كان معلمنا في الصفوف الاولى من دراستنا بمدرسة هون الابتد ائية والشهيرة بالمركزية لاينفك يردد مقولة كانت سائدة في تلك السنوات تقول المحافظة على الاستقلال اصعب من نيله , كان مدرسنا ذلك مد الله في عمره يلقى على مسامعنا بهذه المقولة بعد ان يدخل عليها تحويرا بسيطا حيث تصبح المحافظة على الشيء اصعب من نيله , حين يقوم احدنا بافساد اوكسر شيء من اثاث المدرسة او يقوم بالحفر او الخربشة على المقعد الجالس عليه , كان مدرسنا ذلك يكثر من استعمال هذه المقولة المحورة حتى انها انحفرت عميقا في ذاكرتي وصرت كلما مررت بشيء مخرب على جانبي الطريق اوفي وسط الشارع اتذكر استاذنا ومقولته المحورة .
فكرة هذه المقالة خطرت لي عندما كنت في بن وليد حين اقامت رابطة صحافي طرابلس احتفالا تابينيا للشاعر محمد الهريوت , وبعد انتهاء الاحتفالية اصطحبني الصديق الكاتب منصور بوشناف في جولة على الارجل للتعرف على جزء من المدينة حوالي فندق الزيتونة , بعد خمس دقائق من السير انعطفنا يسارا فوق جسر كبير مهيب من الخرسانة المسلحة ومحاط من الجانبين بحاجز حديدي لحماية المارة من السقوط في الهيفوف العميق اسفل الجسر , في منتصف الجسر تقريبا حيث كنت اسير على حافة رصيف الجسر حذرني الاستاذ منصور من السقوط من فتحة كانت في السياج ناشئة عن حادث سابق ولم يتم اصلاحها شأن حال كل اعمدة الكهرباء وحواجز الجسور والطرق في بلادنا .
خمدت فكرة المقالة فترة طويلة الى ان استيقظت منذ اسبوعين حين الح علي الاولاد وامهم ان اخرج بهم في رحلة الى منتزه قطيفة القريب من مدينة هون الذي انشأته امانة السياحة في السنوات القريبة الماضية , المكان كان جميلا ومنسقا وبه مياه جارية وحمامات نظيفة وحوض سباحة مبلط بالقيشاني الملون ملائم للكبار والصغار وعدد من المظلات الثابتة وحديقة العاب اطفال كان ذلك منذ ثلاث سنوات , وحين دخلناه منذ ثلاثة اسابيع , كانت الاشجار ذابلة والالعاب متهالكة والحمامات طافحة والمظلات متهدلة وحوض السباحة لاماء فيه والمقاعد منزوعة اخشابها , وقاطع تذاكر الدخول خفير من العمالة الوافدة .
هذه الزيارة نبهتني الى ما تعانيه اماكننا ومرافقنا العامة من اهمال وتخريب وربما يمثل ما ساعرضه من نماذج من مدينة هون عينة تتكرر في كل المدن الليبية , من طرق يتم حفرها لغرض او آخر ولايتم اصلاحها بالشكل الجيد , ومن اعمدة كهرباء تصدمها سيارة ما وتظل ملقاة على جانب الطريق , ومن مصا نع كانت تضج بالحركة والانتاج توقف عملها واقفلت لسبب او آخر, في هون مثلا مصنع لكبس وتعبيئة التمور افتتح في ستينيات القرن المضي وحدث بآلات جديدة في الثمانينات , كان يستوعب كل محصول التمور المنتجة في ليبيا التي كان جزءا كبيرا منها يصنع للمعارض والمحلات وجزء آخر يكبس ويعبأ كتغذية مدرسية ايام كانت الدولة تحرص على تغذ ية الطلاب وما يتبقى من تمور غير صالحة للاستهلاك البشري يباع كاعلاف , هذا المصنع متوقف تماما عن الانتاج منذ ا كثر من خمس سنوات يتكدس على آلاته الغبارويشاع انها لم تعد صالحة للاستعمال ام العاملون به فقد تفرقت بهم السبل , اما انتاج التمور في منطقة الجفرة فلايسوق منه الا مقدار بسيط ويتكدس اغلب المحصول في المزارع ا لى ان يباع كاعلاف , هذا المصنع كان في احدي فترات ازدهاه يستوعب كل الباحثين عن عمل في منطقة الجفرة حتى من النساء المتقدمات في السن وطلاب المدار س في العطلة الصيفية .
نموذج آخر للتد مير نتيجة الاهمال وسوء الادارة , فندق الهروج الذي افتتح منذ حوالي خمسة عشر عاما من ثلاثة طوابق وبستين غرفة فردية وزوجية ومجموعة اجنحة وبمطعم ومغسلة ومقهى وثلاثة قاعات مناشط واجتماعات وقد جهز حينها باحدث وارقى التجهيزات المستوردة فكان نموذجا جيدا للايواء الفند قي ولكنه الان مهدد بالانهيار نتيجة تسرب كميات من المياه تحت اساساته , وصالة المطعم لاتستطيع ان تتناول فيها وجبة بسبب الروائح الكريهة , والغرف تآكل اثاثها واصبح اكثر من نصفها غير قابل للاستعمال , والممرات تنبعث من فرشها روائح كريهة , والمقهى لايتوفر على كأس شاى او كوب قهوة , والمغسلة متعطلة ومقفلة من سنوات , وحتى صور الفنان فتحي العريبي التي كانت تزين جدران الممرات اختفت , ومكتب الاستقبال اصبح طاولة كبيرة متآكلة الوجه والحواف يقف خلفها موظف متبرم لايعرف من اللغة سوى مط شفتيه اورفع حاجبيه , والامر الاكثر غرابة هوانه رغم كل بؤس هذا الشبه فندق انه اغلب الاحيان لاتجد فيه مكانا شاغرا ما يعني انه يحقق دخلا كونه يكاد يكون الوحيد في منطقة الجفرة .
النماذج كثيرة في منطقة الجفرة ولن اتعرض لها بالتفصيل في هذه المقالة خوف ان اتهم بالاسأة الى المنجزات او بالتنقيب عن الاخطاء والتجاوزات اوبالحفر تحت رؤوس المسؤلين بالمنطقة وهم بين قريب ونسيب وصديق ومعرفة وجار وابن جار, فمن اراد مزيدا من المعلومات من خارج المنطقة - اما ابناؤها فهم كاهل مكة ادرى بشعابها - اعطيه هذه العاناوين لزيارتها , ليبدأ بالنزول في فندق الهروج ثم يخطف رجله لزيارة منتزه ودان السياحي للاستمتاع ببحيرته الصناعية , وحين يعود الى هون لابأس ان مر بمصنع التمور وقرا الفاتحة امام بوابته المقفلة ثم يواصل رحلته الى سوكنه ليزور متحفها التاريخي الذي لاتفتح ابوابه على مدار السنة ثم يتوغل جنوبا او شمالا في الحمام القديم والجديد والفرجان , حيث المشاريع الزراعية الممتدة على مساحة واسعة والتي قال فيها شاعر شعبي فترة السبعينيات ابان انشائها .
كيف حال الجفرة وعربها ياك غير المشروع عجبها
وعجبي الان على رأي الممثل محمد رضا , مشاريع زراعية يزهر فيها القصبة والاعشاب الضارة ويلتمع بياض الملح على وجهها , لااريد التفصيل لكي لا اضيع عليكم متعة المشاهدة .