يوم الخامس من شهر يونيو القادم يفترض أن يكون الروائي الليبي إبراهيم الكوني في مدينة باليرمو الايطالية حيث الحفل المقرر أن يقام لتسليمه جائزة (مونديللو) العالمية للآداب التي حاز عليها هذا العام في دورتها الخامسة والثلاثين، عن كتابه "وطن الرؤى السماوية" الصادر في روما.
وستضاف هذه الجائزة إلى رصيد الكوني من الجوائز العالمية والمحلية التي توزعت مصادرها على غير بلد وغير قارة , نستحضر من أسماء تلك الجوائز المهمة:
جائزة الدولة السويسرية، على رواية" نزيف الحجر" 1995م.
جائزة اللجنة اليابانية للترجمة، على رواية " التبر" 1997م.
جائزة التضامن الفرنسية مع الشعوب الأجنبية، على رواية" واو الصغرى" 2002م.
جائزة الدولة السويسرية الاستثنائية الكبرى، على مجمل الأعمال المترجمة إلى الألمانية، 2005م.
جائزة الرواية العربية( المغرب) 2005م.
وسام الفروسية الفرنسي للفنون والآداب 2006م.
إلى جانب الجوائز المحلية التي منحت إليه في بلاده تقديرا لموهبته الإبداعية ولقيمته كأحد الأسماء التي فرضت نفسها في قائمة أهم المبدعين في تاريخ الأدب العالمي المعاصر, ولعل ذلك ما قصدته مجلة «لير» الفرنسية حين اختارته من بين خمسين روائياً من العالم اعتبرتهم يمثلون اليوم «أدب القرن الحادي والعشرين»، وسمتهم «خمسون كاتباً للغد».
بلغ منجز الروائي إبراهيم الكوني قرابة الستين عملا إبداعيا ترجمت عناوين منها إلى مختلف لغات العالم الحية وكتب عنه كبار النقاد وكبريات الصحف في العالم من أمريكا إلى أوربا إلى اليابان مجمعين على أنه يكتب أدبا غير مسبوق وأن إعماله ساهمت في رسم خريطة حديثة جداً للرواية العالمية الشابة واستفزت القراء الغرب بجعل الصحراء استعارة للوجود الإنساني.
لست هنا بصدد الغوص في أعمال الكوني ولا استحضار ما قيل على لسان من قرأه وانبهر بإبداعه فقد كتب عن هذا الكثير.
يكفي أن تكتب اسمه في موقع بحث على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) ثم نقرة في خانة البحث ليظهر ما يقرب المليون معلومة عن الروائي وإبداعه, زد على ذلك أنه صار مقصد الآلاف من متصفحي الشبكة يوميا حسب تأكيد أحد ناشري كتبه.
لكنى أقدم معطيات تسمح لي بمشروعية طرح السؤال:
ما الذي ينقص الروائي الليبي إبراهيم الكوني ليكون مرشحا قادما لنيل جائزة نوبل للآداب ؟!
إذا كان المقياس إنتاجا فهو يملك ما يكفيه، وإذا كان الحكم على ما يقدمه ذلك الإنتاج من اكتشاف لعوالم الكون ومكونات الطبيعة بما تحمله من علاقات بين كائناتها وسحر الروح والأسطورة فيها وتداخلهما معا, فهذا هو العالم الذي يقدمه, وإذا كانت القيمة فليس غير الاستحقاق هو الذي راكم في رصيده كل تلك الجوائز العالمية التي بدأت وكأنها هي التي تتعقبه وتركض وراء جديده.
وليس غيرها القيمة أيضا التي استقطبت انتباه واهتمام ابرز نقاد العالم ليتعاطوا معها بحثا ودراسة فيما وصفه أحدهم بتناسل الدراسات حول أدب الكوني.
وإذا كانت الترجمة هي الطريق الأقصر إلى (نوبل) كما يرى البروفسور (روجر ألان) أستاذ الأدب العربي الوحيد بجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة واحد مراسلي الجائزة فقد ترجم من أعمال الكوني ما يكفي وباللغات التي تكفي.
وهذه الشخصية الأكاديمية نفسها والتي يعد صاحبها من أشهر المترجمين الذين ارتبطت ترجماتهم بالأعمال المرشحة لجائزة نوبل بدأت تقترب من إنتاج الكوني قراءة ونقدا, ففي أحد تصريحاته يرى (ألان ) أن الكوني يقدم في أعماله جديدا لا يكترث بأدب عصره وأن البيئة التي تحتل رواياته وقصصه هي خاصة ومتميزة.
لا بد أ ن نتفق كليبيين معنيين بالأدب والثقافة بعيدا عن أية حساسية ودون الاستنجاد بمبررات التأويل والتنميط والخوض فيما ليس له شأنا بالعملية الإبداعية على أن إبراهيم الكوني مبدع موهوب بما أنجز, وعالمي بما ترجم له بكل اللغات الحية وما استحقت أعماله من جوائز عالمية تجعله مميزا ومتفردا في مساق مسيرة الأدب الليبي ولنقل في مجال الرواية, وبما أجمع عليه المهتمون بالأدب العالمي وتفرعاته من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.
لا بد من إجماع على موضوعية وجدارة الترشيح مع التدليل وبدون عقد أن روائيين حازوا الجائزة لم يكونوا أفضل قيمة من الكوني إنتاجا وانتشارا واهتماما.
ما الذي ينقص الكوني عن التركي (اورهان باموك) مثلا ؟!
لا بد من اقتناع بأن الكوني أصبح في رصيده من الجوائز العالمية ما يجعل جائزة نوبل سياقا طبيعيا لرحلة عطائه, رغم أن ثمة من يرى وأنا منهم أن حصادا كهذا من الجوائز يكفيه إلا أن (نوبل) تبقى لها قيمتها وشهرته ويبقى لها يريقها وتميزها كمطمح أقصى للمبدعين.
وفي حضور الاقتناع لا بد من الفعل, يروي البروفسور كون السباق نحو هذه الجائزة ربما الأغلى قيمة معنوية يتطلب عمل مؤسسة أو مؤسسات إلى جانب الأفراد ومنظومة العلاقات التي تلعب دورا أساسيا في عملية الترشيح للجائزة.
يروي البروفسور (ألان) أنه قضى أسبوعين في بيت الروائي المغربي سالم حميش حتى ترجم له روايتي (العلامة) و(مجنون الحكم) وهكذا فعل مع مأة ترجم لهم ومن بينهم الروائي الراحل نجيب محفوظ.
يكمن دور المؤسسة في إسناد الكاتب بتأمين الترجمات واستقطاب تأييد المنظمات ذات العلاقة من هيئات الثقافة إلى اتحادات الكتاب والأدباء مرورا بالجامعات ومراكز البحث واستطلاع الرأي وكل ما تعلق بالعمل نحو تحقيق حضور دائم للكاتب وإنتاجه الإبداعي.
لم لا نبدو عمليين أكثر هنا فنحدد على سبيل المثال العام 2010 عاما لترشيح الروائي إبراهيم الكوني للفوز بجائزة نوبل للآداب؟!
ترجمت أعمال نجيب محفوظ إلى السويدية عام 1987 أي قبل عام فقط من حصوله على جائزة نوبل !
هناك أصوات في الغرب بدأت تهمس بإمكانية ترشيح الكوني للجائزة, وفي الوقت الذي أرى أن شيئا كهذا يستحقه الكوني ويسعدني إلا أن الخشية من هذا هو أن تربط هكذا مبادرة فيما بعد بسلبية التأويل الذي يمكن أن يشوه جدارة استحقاق الكوني.
وقد صرنا نرى بعض هذا التأويل منذ الآن, يقول روائي عربي شهير في معرض سؤاله عن تقييم الكوني "إن الألمان يهتمون به كثيرا" في إشارة موحية إلى ما هو معروف من رؤية ألمانية تهتم بثقافة الأقليات وحشر منتج الكوني بما يحمل من عالم الصحراء براح الطوارق في حساب هذه الرؤية.
ما أدعو إليه ليس مستحيلا وما هو بخارق وقد اختصر لنا الروائي أكثر من نصف المسافة بجهده ومواظبته وما قدمه من منجز وما أنجزه من قيمة لم تعد محل جدل أو نقاش, ولعل في وجود المؤسسة العامة للثقافة التي تم استحداثها الآن ما يشجع على إكمال ما تبقى من المسافة انتصارا للثقافة في بلادنا وتحفيزا للمبدع الليبي على تحقيق مزيد الإبداع ومزيد الانجاز, لا سيما وأن لليبيا الآن مبدعون يعطوا من سنين وقد تجاوز بعضهم حيزه الجغرافي وحيز محيطه وفرض أسمه في خارطة الإبداع العالمي وما الكوني إلا واحد من بين هؤلاء.