن توفره القمة العربية لمأساة غزة ، خاصة وأن دور مصر حاسم في إنهاء تلك المأساة وتحقيق المصالحة الفلسطينية ، أيضا فإن غياب رئيس أكبر دولة عربية عن القمة كان مؤشرا على تراجع الآمال في إمكانية تحقيق مصالحة عربية شاملة في الوقت الراهن .
مخاطر غير مسبوقة
|
| |
| القمة العربية المصغرة فى الرياض | | |
ويبقى الأمر الأهم وهو أن حجم المخاطر الذي تتعرض له الدول العربية كان يتطلب مشاركة الدول الفاعلة وعلى رأسها مصر، لكى تأتي قرارات القمة على مستوى التحديات الكثيرة وعلى رأسها تولي اليمين المتطرف السلطة في إسرائيل ومذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير والعلاقات بين العرب وإيران والأزمة المالية العالمية والتغيير الذي جاء به أوباما ، هذا بالإضافة إلى القضايا المعتادة وهى فلسطين والعراق ودارفور والصومال ولبنان.
وكانت القمة العربية في الدوحة بدأت واختتمت أعمالها في 30 مارس رغم أنه كان مقررا أن تستمر يومين ، وهو الأمر الذي أثار استغراب المراقبين ، حيث فسره البعض بأنه دليل على استمرار الخلافات ، فيما رجح آخرون وجود توافق كبير بين الزعماء على القضايا المختلفة ، مما ساعد على إنهاء القمة بشكل مبكر .
وألقى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى البيان الختامي للقمة والذي أطلق عليه إعلان الدوحة وجاء فيه التاكيد على التزام الدول العربية بالتضامن المشترك والحق في المقاومة والدفاع عن الحقوق المشروعة ، كما شدد على تسوية الخلافات العربية عبر الحوار البناء والهادف بما يحفظ المصالح العربية المشتركة.
وأشار إلى مواصلة الجهود لتفعيل منظومة العمل العربي المشترك بما يتلاءم مع التحديات والمستجدات اقليميا ودوليا،كما وجه تحية اكبار واجلال للشعب الفلسطيني وأكد على الدعم العربي لصموده امام التعنت الاسرائيلي، مع ضرورة وضع اطار زمني لانسحاب اسرائيل من الاراضي العربية وعدم ترك القضية مفتوحة بل التزامات من الجانب الاسرائيلي.
كما طالب بضرورة اخلاء منطقة الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل مع التزام الوكالة الدولية للطاقة بإخضاع اسرائيل للتفتيش والمراقبة ، مع التأكيد على حق الدول العربية في الحصول على التكنولجيا النووية لاستخدامها في الاغراض السلمية من أجل توفير مصادر الطاقة الاخرى .
وأشاد بجهود الأنظمة العربية لتفعيل المشاركة الشعبية ودعم الحرية وارساء ثقافة الانفتاح واحترام القيم الانسانية المشتركة، وهو مايؤثر ايجابيا على الاستقرار والسلام الوطني ، ورحب باختيار الشيخ شريف رئيسا للصومال وأكد دعمه لهذا لبلد العربي من اجل تنميته واستقراره.
وطالب أيضا الجمهورية الايرانية بالتجاوب على الاقل بخصوص الجزر الاماراتية طمب الكبرى والصغرى وأبو موسى وإلا ستضطر الجامعة للجوء للمحاكم الدولية لحل هذا النزاع.
وبالنسبة للسودان ، أكد البيان رفض مذكرة اعتقال البشير ورفض كل ما يهدد سلامة السودان ، مؤكدا مساندته الكاملة للرئيس البشير وجهود حل أزمة دارفور في إطار عربي .
ومن الأشياء الإيجابية التي خرجت بها القمة ، هى المصالحة التاريخية التي تحققت بين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والزعيم الليبي معمر القذافي ، هذا بجانب المساندة الجماعية للسودان في محنته والتي ظهرت واضحة في الاصرار على مشاركة البشير ، حيث وصل الرئيس السوداني إلى الدوحة في 29 مارس للمشاركة في القمة وذلك رغم تهديد مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو باعتقاله فور مغادرته الأراضي السودانية ، واعتبرت مشاركته بمثابة رسالة تحد لأوكامبو من ناحية ورسالة رفض عربي لقرار المحكمة من ناحية أخرى ، وهو الأمر الذي من شأنه أن يدفع واشنطن وباريس ولندن لإعادة النظر في موقفها المؤيد لاعتقال البشير لكي لا تتعرض مصالحها في المنطقة العربية للخطر.