هسبريس جريدة اكترونية مغربية :
منير باهي
Sunday, May 24, 2009
أعترف بأني ومنذ سنوات أشعر بالملل. لم أعد أجد في التقارير ما يفيد بأن هناك خطرا محتملا عليّ. منذ مدة طويلة جدا لم أسمع عن ثوار حقيقيين يمكنهم أن ينزلوا إلى الشوارع ليقودوا انتفاضة تطالبني بالرحيل، ولا وصلني صوت مظلوم يندد بالظلم الذي تمارسه زبانيتي في كل مكان من هذا الوطن الممتد من الخوف إلى الخوف. حتى رجال الدين ما عادوا يُخوفونني من عذاب الآخرة ويجدون لخطاياي العذر كي أتمادى. لا أستطيع أن أتحمل هذا الوضع الرتيب. أنا حانق جدا. كل هذه السنوات تمر ولم أخض حربا واحدة ضد الانتهازيين من شعبي، أليس الأمر مدعاة إلى الضجر؟
مللتُ من هذا الأمان الذي يجعلني عاطلا عن ممارسة السلطة. مللتُ من حزب واحد يحكم باسمي وحيدا وبألوان مختلفة. مللت من زعماء سياسيين يتملقون وينحنون بإذلال في حضرتي. مللت هذا المديح الزائف التي يمطرني به التلفزيون صباح مساء.
سأموت مللا. فلم تعد ليالي الأنس تُسلّيني كما كنتم تعرفون. مللتُ من رحلات القنص التي ظلت تمنحني شعورا بالرضا عن نفسي التواقة إلى البطش. صحيح أن رحلاتي إلى خارج البلاد ظلت قادرة على قتل الملل الذي يحاصرني. لكنني مللت من الهروب أيضا. أريد أن أبقى بين شعبي ولا أضجر.
يا أبناء أمتي الطيبين. ارحموني قليلا..
إنكم تهينونني بهذا الوهن الذي فيه تغرقون. لا أريد أن أحكم شعبا ميتا. بماذا سأواجه الظالمين باسمي إذا كنتم بظلمهم راضين؟ بماذا أرد على زملائي الذين وفروا لمواطنيهم الحد المقبول من الكرامة ومع ذلك تشتعل مدنهم بالاحتجاج؟
ماذا تنتظرون مني أن أفعل كي يندلع الغضبُ في أصواتكم؟ لقد أغمضتُ عينيّ أمام القسوة الفادحة التي يعامل بها المسؤولون شعبي علَّ شعبي يثور. سكتُّ عن الاحتقار الذي يعامل به الناس عسى الناس ينتفضون. ولم يحدث شيء.
أيها المتنورون المتعلمون الواعون العقلاء. لا تغيظوني أكثر.
أعرف من خلال دخولي إلى الإنترنيت أنكم تملكون شجاعة رهيبة كدنا نفتقدها في هذا الزمن العربي المخنوق بالخوف. لذا ظللتُ أقرأ مداخلاتكم بتمعن وانتقاداتكم التي تمس شخصي وتحتقره وأفرح. لأني اعتقدت أن الأرض العربية أينعت بجيل حي من الثوار سينهي حالة القرف التي أجتازها منذ زمن. وأحسستُ أخيرا بأني سأتحرك وانشغل ثانية بإعلان حالة الاستثناء وحل البرلمان وإلقاء خطابات حماسية ترتعد به ركب اللصوص والفاسدين والمسؤولين عن حالة اليأس التي وصل إليها شعبي. لكني ـ ويا للصدمة ـ حين خرجت من أبواب القصر لم أعثر على غاضب واحد ممن يشعلون المواقع الالكترونية بالغضب، لم أصادف ولو صوتا واحدا من الأصوات التي تعلو في سماوات الإنترنيت بالاحتجاج وتتهم الجميع بالجبن. وصدمتُ.
أين اختفت جموع المتظاهرين الذين يملأون شاشات الكومبيوتر بالغبار والهتافات؟ أينكم أيها الفرسان الذين صدقتُ كلماتهم في المدونات وانتظرت في أية لحظة أن أسمع بيانهم الأول في ساحة العاصمة؟ لا أحد. لا صوت.
أين اختفى كل المتنورين والمناضلين الشجعان الذين لا يكفون في الانترنيت عن مواجهة الظلم ويعلنون استعدادهم للوقوف في الصفوف الأمامية للتضحية؟ إن كنتم رجالا حقيقيين اقطعوا لحظة كل صلة بالانترنيت، وأعيدوا الالتصاق بالشعب كما كان آباؤكم في الدروب والأسواق ومخافر الشرطة والمستشفيات والمدارس... أريد أن تمنحوني المبرر الكافي لأحارب الفاسدين بدون رحمة. كونوا لي سندا لأختبر قوتي فيهم، ولتختبروا قوتكم بي. من يدري؟ قد تنتصرون ـ وينتصر الوطن ـ هذه المرة.