إيلاف ديجيتال- كامل الشيرازي من الجزائر:
طالما شكّلت علاقات الجزائر ورئيسها عبد العزيز بوتفليقة مع دول الجوار: ( تونس-المغرب-ليبيا-موريتانيا-مالي والنيجر )، مادة دسمة بحكم ما يطبع هذه العلاقات من تباين ونقاط ظلّ، وتبعًا للتحولات التي شهدها التواصل الجزائري بشقيه مع النطاق المغاربي ودول الساحل المجاورة خلال العشر سنوات الأخيرة من حكم بوتفليقة للجزائر، ارتأت " إيلاف " في هذه الورقة مقاربة المسألة مع مختصين، أيامًا بعد انتخاب بوتفليقة رئيسًا جزائريًا لخمس سنوات أخرى.
يرى المحلل "فيصل بخوش" إنّ علاقات الجزائر مع نظيراتها المغاربية، "باردة" مقارنة بعناصر الاندماج الكثيرة غير المستغلة، ويلاحظ بخوش أنّه على الرغم من أنّ ما يجمع الجزائر بجيرانها، أكثر مما يفرقها عنهم، إلا أنّ تلك الروابط لم تستغل بشكل جيد، والمسؤولية في ذلك تقع بحسب بخوش على الأنظمة المغاربية كافة وليست مقصورة على الجزائر، في إحالة منه على معضلة الصحراء، وبقاء الأخيرة عالقة بين طرفي النزاع (المملكة المغربية وجبهة بوليساريو)، معلّقًا بشأن التشنج الجزائري المغربي المستمرّ: "من بادر بإغلاق الحدود؟ ومن فرض التأشيرة على رعايا الآخر؟.
وبمنظار فيصل بخوش، فإنّ "جزائر بوتفليقة أعطت أكثر مما أخذت"، مستعرضًا منجزات حققتها الدبلوماسية الجزائرية في عهد بوتفليقة، كحلها مشكلة الرهائن بين حكومة بماكو والمتمردين الطوارق، واتفاق السلام الموقّع بين الطرفين في 23 مايو/آيار 2006، وما تلا ذلك من إنهاء نسبي لمظاهر التوتر شمال مالي، ويذكر بخوش أيضًا إسهام الجزائر في إطلاق تنظيم القاعدة لعشرات الرعايا الأوروبيين الذين اختطفهم المتمردون في صحراء الجزائر أو في دول الساحل عام 2003 وكذا السنة المنقضية.
ويؤيد الأستاذ مهدي براشد رأي فيصل بخوش، في أنّه لا ينبغي تحميل مسؤولية البرود الحاصل مغاربيًا إلى دولة واحدة فحسب، ويلحان على أنّ فشل تكتل كالاتحاد المغاربي وبقاءه رهينة احتباس مزمن مسؤولية مشتركة بين الجميع، ويستهجن بخوش كما براشد للجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة المغربية بغرض الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أكثر بكثير من جهودها لتفعيل المؤسسة المغاربية الأمّ، ويدافع المحللان عن أداء بوتفليقة مع جيرانه بالتأكيد على أنّه "ورث وضعًا مأزومًا" عندما تسلم زمام الحكم سنة 1999، ويسترجعان كيف أنّ يوتفليقة بادر إلى الدعوة لعقد قمة مغاربية بالجزائر في يونيو/حزيران 2002 بيد أنّ بعض الزعماء "قاطعوها"، وينتهي بخوش إلى إبداء ملاحظة مفادها أنّ المتعارف عليه دوليًا هو أن القمم مدعاة للتقارب والانسجام، بينما في الحالة المغاربية تمامًا مثل العربية القمم فرصة لتعميق النزاعات وإشهار فيتو المقاطعة.
ويعزو فيصل بخوش، ما يكتنف علاقات الجزائر مع دول الجوار، إلى "أجندات كل دولة"، مستدلاً بكون جهود الزعيم الليبي معمر القذافي مع قبائل الطوارق في إفريقيا أكبر بكثير من جهده المغاربي، ويركّز فيصل بخوش ومهدي براشد على الخلل الذي ينتاب الخطاب السياسي لجيران الجزائر، ما دفع الرئيس الجزائري للانتصار إلى المبادرات الثنائية في صورة ما هو قائم حاليًا من تعاون بين الجزائر وتونس من جهة، والجزائر وموريتانيا وكذا الجزائر وليبيا، بشكل سمح بتسجيل سيرورة منتعشة للجان العليا بين البلدان الأربعة.
من جانبه، يعتقد "عبد الوهاب بوكروح" المتتّبع لعلاقات الجزائر الخارجية، أنّه باستثناء ملف الصحراء الغربية الذي أعاق كثيرًا التقارب الجيد بين أعضاء اتحاد المغرب العربي، فإنّ العشر سنوات الفارطة سجلت حركية جديدة في علاقات الجزائر مع بلدان الجوار على كثير من الأصعدة، ويستشهد بكروح بمجال التعاون الأمني الذي كثفت الجزائر من خلاله اتصالاتها مع بلدان المغرب العربي وكذا مالي والنيجر، في إطار الجهود المبذولة للقضاء على المجموعات المتمردة ومكافحة الإجرام المنظم وشبكات التهريب، ناهيك عن توقيع اتفاقات تبادل المطلوبين بين كل من الجزائر والمغرب وليبيا.
ويلفت عبد الوهاب بروكروح إلى تعزيز الجزائر علاقاتها بليبيا وتونس في المجالات الاقتصادية، حيث سجلت المبادلات التجارية مع الدولتين المذكورتين قفزة تناغمت مع اتجاه الجزائر لتعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع العالم العربي، بيد أنّ بوكروح يشاطر بخوش وبراشد في ارتهان الواقع الاقتصادي بالاحتباس السياسي، ويتصور بوكروح أنّ انتهاء حالة التوتر مع المغرب، مرتبطة بعامل رئيسي وهو مدى نجاح الأمم المتحدة في تفكيك خيوط قنبلة الصحراء، فبمجرد نجاح الأمم المتحدة في الصول إلى نتيجة وفق ما تقتضيه ظروف الشرعية الدولية، يُتوقع مباشرة تقارب جيد بين البلدين، لأنّه في الحقيقة لا توجد أصلاً نقاط خلافية بين الشعبين الجزائري والمغربي، وما يعيشه البلدان منذ ثلاثة عقود على الأقل، هو أنّ السلطات السياسية في البلدين تعيش ما يمكن أن يسميه مجازًا حالة الحياة فيمن يعود خطوة إلى الوراء ويبدي ليونة ومرونة، على حد تعبيره.
بدوره، يذهب الأكاديمي "نور الدين حيان" إلى أنّ علاقات الجزائر مع جيرانها تحت ظلّ بوتفليقة، لا تزال متذبذبة بشكل ترك الاتحاد المغاربي في الثلاجة للعام الخامس عشر على التوالي، بينما يعزو الخبير الاستيراتيجي "أنيس نواري" القضية برمتها إلى مشكلة الصحراء التي أعاقت كل شيئ، ويلاحظ نواري أنّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والعاهل المغربي محمد السادس، لم يجدا الصيغة المثلى للحل بسبب "تباعد النظرتين".
بالنسبة لعلاقات الجزائر مع كل من مالي والنيجر، يصنف أنيس نواري ونور الدين حيان الأمر في خانة "النظرة الأمنية المحضة"، وذلك مردود بحسبهما إلى رغبة الجانب الجزائري في استحداث "منطقة عازلة" حتى لا تتسلل إليها جماعات الإرهاب، ويكشف نواري أنّ الجزائر في عهد بوتفليقة منحت دولة مالي أموالاً ضخمة كي تدفع عجلة التنمية بها، على نحو يحول دون (إبرام) الطوارق حلفا مع مافيا تهريب الأسلحة.
وفي الشق الخاص باللحاق الجزائري الليبي، يقول أنيس نواري أنّ بوتفليقة يتبّع منطق "مسايرة" القذافي وكسبه كصديق، بينما في الحالة التونسية، فإنّ الجزائر بنظرة الخبير ذاته تريد بشكل ما إظهار نموذج التعاون الثنائي سياحيًا وتجاريًا للمغرب.
المختص بشؤون المغرب العربي ودول الساحل "أنيس بن هدوقة" يرتكز على أنّ رئاسة بوتفليقة للجزائر حفلت بإحرازات اقتصادية مع الجيران، في صورة مشاريع اقتصادية مشتركة كالطريق العابر للصحراء وأنبوب الغاز (الجزائر- لاغوس-مدريد)، إضافة إلى معاهدات التعاون المشتركة، فضلاً عن انضمام الجزائر للسوق العربية الحرة وأثر ذلك على دول الجوار.
ويشير أنيس ين هدوقة إلى الدور الحازم الذي لعبته الجزائر على صعيد إدانة الانقلاب الحاص في موريتانيا في يوليو/تموز 2008، وتأثير الموقف الجزائري على منظمة الوحدة الإفريقية، ناهيك عن امتناع بوتفليقة استقبال موفد الانقلابيين إلى الجزائر قبل أشهر، ورفضه كذلك إذابة جدار الجليد مع الرباط، تبعًا لتعنت العرش العلوي -بحسبه- في تصفية "الاحتلال" المغربي للصحراء الغربية.