الجيران : الطٌاهر المعز
تعود العلاقات "الحميمة" بين أمريكا وأفريقيا إلى عدٌة قرون خلت، حيث مكٌن الإستنزاف البشري لأفريقيا (صيد ملايين الشٌبٌان السود لاستعبادهم في المزارع والبيوت) من التراكم البدائي لرأس المال، وتطوٌره حتى مرحلة الإمبريالية...ثم أسٌس العبيد الأمريكيون المحرٌرون دولة "ليبيريا" التي أصبحت قاعدة أمريكية، في السٌاحل الغربي لآفريقيا.
لكن الولايات المتٌحدة لم يكن لها تاريخ استعماري تقليدي (رغم عدواتاتها العسكرية العديدة منذ قرنين) مثل بريطانيا وفرنسا، اللتين تقاسمتا افريقيا والعالم، غير أنها استفادت من الحربين العالميتين، لتقوية نفوذها الإقتصادي والعسكري (عكس بريطانيا وفرنسا).
بالتوازي مع إضعاف الإمبرياليات الأروبية، زاد نفوذ الإتحاد السوفياتي وحلفائه، وكانت افريقيا ساحة للصراع بين المعسكرين "الغربي" بزعامة أمريكا، و"الشرقي" بزعامة الإتحاد السوفياتي (الكونغو، أنغولا والموزمبيق، افريقيا الإستوائية، مصر وغيرها).
مثٌل انهيار الإتحاد السوفياتي، وأروبا الشرقية وحلف فرصوفيا (وارسو)، فرصة للهيمنة المطلقة على عديد مناطق العالم، ومنها افريقيا، برغم التنافس الأمريكي الفرنسي (قبل عشر سنوات كانت لفرنسا 100 قاعدة عسكرية في القارٌة، و20 دولة افريقية كانت نشيطة في الدفاع عن الفرنكفونية)، خصوصا بعد الإكتشافات البترولية في بعض المناطق الافريقية وأهمٌها منطقة خليج غينيا... منذ 2006 أصبحت أمريكا تطرح استراتيجيا شاملة، عسكرية هيمنية، توٌجتها بتنصيب قيادة لأفريكوم (القيادة العسكرية الأمريكية الموحٌدة في افريقيا – يونيتد ستايتز أفريكا كوماند)، أي تكوين "القيادة السٌادسة" الخاصة بمراقبة افريقيا، بعد أن كانت القارة الافريقية من مشمولات القيادة العسكرية الأمريكية بأروبا (ومقرٌها شتوتغارت – ألمانيا)، باستثناء مدغشقر (من مشمولات قيادة المحيط الهندي) أما مصر (وبها أكبر سفارة أمريكية في العالم قبل احتلال العراق) فكانت ولا زالت "تتمتٌع" بوضع خاص، بعد تطبيع علاقاتها كلٌيٌة مع الكيان الصٌهيوني...
مقدٌمات أفريكوم
منذ عام 1994، بدأت أمريكا، بواسطة الحلف الأطلسي، تطرح حوارا متوسٌطيٌا/أطلسيٌا، مع سبع دول متوسٌطيٌة من غير أعضاء الحلف، "بهدف التٌرويج للأمن والإستقرار الإقليمي"، ولعبت تركيا دور الوسيط، ليجمع "الحوار" كلاٌ من الحلف الأطلسي من جهة مع موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس ومصر والأردن والكيان الصٌهيوني (نتائج أوسلو الكارثيٌة)، من جهة أخرى. وفي 2003 أثمرت هذه الجهود عن انعقاد قمٌة في اسطمبول جمعت 26 دولة بهدف "تنمية إطار الحوار المتوسٌطي"، وإدماج الكيان الصهيوني في عمليات تدريب ومناورات مشتركة مع بلدان المغرب العربي، بداية من 2002 بالنسبة للجزائر ومنذ 1995 بالنسبة للبقيٌة، تحت إشراف الحلف الأطلسي، بدعوى الإنقاذ أو مقاومة الكوارث أو حماية البيئة...ومنذ 2001، بدأت أمريكا تبدي اهتماما خاصٌا واتسمت سياستها بحركيٌة مريبة في المغرب العربي (شمال افريقيا كما تسمٌيه)، وركٌزت عام 2002 برنامجا أسمته "ميبي" (ميدل إيست برتنارشيب أنسيتيف) أو مبادرة الشراكة للشرق الأوسط، بموافقة الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وتحت إشراف إدارة شؤون الشرق الأوسط ، بوزارة الخارجية (كعنوان فرعي لأطروحة الشرق الأوسط الكبير، الممتد من المغرب إلى أفغانستان وحدود الصٌين وروسيا)، وتعاونت أمريكا في عديد المناسبات مع أروبا (وفرنسا بشكل خاص) حول تبادل الخبرات والمعلومات وتدارس الاستراتيجيات المستقبلية...كل هذا بالتوازي مع السياسات الأروبية الخاصة كمسار برشلونة، وعلاقات الشراكة والحوار الأورو-مغاربي، قبل طرح فرنسا مشروع "الإتحاد من أجل المتوسٌط"، بعد وصول ساركوزي للرئاسة.