وكالة انباء نوفوسيتي :
بقلم الزعيم الليبي معمر القذافي
من حيث كوني مؤثرا في سياسة العالم في هذا العصر بأي قدر ..
وبأي وسيلة ممكنة ، ومحاولا أن أساهم في خلق عالم حر وآمن ؛ لغرض أن تتمتع الشعوب بالحرية والأمن ، وإن شعبي و احد منها ومن هذا الباب والمبدأ أطرح رأيي في القضايا والمشاكل الدولية الخطيرة كلما تمكنت آملا أن يؤثر ذلك في السياسة الدولية بوجه إيجابي .
ففي هذا المقال أتناول أوكرانيا التي أعتبرها مشكلة حقيقية .
إن أوكرانيا الآن تعتبر دولة مستقلة ذات سيادة وعضواً في الأمم المتحدة، لكن هذا غير كاف بالنسبة للأوكرانيين ، لماذا ؟ السبب هو تاريخ أوكرانيا ، بل حتى تاريخ المنطقة . الذي يعود إلى أكثر من ألف عام حيث لم تكن روسيا مثلما هي عليه الآن و لا أوكرانيا ، بل كانت تسمى كييف روسيا .
ويقول الأوكرانيون إن أوكرانيا هي المهد ، و ذلك من باب الاعتزاز بماضيهم. ويقول الأوكرانيون إن التاريخ المشترك للمنطقة ديمغرافيا جعل من الصعب النظر إلى أوكرانيا كدولة من طرف إخوانهم الروس .. ويقولون إنه كان هناك طمس للغة الأوكرانية خلال المئتي عام المنصرمة .
ويقولون ـ أي الأوكرانيون ـ إن تاريخ أوكرانيا كله نضال من أجل الاستقلال استمر مئات السنين.
وإنهم حصلوا على استقلالهم خمس مرات قبل استقلالهم الحالي .. ولكن يقولون هذا الاستقلال لم يدم. لماذا ؟ لأنه لم تكن ثمة ضمانات لذلك الاستقلال ، فأول استقلال لدولة أوكرانيا كجمهورية مستقلة و كما يقولون دام 6 شهور والمرة الثانية دام 3 شهور . وهناك استقلال في إحدى المرات دام 18 ساعة فقط .
الروس من الناحية الرسمية لا يعترضون على استقلال أوكرانيا بل يعترفون بأن أوكرانيا دولة مستقلة ذات سيادة وجارة.. وشقيقة.
إذن ما هي المشكلة الحقيقية الخطيرة في الموضوع ؟ المشكلة الخطيرة هي أن أوكرانيا تريد ضمانات دولية لاستقلالها حتى لا تفقده مرة أخرى كما تقول . ولكن هذه الضمانات صعبة جدا و خطرة جدا بالنسبة لروسيا ، هذا هو لب المشكل وخطورته .فما تراه روسيا خطرا على أمنها واستقلالها تراه أوكرانيا ضمانا لأمنها .. واستقلالها هذا هو أساس المشكل ، وهنا التناقض الشديد في سياسة البلدين .
بوضوح أوكرانيا تريد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي ، وتعتبر هذا هو الضمان المضمون لاستقلالها .. وفي الواقع هو ضمان ضد روسيا و ليس ضد أي دولة أخرى ، بينما الروس يقولون : إن هذه الضمانات التي تطلبها أوكرانيا هي تحديات خطرة جدا لأمن روسيا، ويقولون : لا داعي لها ؛ لأن روسيا تعترف بأوكرانيا كدولة مستقلة ذات سيادة.
وفي الواقع ـ بغض النظر عن وجهة نظر الطرفين ـ إن الأمر غاية في الخطورة.. وإنه مشكلة حقيقية ، فإذا وصل حلف الأطلسي إلى أوكرانيا فمعناه الدق على باب موسكو.. و إذا دق العدو على باب دارك فإما أن تفتح له ليدخل أو قد يحطم الباب ، هذا هو الشيء الخطر المتوقع . وبالمقابل فإن أوكرانيا ترد على هذا التخوف لتطمئن شقيقتها روسيا بأن الدستور الأوكراني لا يسمح بمنح قواعد عسكرية أجنبية على الأرض الأوكرانية .
وعليه ترى أوكرانيا أنه لا داعي للتخوف مادامت القواعد غير مسموح بها في أوكرانيا .. ولكن روسيا ترد بالمقابل بأن الخطر لا يتوقف على وجود قواعد عسكرية من عدمه .. بل إن الأراضي الأوكرانية في هذه الحالة ستكون من ضمن أراضي حلف الأطلسي ، وإن الحلف سيتواجد فوقها حتى بدون قواعد ثابتة ، وان القوات المسلحة الأوكرانية ستكون كذلك من ضمن قوات الدول الأعضاء في الحلف .. وهذا أمر مرفوض بالنسبة لروسيا ؛ لأنه يمس أمنها مباشرة ، وبطريقة خطرة غير مسموح بها، بينما الأوكرانيون يؤكدون أنهم يطلبون ضمــانات دولية لاستقلالهم فقط ، ولا يطلبون جلب المخاطر لروسيا .. وأنهم على استعداد لتوقيع أي وثيقة مع الروس للتعهد بأن أوكرانيا لن تكون مصدر خطر عليهم .. لكن الروس يرون أن الخطر يوجد بمجرد أن تكون أوكرانيا عضوا في حلف يعدّ عدوٌّا لروسيا وهو الناتو ، فالأوكرانيون يقولون : نحن لن نعمل شيئا ضد روسيا ، ولكن نعمل الشيء الذي في مصلحة أوكرانيا .
إلى جانب هذا المشكل الأساسي ثمة مشاكل أخرى ثانوية، ولكنها سيئة.. وما لم تحل فقد تقود إلى مضاعفات غير محمودة ، وحلها على ما يبدو يواجه صعوبات جمة ، ويصفها الأوكرانيون بأنها مشاكل شائكة مثل مشكل: جزيرة توزلا ،والجرف القاري وترسيم الحدود ، ومدينة سيفستوبل .. والقاعدة العسكرية الروسية .. وما حدث في عامي 1932 ـ 1933 ( قصة المجاعة ) التي يقول الأوكرانيون إنها إدانة للماضي البغيض وليست إدانة لروسيا . وهناك شبه جزيرة القرم . ومن المعروف أن قرابة 20% من سكان أوكرانيا هم روس !!
وهكذا تبدو الصورة للمشكلة الحقيقية الأوكرانية ... وقصدت من طرحها من جانبي و توضيحها بعد زيارتي روسيا لأول مرة بعد أن تفككت دولة الاتحاد السوفيتي ، وزيارتي أوكرانيا لأول مرة بعد أن أعلنت أنها دولة مستقلة قصدت من هذا أن تكون كل الأطراف على علم ، وقد يساعد ذلك على تقدير المواقف والعواقب قبل اعتماد سياسات قد تضر بالسلام العالمي الذي يهمّ بلادي ، كما يهمّ كل الشعوب ، وقد تضرّ تلك السياسات بأصحابها أيضا ؛ إذن الأطراف المعنية أطراف هامة جدا فوق الكرة الأرضية ، وصدامها سيضرّ حتما بالأمن والسلم الدوليين ، وهى روسيا والاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي.