عجاجة جورجية لا يطفئها إلا دم

بقلم حبيب فوعاني

أعمال الاحتجاج مستمرة في جورجيا، لكن الرئيس ميخائيل سآكاشفيلي غير قلق جدا، باعتبار أن خروج المتظاهرين إلى الشارع ما كان ليتم في أي دولة من دول الاتحاد السوفييتي السابق سوى في جمهوريته "الأفلاطونية الفاضلة"، وهو ماض في مسيرته لدمقرطة شعبه البائس رغم أن شعبيته وفقا للمراقبين لم تعد تتعدى ثكنات الشرطة والقوات الخاصة والجيش.

لكن زلزال الأيام الخمسة في أوسيتيا الجنوبية فضح العسكريين الجورجيين.

وقد وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية ما جرى في أغسطس الماضي في الحرب القوقازية الأخيرة:

"...هرب الجيش الجورجي تاركا المدنيين ... ولم تقم الطائرات الحربية الجورجية ما عدا الساعات الأولى بأي طلعات، وبقيت القطع الحربية الجورجية راسية في موانئها فقطرها الروس...

وحاربت جورجيا الطامحة للانضمام إلى الناتو بذلك القدر من السوء بحيث أساء لرغبتها في النظر إليها كشريك جدي عسكري محتمل...

وكما روى ضابط غربي، غادر جنرال جورجي ساحة المعركة على متن سيارة إسعاف تاركا جنوده لمشيئة الأقدار...

وأصاب الذعر الجنود الجورجيين، وهربوا إلى العاصمة، وهم لم يتركوا مدينة غوري بغير دفاع فعال وحسب بل وغادروها حتى قبل أن يقترب منها الروس، وخلال هروبهم الفوضوي خلفوا وراءهم الكثير من الأسلحة...".

شيء واحد يفتخر به سآكاشفيلي هو أن رجال شرطة السير في تبليسي لا يأخذون الرشوة من السائقين. وبشكل عام لا يعشش الفساد في جورجيا مثلما هو حاصل في دول الاتحاد السوفييتي السابق.

فوفقا للخطة، التي وضعها للرئيس الجورجي أصدقاؤه الأميركيون، تم إلغاء آلاف الوظائف الحكومية المدرة للدخول غير الشرعية على أمل أن يجد أصحابها عملا لهم في القطاع الخاص. ولكن لم تكن لدى هؤلاء الخبرة اللازمة أو الكفاءة. وكاد عشرات الآلاف منهم أن يموتوا جوعا، ولذا انضموا إلى صفوف المعارضة.

وعلاقات جورجيا سيئة ليس فقط مع روسيا بل ومع جميع جاراتها.

إذ يعلن الجورجيون (وإن بشكل غير رسمي) لأنقرة عن مطالب تعود إلى العهد العثماني في الأراضي التركية. وتوجد مع أرمينيا وأذربيجان مشكلات تعود إلى المعاملة السيئة والمضايقات، التي تتعرض لها الأقليات الأرمينية والأذربيجانية من مواطني جورجيا (وإن لم يكن ذلك أيضا على المستوى الحكومي).

أما إيران فتتحمل مسؤولية حكم الدولة الصفوية لبعض ولايات جورجيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر.

وتبث الإيديولوجية الجورجية الجديدة روح الكراهية للإسلام ويجري الترويج لاعتبار الجورجيين المسلمين عارا على الأمة الجورجية المسيحية.

وهاجمت قوات سآكاشفيلي أجاريا، في مايو 2004، وحولت هذه الجمهورية ذات الحكم الذاتي والأغنى في جورجيا بفضل حكمة رئيسها أصلان أباشيدزه، الموالي لموسكو، والذي غادرها بعد وساطة روسية حقنا للدماء في جمهوريته المزدهرة وأملا في إقامة لغة مشتركة مع مهرج تبليسي، حولتها إلى منطقة بائسة تضاء فيها الكهرباء لمدة ساعتين في النهار فقط وتضايق فيها (وذلك بالطبع على المستوى غير الرسمي) الأقليات والمسلمين، الذين يبلغ عددهم 90% من سكانها وفق تقديرات عام 2002.

غير أنه لا يوجد عامل هدام في سياسة الدولة الداخلية مثل هزيمتها في الحرب مع دولة أخرى.

ولا شك في أن إرسال سآكاشفيلي جنوده إلى الموت المحقق في أغسطس الماضي لن يمر دون عواقب، واعتصامات المعارضة التي لا تنتهي في تبليسي، ستعجل بالمسارات السياسية في هذه الجمهورية القوقازية القلقة، ولكن الثورة هذه المرة لن تكون برتقالية أو وردية بل سيصبغها اللون الأحمر القاني، وأرجو مخلصا أن أكون مخطئا.

(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)

عجاجة جورجية لا يطفئها إلا دم

عجاجة جورجية لا يطفئها إلا دم :: تعاليق

عجاجة جورجية لا يطفئها إلا دم