هسبريس:
المغرب الأمازيغربي يتقلقل من تحت
محمد بنعزيز
Monday, January 12, 2009
ليلة البارحة، وبينما كان جحا يتابع قناة الجزيرة، لا حظ أن أكثر من عشرة متحدثين وصفوا بأنهم خبراء استراتيجيين، يتحدثون من واشنطن عن كابول، يتحدثون من باريس عن هانوي، يتحدثون من لندن عن غزة، لكن أحدهم لم يتحدث عن مغرب جحا... حينها قرر المواطن الصالح أن يتمرن على هذه العملة المطلوبة المسماة إستراتيجية، خاصة وأن جحا قد فقد منصب المبعوث الأممي إلى الصحراء، وحل محله كريستوفر روس، وقد أوصى جحا خلفه بتطبيق "حل صحراوي في خمسة أيام"، كبديل عن مفاوضات منهاست، لكن المبعوث لا يعتبر المتخيل عنصرا فعالا لحل النزاعات، لذا سيقضي وقته يدور بين الرباط وتندوف والجزائر ومدريد، يسأل مسأولين جف نبع خيالهم عن الحل.
بعد تفرغه، ينوي جحا أن يتستريتج، مع فارق صغير، هو أنه سيصوغ إستراتيجية تلائم المكان الذي يقف فيه، سينظر حيث يمد رجليه ولن يتحدث عن فشل استقلال تيمور الشرقية.
أول درس استراتيجي هو هضم الجغرافيا، لذا علق جحا خريطة إفريقيا في غرفة نومه، شرع يتأملها صباح مساء، وقد ركز على شمال إفريقيا، وبالضبط على المغرب العربي الأمازيغي، وقرر تسميته من الآن فصاعدا: المغرب الأمازيغربي.
بداية لاحظ أن الجزائر تعصر المغرب من وسطه. لذا يعاني من القبض أو القبط، ويحتاج لحل صحراوي ليصاب بالإسهال.
بعد ذلك وضع جحا المغربي علامة خضراء حيث يقيم: مراكش. ثم وضع علامة حمراء على خط الاستواء، في هذه الناحية كانت أغلب الحروب الإفريقية إلى نهاية الثمانينات، بدء من أنغولا صعودا إلى أوغندا...
كانت هذه الحروب بعيدة، يسمع عنها جحا في الراديو ولا يرى لها أثرا في مراكش، كان مطمئنا، كانت تلك الحروب تحت التحكم، معروف من يتحارب وأين، لأنها حرب عصابات مدعومة وممولة خارجيا، إذا كان البلد تابعا للغرب كانت العصابات تابعة للشرق، والعكس صحيح، فإذا تفاهم اللاعبون الكبار يتوقف اللعب على الحدود...
ابتهج جحا لأنه قد فهم ما جرى سابقا، لكنه قلق لأنه اضطر لنقل العلامة الحمراء إلى الشمال، فمنذ نهضت جنوب إفريقيا من الأبارتايد حلت مشاكل جيرانها، انتهت الحرب في أنغولا، موغابي يحكم رغم كل شيء، بدأت الحروب تزحف نحو الشمال، نحن في بداية التسعينات، أصبحت الحروب شمال خط الاستواء، وصلت ليبريا وسيراليون والكوت دفوار... حروب غيرت جلدها، لم تعد حدودية محدودة ومستعارة، إنها الآن حروب من صنع محلي، تجرف معها دولا كثيرة، حروبا قبلية في رواندا والكونغو الديمقراطية وساحل العاج... حروب فعالة ومعدية، تترك مآت آلاف القتلى، ولا أحد يهتم من اللاعبين الكبار، لقد غادروا الساحة...
سقط موبوتو سيسيكو (أي الديك الذي ينتف ريش كل الدجاجات) ولجأ إلى المغرب في 1997، ويبدو أن الأزمات تبعته في موسم هجرة إلى الشمال، لقد أصبح جحا يرى ريش القبائل المنتوفة في مراكش، عشرات الأفارقة الفارين من الحرب يعبرون المغرب إلى أوربا، كانت هذه نزهة خفيفة نهاية التسعينات، شعر جحا أن الحرارة تقترب من قدميه، لم يعد المكان الذي يقف فيه مريحا، وحدها الصحراء الكبرى تفصل المغرب عن المصائب.
هنأ جحا نفسه على قدراته الإستراتيجية، وقرر أن يواصل لكن نبض قلبه قد زاد لأنه نقل العلامة الحمراء إلى الشمال من جديد، فنحن في بداية القرن الواحد والعشرين، أصبحت الحرب شمال السودان وليس جنوبه، انتهى سكون الصحراء وهي تتحول إلى ملجأ للمقاتلين الفارين من أفغانستان والصومال والعراق... وقد وجد هؤلاء دولا هشة في مالي وموريتانيا والنيجر، الطوارق يقنصون الجنود، السياح يقتلون ويخطفون والدول الديمقراطية تدين الإرهاب علنا وتفاوض الخاطفين تحت الطاولة، لقد كانت حزمة من البلدان تفصل المغرب عن الأزمات، الآن أصبحت الأزمات على حدوده، الفرنسيون يقتلون في موريتانيا، رالي داكار ألغي، حكومة النيجر تفاوض خاطفي جنودها، في جمهورية إفريقيا الوسطى الجنود هم الذين يخطفون، جنود لم يحموا المواطنين ولم يحموا حتى أنفسهم... كيف نلومهم وفي الجزائر جيش ينفق عشرات ملايير الدولارات ولم ينجح حتى في أداء مهام الشرطة؟
لقد صارت الحدود الجنوبية لمصر وليبيا والجزائر والمغرب خطرة، لقد أصبحت المصائب على بابنا، صارت منطقة جنوب المغرب العربي مثل الجزيرة العربية قبل الإسلام، القبائل تتناحر في داحس وغبراء جديدة، قبائل تملك أسلحة فتاكة تعين على الكر والفر، لكن لا شعراء فيها لينقلوا للعالم مآسي إفريقيا، لا أحد يصف الكر والفر وهو أشد بأسا من أي جلمود حطه السيل من عل، آخر حلقة حصلت في فبراير 2008، حين وزع الرئيس التشادي المحارب إدريس ديبي السلاح على أفراد قبيلته ليدافعوا عن نجامينا ضد الأعداء القادمين من دار فور، وهي لم تعد دارا آمنة. وفي تلك الأثناء خطف سائحان نمساويان من تونس وعبرا الجزائر واختفيا في مالي مدة ثم ظهرا... أين الدول التي تحمي حدودها؟
لم تعد مراكش بعيدة عن المخاطر، انتقلت الأزمات من خط الاستواء إلى مدار السرطان، عدد المهاجرين الأفارقة الذين يدخلون المغرب يتزايد، بعضهم يتسول وبعضهن يبعن أجسادهن، أصبحوا يسكنون أحياء بكاملها، أخيرا فهمنا لماذا لا تريد فرنسا مزيدا من المغاربة، صار المغرب يرحّل المهاجرين أيضا، وإذا نفذ الحكم الذاتي في الصحراء سيكون لزاما إزالة الجدار العازل، ستغادر قوات المينورسو ليجد حرس الحدود المغاربة أنفسهم في مواجهة آلاف الكيلومترات تستحيل حراستها، سيلزم أن يتدخل المغرب في قلب نزاعات لا حل لها، نزاعات قبلية أو إرهابية لا وزن للدول والحدود فيها، حينئذ قد يصبح جحا منظرا استراتيجيا في مجلس الأمن القومي المغربي، خاصة وأن المخاطر تتعاظم، بينما يبدو أن المسئولين يطلون على المستقبل من ثقب باب قصبة الوداية وليس من فوق البرج، بيروا حيث يلتقي نهر أبو رقراق بالأطلسي، وطبعا حيث يلقي نهر المحلي بالمحيط العالمي سياسيا.