جحر الضب
الجحر هو حفرة ضيقة مظلمة، ممتدة تحت الأرض. في الغالب تسكنها الزواحف .وقد ورد في لسان العرب لابن منظور ( الجحر: لكل شيء يحتفر في الأرض إذا لم يكن من عظام الخلق : قال ابن سيدة الجحر كل شيء تحتفره الهوام والسباع لأنفسها ). (لسان العرب الجزء الرابع ص 117). وفي المتداول اليومي والعرف الاجتماعي ، يطلق مصطلح الجحر في حالة الغضب ، ويقصد به المكان الضيق ،المتسخ، المظلم، النتن ، الكريه الرائحة ،والذي لا يدخله الهواء ، ولا أشعة الشمس ... وذلك في حالة السأم والضجر، من فرط تدخل الآخر في الشؤون الخاصة لغيره ،فيقال له : (أدخل جحرك) .
والنبي صلى الله عليه وسلم استعمل مفهوم "جحر الضب" لشدة ضيقه وقذارته وظلمته ...عندما أراد أن يحذرنا من اتباع القوم الضالين، أو المغضوب عليهم ، ومن كل من كان في حكمهم ، من جهة الفساد والفسق والكفر والظلم والطغيان والبدع والعادات الضالة ...وكأنه صلى الله عليه وسلم يشبه خبث وقذارة جحرا الضب، بخبث وقذارة سلوك و أخلاق من حذرنا من اتباعهم فقال : [ لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله : اليهود والنصارى قال فمن ] ( أخرجه البخاري ) .فاتباع المحدثات من موضة و عادات ومناهج وسنن ، أهل الكفر والنفاق في الغرب ، والتشبه بهم في كثير من النقائص،والرذائل ، التي ترفضها الفطرة السليمة ،من دون أدنى استعمال للعقل والفكر، فالنموذج الغربي،سواء على صعيد النظام السياسي (الديمقراطية) أو الاقتصاد (الربا) أو الثقافي (المهرجانات) أو الحرية الشخصية ( نشر الرذيلة والفاحشة والمثلية ...) أو التربوي (العلمانية)... أصبح مقبولا ومرغوبا فيه ،لدى أهل التفكير الكبشاوي ، والشخصية الضبية ،التي تميل إلى كل ضيق وخبيث ورديء ، وتهوى كل رائحة نتنة تزكم النفوس ...ففي الأسواق ، والشواطئ ،والشوارع ،والمقاهي ، والمهرجانات ،والنوادي الرياضية والثانويات،وأحيانا حتى في المساجد ،ترى العجب العجاب .فالعري، والتكشف ، والتبرج، وصباغة الشعر، بكل ألوان الطيف، والغناء الماجن والموسيقى الصاخبة ، ولبس سراويل أدجينز المترهلة ، الكثيرة الثقوب،و الساقطة على الوركين، والتي تسمح بظهور العورة ، ووضع الأقراط (حلق الأذن )في الأنف واللسان ، وحتى في الصرة (تخريم الصرة) وإبرازها للمارة .أو في المناسبات، والاختلاط ،وتبادل الزيجات ، وتشبه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال .... كل هذه الموبقات ، صدرها لنا الغرب ، وزينها الشيطان ،وشجعت عليها النفس الأمارة بالسوء ، فقبلها الحس المتبلد ، وتطبع عليها ، ولم يعد يعافها .وصدق الله العظيم إذ يقول :{ ...كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون } (التوبة 69).
لقد صدقت علينا نبوة رسولنا صلى الله عليه وسلم ،فاتبعنا الغرب الذي يقوده اليهود والنصارى شبرا ، شبرا ، وذراعا ، ذراعا ،حتى عبادة الشيطان ، لم تعد سوى تعبيرا ،عن الحرية الشخصية .لقد فقدنا هويتنا ،و تقمصنا شخصية الغرب. تركنا الزكاة ، وبتركها نكون قد تخلينا عن التكافل الاجتماعي، مع شريحة اجتماعية ، هي عصب الاستقرار الاجتماعي ( الأصناف الثمانية الذين تصرف لهم الزكاة ). واتبعنا النظام الضريبي وما يحمله من ظلم، وكذب، وخيانة، ورشوة، وفساد إداري ومالي، وكراهية للمجتمع... تخلينا عن الصدقة، وأخلاقيات القرض الحسن، وأخذنا بقوانين الربا، وما يتبعها من جشع، وشراهة، وبخل، وعبادة للمال...تنكرنا لهويتنا الثقافية المرتبطة بتلاوة القرآن، وذكر الله ، ومدح رسوله صلى الله عليه وسلم ،والاستماع إلى النصيحة ،والموعظة الحسنة ... وأقبلنا على المهرجانات، التي حولت ليلنا إلى نهار، ونهارنا إلى ليل. فسلبتنا نعمة السكون والراحة ،{وجعلنا الليل سكنا } (الأنعام آية96 ) وحرمتنا من عبادة الليل { ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } (الإسراء 79)...وألحقت بنا خسارة النهار{وجعلنا النهار معاشا } (النبأ آية11) والمثل الشعبي لليهود المغاربة يقول (خسارة النهار ولربح الليل)...ناهيك عن ما يقع في المهرجانات من اختلاط وسفور وتفحش...وما يمكن أن نعبر عنه بالكوارث الأخلاقية.
علينا أن نعيد بناء شخصيتنا ،ونحافظ على هويتنا ،على أساس قوله تعالى {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون }(الأنعام 153) . وإلا سيكتب علينا ، وإلى الأبد البقاء في جحر الضب. ومن لم يدخله منا يسكانه ، أو يجاوره .(اللهم لطفك
عمر حيمري