هسبريس :أحمد القصوار
Tuesday, April 14, 2009
احتلت مقولة التنمية في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم موقعا متميزا داخل الخطابات الإعلامية والسياسية والاقتصادية العالمية. ذلك أن تقسيم العالم إلى شرق وغرب إبان الحرب العالمية الثانية، أفرز كثلة من الدول لا شرقية ولا غربية وإنما سميت على استحياء بالعالم الثالث أو الدول النامية.
وقد رافقت هذه الهبة الخطابية برامج موجهة لحفظ صحة الأم والطفل والتربية والتزويد بالماء الشروب... خاصة من طرف المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة. غير أن ما نريد إثارة الانتباه إليه، هو الأصل الاستعماري الإمبريالي لتلك المقولة التنموية التي انكشف سحرها في خضم الزفة العولمية الباذخة. هكذا وبقدرة قادر، صار العالم قرية صغيرة، وصار رأس المال وانخفاض سعر بيع المنتوجات والخدمات هو اللغة الوحيدة الموحدة لجميع دول العالم شرقا وغربا، تنمية وتخلفا. وفي الوقت الذي بح صوت فرنسا لضمان ما أسمته بالاستثناء الثقافي خرس أغلب من تكمن وظيفتهم الأولى والأخيرة، في الدفاع عن مصالح ومصائر الدول المتخلفة.. وصارت قمة السبعة الكبار تتصدق ببعض الفتات من ديون الدول المصنفة في ذيل لائحة التنمية... فيما تتسابق الدول المتخلفة ذات الأصل والحسب والنسب في ما بينها لطلب ود الكبار وإبرام اتفاقيات ثنائية تسمى بالتبادل الحر، وما هي في الواقع إلا عبودية جديدة وتنمية للتخلف وتجذير حضاري للبربرية الاقتصادية والاجتماعية العالمية.
لقد بتنا نَحِنُّ للسبعينيات والثمانينيات حيث كان للكلمات معنى، وللخطابات أفق يحمل قضايا ملموسة... وها نحن نسبح بحمد العولمة راضين مطمئنين ونجهد أنفسنا في تنمية تخلفنا عن سبق الإصرار والترصد.
لقد سقطت ورقة التوت عن عورة الإمبريالية الاستعمارية التي أبدعت إستراتيجية جهنمية في تنمية تخلفنا، وحكمت علينا بالسجن داخل أسوارها مدى الحياة.والخطير أنها تحالفت مع المفسدين المحليين خدمة لمصالحهما المتبادلة.
الفساد النسقي
فقد ابتليت أغلبية البلدان العربية بالفساد الإداري والاقتصادي والقضائي... حتى صار عنوانا مكثفا لطبيعة اشتغال مختلف المؤسسات القائمة وبطاقة زيارة تطال مختلف القائمين عليها أو المستفيدين من خدماتها.
وفي الوقت الذي ارتفعت فيه الأصوات المطالبة بمحاربة الظاهرة، بل وحتى اتخذت إجراءات وقامت مبادرات عملية للتكفل بذلك، لم يتم الانتباه إلى الطابع النسقي لهذه الآفة التي تستنزف خيرات البلاد وتنهك جيوب العباد.
ذلك أن تفشي الرشوة والمحسوبية وعدم إعمال مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص... ليست ظواهر أو أعمال معزولة يمكن التحكم فيها ووصف العلاج المناسب لها، ولكنها مرض نسقي يسري في الجسد الإداري والاقتصادي والقضائي كله، بحيث يستحيل توقيفه عند نقطة معينة، وإنما يتطلب الأمر معالجته على جميع الأصعدة والمستويات. والأفدح من ذلك أن الجهات المكلفة بالعلاج غارقة في العمليات المشبوهة، ويصلها نصيبها من الغنائم المالية أو غيرها، إذ كيف يمكن محاربة الفساد وأجهزة المراقبة المالية أو الإدارية وكذا القضاء يشاركون ويتواطئون طبقا للعبارة الشهيرة المتداولة حاميها حراميها؟ !
إن هذا السؤال الإشكالي الذي يلخص نسقية الفساد، يدفع إلى الانتقال إلى مستوى أعمق يخص نظام القيم داخل المجتمع الذي سمح للأفراد بأن يتعايشوا مع الفساد، بل ويتفاخرون به وبمكتسباته المادية والمعنوية حتى غدت مبادئ النزاهة والاستقامة وحفظ الأمانة وإعمال المقتضيات القانونية... علامة على البلادة وقلة الحيلة في زمن صار فيه الإفساد والفساد هو العملة الرائجة والبضاعة التي يبحث عنها كل من يريد قضاء حاجته بسرعة ومن غير عناء كثير !
إن الفساد ظاهرة نسقية تتطلب مقاربة نسقية من نفس الحجم والمستوى، وإلا تحولت محاربته إلى شعار أجوف لا يعني شيئا.
تفقير الفقراء
وصدق من قال إنه يجب البحث عن المال حيث يوجد.. أي عند الفقراء ! قد يبدو الأمر مفارقا وعجيبا، لكن هذه هي حقيقة الأمر وقانون الانقضاض على الأموال المتفرقة والموجودة عند من هم في حاجة إليها.
فليس غريبا أن يكون محدودو الدخل هم أول من يدفع الضرائب من المنبع، وهم أول من تتسابق شركات السلف والقرض لكسب ودهم ودفعهم إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية للاستفادة من السلفات الاستهلاكية المتناسلة، مقابل الدفع "المريح" وبنسب فائدة تقدم على أنها ذرر سماوية لم يسبق إليها إنس ولا جان !
ولا عجب أن تنبت كالفطر دكاكين الاتصالات في أحياء قد يبدو وللناظر الغريب أن تسونامي مسها بسوء منذ هنيهة ! فعناق الحي العشوائي أو البراكة مع البورتابل (آخر صرعة) هو التجسيد المادي لهذا الحلف غير المقدس... فما دام هناك زبناء محتملون وسيدفعون الدريهمات من أجل هذه السلطة أو تلك.. فإن أباطرة المال والأعمال مستعدون لفتح دكاكينهم حتى في الربع الخالي، ولا يهمهم وضع الساكنة أو مستوى عيشها أو بنيات أحيائها التحتية أو حتى الفوقية.
كذلك شأن الأبناك التي تلاحق الموظفين ملاحقة أمريكا لمن يتهمون بالإرهاب، حيث إنها تتصيد الأعياد والمناسبات لإمطارهم بعروضها "المغرية" ودفعهم إلى التوقيع على شهادة فقرهم المؤبد... ولا يهم إن بقي في أجرتهم دريهمات قليلة قد لا تسد حتى الرمق!
هكذا، تصير العولمة أداة لتفقير الفقراء وتصوير حاضرهم وغدهم على أنه آمل موعود وجميل. إنها قمة الانتهازية والسرقة المقنعة التي تلبس لباس السلف بفوائد ملائكية !
ahmed_kas71@yahoo.fr