هل يمكن ان يكون هناك عرب ومسلمون لايشطرون العالم بسيوف الاحباط

صحيفة الوقت : أعمدة
مسلمون عاديون!
أمجد ناصر

هناك مشكلة في صورتنا عند الغرب. المشكلة قديمة. قدم صراع الإرادات بين الشرق والغرب، وقد حيك نسيجها المعقد، عبر القرون، من أكاذيب وحقائق يصعب فصل خيوطها بعضها عن البعض. وكلما استمر الصراع على مصائر منطقتنا التي تكتسب (لسوء حظنا) أهمية استراتيجية في صراعات القوة والاستحواذ، كلما تعقدت هذه الصورة أكثر. فمرة كانت خيرات المنطقة هي الهدف. ومرة أخرى كان موقعها الحيوي الذي يتوسط العالم القديم. مرة لأنها ممر ضروري لطرق التجارة.
وأخرى لأنها مهد الديانات وحاضنة رموزها المقدسة.. وأخيراً لكونها أرض النفط.. ذلك السائل الأسود الثقيل الذي من دونه تغرق مدن الشمال في الظلمة والبرد وتتحول آلاتها ومراكبها ومصانعها وحواسيبها إلى هياكل خاوية.
لكن أسوأ ما طرأ على هذه الصورة حصل في السنين الأخيرة، خصوصاً، بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. صورة العربي ـ المسلم إرهابياً، انتحارياً، مقنّعاً، مزنَّراً بالديناميت، يحزُّ رقاب أعدائه بالسيف أمام الكاميرا، أو يسحلهم بالشوارع ويمثّل بجثثهم! هذه هي الصور التي تقفز إلى ذهن الغربي عندما يذكر اسم العربي أو المسلم. هؤلاء، طبعاً، موجودون. وهم يروّعون العرب والمسلمين أكثر مما يروّعون الغربيين. لكن ماذا عن الذين يكتبون الشعر والقصة والرواية ويرسمون ويغنون ويرقصون، ويصنعون أفلاماً ومسرحيات ويتوقون إلى عالم خال من الظلم والحروب؟ ماذا عن أمهاتنا في الأرياف والبوادي، اللواتي يستعنَّ على الضنك بالصبر الجميل، ويصنعنّ من بقايا الثياب والأنسجة بسطاً ملونة، ويطرّزن بأعينهن الكليلة طيوراً وأزهاراً على مناديل الأعراس؟
ماذا عن الطهاة والرواة والحصادين وعازفي الربابة والرعاة والمتصوفة ومدرسيّ الأقاليم والحواة وجامعي الأعشاب النادرة ومجوّدي القرآن والآثاريين، والعطارين وسائقي الحافلات وموزعي النذور؟ لا صورة لهؤلاء الذين يرفعون أعمدة النهار على أثافيه الثلاث تظهر على شاشة تلفزيون أو صحيفة غربيتين. لا صور الحداثة العربية ولا صور القدامة. الصور الأثيرة، المتكررة، حتى الضجر، هي للأحزمة الناسفة والذقون الشعثاء المسترسلة والوجوه المقنْعة.
؟ ؟ ؟
لكن ثمة، أيضاً، من يفكر فينا على نحو آخر في الغرب. ثمة من يرى صورة أخرى.
هذا ما يفعله كتاب جميل بعنوان ''لقاءات مع مسلمين رائعين'' صدر في لندن وضم طائفة من الرحلات التي قام بها رحّالة وكتاب ورجال أعمال غربيون إلى العالم الإسلامي. الكتاب ليس حديثا، أو بالأحرى صورة ليست وليدة اليوم فقط، بل تضم ابن الأمس والذاكرة كذلك. نحو 39 صورة للعالمين العربي والإسلامي بحداثيتهما اللتين تتقاطعان من دون عقد أو مركبات نقص مع الآخر، أو بقدامتيهما اللتين لا ترينانه عدواً مقيماً أبد الدهر. العالمان العربي والإسلامي هنا، ليسا مكانين خطرين، للمرأة أو الرجل الغربيين، حيث فزّاعات الاختطاف والاغتصاب التي تتقدم كل ذاهب أو ذاهبة إلى ذلك العالم المترامي الأطراف. من زرياب البغدادي، الأندلسي أبي الغيتار والاتيكيت الغربيين، إلى رجال الطوارق في الصحراء الكبرى، مروراً بعرب ومسلمين عاديين أو ذوي موقع ديني أو اجتماعي، في كل من تركيا، فلسطين، أفغانستان، مصر، السنغال، السودان.. الخ.. تركوا صوراً لم تنمح في أذهان الغربيين الذين التقوهم في هدأة وانسجام محيطهم الطبيعي. هذه صور حقيقية للعالمين العربي والإسلامي. صور الأفراد والجموع التي لا تثير شهية الكاميرات النهمة للتنميطات، أو للشاذ والغريب (الاكزوتيكي)، تمكن من التقاطها رحالة وكتاب ورجال أعمال تركوا عيونهم ترى وآذانهم تسمع.. وقلوبهم تنبض لا من الخوف والرهبة.. بل من الحب.. أو الفضول البريء.
؟ ؟ ؟
كان يمكن أن تجد هذه الصور موزعة بين بطون الكتب والدوريات الكثيرة التي تصدر، بالآلاف، بل بالملايين، في الغرب، لكن محرري الكتاب بارنبي روجرسون وروز بيرنغ عمدا لجمع شظايا هذه الصورة في كتاب واحد.
هل يمكن أن يكون هناك عرب ومسلمون لا يتزنّرون بالأحزمة الناسفة ولا يشطرون العالم بسيوف الإحباط والغضب إلى معسكرين متقابلين؟ بلى.. يوجد. بل هم الكثرة الكاثرة.. ولكن نادراً ما ترى صورهم أو تسمع أصواتهم وسط صيحات الويل والثبور التي يطلقها متعصبونا.. ونادراً ما يكون هناك سعي جدي مخلص من طرف صانعي الصور الغربيين لمعرفتهم. هذا ما يقوله الكتاب بوضوح. إنه إعادة اعتبار لهذه الصور المغمورة (الصور الحقيقية)، ولتلك الأصوات الضائعة وسط أكوام ضخمة من التنميطات والهلوسات التي تصعب زحزحتها في ذهن الآخر حيال عالم يسعى من أجل عيش أقل وطأة ونكداً.

- كاتب من الأردن يقيم في لندن.

هل يمكن ان يكون هناك عرب ومسلمون لايشطرون العالم بسيوف الاحباط

هل يمكن ان يكون هناك عرب ومسلمون لايشطرون العالم بسيوف الاحباط :: تعاليق

هل يمكن ان يكون هناك عرب ومسلمون لايشطرون العالم بسيوف الاحباط

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة