|
جانب من فعاليات الربيع الأمازيغي | الجزائر- في العاشر من مارس 1980 ألغى المسئولون عن المركز الجامعي في ولاية تيزي وزو (عاصمة منطقة القبائل الجزائرية) محاضرة للكاتب الأمازيغي مولود معمري حول الشعر القبائلي، فعمت المظاهرات الولاية في اليوم التالي، ونُظمت إضرابات في مناطق القبائل والجزائر العاصمة، تلاها مواجهات واعتقالات واحتجاجات وضعت أوزارها مع نهاية أبريل قبل 29 عاما. من حينها لا شهر يعلو فيه الحديث بالجزائر عن الهوية الأمازيغية على شهر أبريل؛ فطيلة هذا الشهر يحتفل الأمازيع بما بات يعرف بينهم بـ"الربيع الأمازيغي"، أي ذكرى احتجاجات عام 1980.
وهذا العام لا حديث يعلو خلال الاحتفال بالذكرى التاسعة والعشرين لهذا الربيع على ما تواجهه اللغة الأمازيغية، المعروفة باسم "تمازيغت"، من عقبات تحول دون انتشارها رغم مرور سبع سنوات على الاعتراف بها كلغة وطنية. ويرصد يوسف مراحي، أمين عام مؤسسة "المحافظة السامية للأمازيغية" (حكومية)، أبرز هذه العقبات بقوله في حديث مع "إسلام أون لاين.نت": "إن الأمازيغية مادة دراسية في المدارس الوطنية، لكنها اختيارية، ما يحول دون تطورها؛ لذا يجب تحويلها إلى مادة إجبارية". ويوضح أنه بعد سبع سنوات من تدريسها "صار لدينا هذا العام 160 ألف تلميذ يدرسون الأمازيغية، و900 معلم يدرسونها، غير أن هذا العدد ليس كافيا لبلوغ المستوى المأمول". فرص محدودة مشكلة أخرى تواجه انتشار الأمازيغية، هي "توظيف الداراسين لها، حيث يتم إجراء مسابقات بينهم على عدد محدود من الوظائف الشاغرة، ولا ينجح إلا عدد قليل منهم"، وفقا لأمين عام "المؤسسة السامية للأمازيغية". ويقول مقران، أحد خريجي جامعة تيزي وزو: "حين قررت الحكومة تدريس الأمازيغية في المدارس قررت على الفور دراستها بالجامعة؛ كي أعمل كمعلم في المدارس.. تصورت آنذاك أن فرص عمل كثيرة تنتظرني، لكن الواقع صدمني، فلم أفز في مسابقة التعيين كمدرس، وأصبحت أدرّس بعقود مؤقتة". وللأمازيغية كليات في جامعات: تيزي أوزو، بجاية، البويرة، وتعتزم وزارة التعليم العالي فتح كلية جديدة في جامعة باتنة (شرق)، وتم الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية إثر أحداث شغب اندلعت في منطقة القبائل عام 2001، عشية الاحتفال بـ"الربيع الأمازيغي" الـ21. وفجر هذا الشغب مقتل طالب ثانوي أمازيغي داخل أحد مقار الدرك الوطني؛ ما اضطر الحكومة إلى التحاور مع الأمازيغ لإخماد الأحداث التي قتل فيها 120 شخصا، فضلا عن الخسائر المادية. وانتهى الحوار بتلبية عدة مطالب للأمازيع، منها اعتبار الـ"تمازيغت" لغة "وطنية" (وليست رسمية) وفقا للمادة 3 مكرر في الدستور، وتدريسها في مدارس المناطق التي يتحدث سكانها أو بعضهم هذه اللغة، وحددت وزارة التربية هذه المناطق بولايات: تيزي وزو، وبجاية، وبويرة، وبومرداس، والجزائر العاصمة، وسطيف، وجيجل، وتيبازة، ووهران، وتمنراست، وبشار، وغرداية، وباتنة، وتبسة، وسوق أهراس، وخنشلة، وبسكرة، وإليزي، وأم البواقي، وبرج بوعريريج. ثلاثة حروف كتابة "التمازيغت" تمثل أيضا مشكلة تواجه انتشار هذه اللغة، بحسب مراحي، الذي يوضح أن "الكتب الدراسية باللغة الأمازيغية تكتب بثلاثة أحرف، جزء باللاتينية، وثاني بالعربية، وأخير بحرف تيفيناغ (الحرف الأصلى للغة الأمازيغية)". ويشدد مراحي على أن "القواعد والمعاني تختلف باختلاف الأحرف التي تكتب بها الأمازيغية؛ وتصبح اللغة غير موحدة". ويعرب عن اعتقاده أن "الواقع يفرض استخدام الحرف اللاتيني؛ حيث أصبحت لدينا منظومة ثقافية مكتوبة باللاتينية، بينما لا نملك مثل هذه المنظومة بالحرف العربي". العربي أفضل لكن الدكتور محاند أرزقي فرّاد، الباحث في التراث الأمازيغي، يختلف مع مراحي، قائلا: إن "من الأفضل كتابة الأمازيغية بالحرف العربي بعدما طمس المستعمر الفرنسي اللغة العربية خلال قرن وثلث القرن، كما أن الأمازيغية لغة سامية وليست حامية كما يدعي الغربيون، ومن ثم فالحرف الأمازيغي موجود في الحرف العربية، وهو ما يفتقر إليه الحرف اللاتيني". ويلفت إلى أن "الأمازيغية كانت تكتب في شمال الجزائر خلال القرون الوسطى بالحرف العربي، وكتبت بها أغاني كبار المطربين الأمازيغ، مثل شريف خدام، وزروقي علاوة، كذلك دونت الوثائق بالحرف العربي". ويوضح د. فراد: "المستعمر الفرنسي عمل على تفتيت وحدة الجزائريين الوطنية بأن شجع تدريس اللغة القبائلية، ومنها الأمازيغية في شرق العاصمة، وشرع في تدوين الأمازيغية بالحرف اللاتيني". و"بعد الاستقلال بنحو نصف قرن أصبحنا أمام ثلاث كتابات، إحداها بالأحرف اللاتينية في منطقة القبائل، وثانيها بالأحرف العربية في غرداية وواد سوف وتلمسان، ووهران، وتيبازة، والحرف الأخير تيفناغ ويكتب به الطوارق في الجنوب؛ لذا صار حرف الكتابة عقبة أمام تدوين الأمازيغية"، بحسب د. فراد. ويرفض ما يدعو إليه البعض من جعل الأمازيغية لغة رسمية للدولة، حيث "لا تملك الأمازيغية حاليا الإمكانات المعرفية التي تسمح لها بهذا الوضع.. اللغة الرسمية تعني لغة تتداول وطنيا وتصبح لغة الدولة والإدارة، وهذا مستحيل الآن بالنسبة للأمازيغية، فعلينا أولا العمل على تطويرها لمدة زمنية ربما تصل إلى نصف القرن". "عربنا" أم "أسلمنا" الإسلام؟ وخلال حملته للانتخابات الرئاسية التي فاز فيها بولاية رئاسية ثالثة، قال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في تجمع انتخابي بمدينة ورفلة عاصمة الجنوب الشرقي، في وقت سابق هذا الشهر: "نحن كلنا أمازيغ، لكن أمازيغ مسلمون، وإذا لم نكن مسلمين، فنحن أمازيغ عربنا الإسلام". ويرى د. فراد في هذه المقولة "شيئا من الحقيقة، ولكن ليس كل الحقيقة؛ فما زال هناك أكثر من عشرة ملايين بالجزائر يتحدثون الأمازيغية، بينما يعود تعلق الأمازيغ وشعوب شمال إفريقيا باللغة العربية بالدرجة الأولى إلى احتضانهم واعتناقهم الإسلام، فالأمازيغ قبلوا هذه اللغة باعتبارها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، فالمؤكد أننا أمازيغ أسلمنا الإسلام". ويعود أول صدام حول الأمازيغية في الجزائر، أو ما يعرف بـ"الأزمة البربرية"، إلى عام 1949، وبعد الاستقلال عام 1962 رفض الرئيس أحمد بن بلة الاعتراف بلغة وهوية خاصة للأمازيغ. وفي عهد الرئيس هواري بومدين بدأت المواجهات بين دعاة الأمازيغية من الفرانكوفونيين وبين السلطة. وإبان حكم الرئيس الشاذلي بن جديد نفذت السلطات حملة اعتقالات في أوساط نشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية، وفي عام 1996 نظمت منطقة القبائل إضرابا واسعا نجم عنه موافقة السلطات على تعليم الأمازيغية في سبع ولايات، غير أنه لليوم لا تزال الأمازيغية تبحث عن حروف لتستقر عليها. |