عبدالكريم القلالي :ذَاتُ أَنْوَاط ...وجُحْرُ الضَّبِّ؟

ذَاتُ أَنْوَاط ...وجُحْرُ الضَّبِّ؟
عبدالكريم القلالي :ذَاتُ أَنْوَاط ...وجُحْرُ الضَّبِّ؟ No

عبدالكريم القلالي

Wednesday, June 24, 2009

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

تعاني الأمة الإسلامية اليوم من التبعية للغير في شتى المجالات، ولم يسلم من تلك التبعية إلا قليل؛ فقد أصيب بهذا الداء الخاص والعام، وفقد الكثير الهوية، واختلت موازينهم الفكرية؛ وبعد أن لبسوا لباس غيرهم واستهلكوا صناعة غيرهم صاروا يفكرون اليوم بعقول الغير، حتى غدا الفكر والسلوك الغربي هو المرجعية التي يتحاكم إليها، ولئن كان المغلوب مولع بتقليد الغالب؛ فإن كثيرا لم يكتفو بالتبعية العمياء بل نصبوا أنفسهم دعاة يدعون إليها، ويتشدقون بأفكارهم وسلوكياتهم المنحرفة بكل صلف وكبرياء، من المخدوعين بأقنعة الحضارة الزائفة ذات الشعاع الكاذب، ومن اللافت للنظر أن بعض صور التبعية صارت تعد حقا وتقدما، وما عداها من حق تعد رجعية وانكفاء؛ ساعد في انتشار ذلك بعض أصحاب الأقلام المأجورة، وكذلك العامة ممن يستوردون ذلك دون وعي؛ حتى غرق المجتمع الإسلامي في بحر الانهزامية، ودب فيه داء التبعية العمياء في الفكر والسلوك، مع ملاحظة أن التمسك بالهوية يعني الاعتزاز والثقة في النفس ولا يعني الانكماش والانغلاق؛ والإسلام لا يلغي التعامل مع الآخر والتعايش معه؛ لكنه يحذر الأمة من الذوبان في الآخر؛ بل يدعوها لأن تكون هي المنقذة له من ضلاله وظلامه.

وقد ابتليت الأمة بشيب وشباب متغرب لا يجد غضاضة في احتقار هويته والإشادة بالآخرين؛ وقبل أيام في حديث بيني وبين حميم لي؛ حدثني عن موقف لصديق آخر قال: إنه ضحك منه وسخر؛ يتلخص الموقف في:

أن أجنبيا-يتحدث الإسبانية- سأل صديق صاحبي-باللغة الإسبانية- عن شيء ما ؟ فلم يدر صديقه ما يقدم ولا ما يؤخر؟ فضحك منه صاحبي وسخر. ولما انتهى صاحبي من حكايته؛ آلمني بسلوكه وموقفه؛ فسألته:

إلى متى احتقار الذات؟ وإلى متى سنظل نمجد الغير؟ وننظر إليه نظرة فوقية وننظر لأنفسنا نظرة دونية؟ لما ذا قبل أن يسافر العربي إلى البلدان الأجنبية يتعمل لغة البلد الذي سيسافر إليه؟ ويجب عليه أن يحدثهم بلغتهم!، وإن تحدث بعربيته فلن يجيبه أحد؟ ولما ذا هم الأجانب قبل أن يسافروا إلينا لا يتعلمون مباديء لغتنا كما نتعلم نحن مباديء لغتهم؟ ألغتهم خير من لغتنا مقاما أو أحسن نديا! ولما ذا يرفض العجمي في بلاده، بل وفي بلدنا أن يحدثنا بلغتنا؟ لما ذا نحن من يقدم التنازل في كل شيء؟ حتى في بلدنا يجب أن نحدثه بلغته؟ لما ذا لا يتعلم هو لغتنا قبل أن يأتي إلينا؟ كما نتعلم نحن لغته؟ لما ذا نفتقد الجرأة والشجاعة لنخبر الأجنبي أننا في بلد عربي لغته عربية وعليه أن يتحدث بالعربية؟ وإن تحدث بغير العربية لا يجوز الرد عليه؟ لما ذا لا يتحدث الفرنسي معنا بعربيتنا في فرنسا، ونتحدث نحن معه بفرنسيته في مغربنا؟ أليس موقف الإنسان الحر المعتز بثقافته وكراكته يقتضي أن لا يخاطبه في بلده لغته العربية بالفرنسية؛ جزاء وفاقا ! أن لهم كرامة ولا كرامة لنا؟ أو هم أسياد ونحن عبيد؟ أم هم بشر ونحن همج رعاع؟.

لا أجد لكل هذا تفسيرا سوى قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيما رواه الشيخان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : « لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتوهم ، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟» .

وحديث البخاري عن أبي واقد الليثي قال : « خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل خيبر ونحن حديثو عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون حولها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها : (ذات أنواط) فمررنا بسدرة فقلنا : يا رسول الله ،اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :الله أكبر ، إنها السنن ، لقد قلتم كما قالت بنو إسرائيل {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون} لتركبن سنن من كان قبلكم ».

عبدالكريم القلالي :ذَاتُ أَنْوَاط ...وجُحْرُ الضَّبِّ؟

عبدالكريم القلالي :ذَاتُ أَنْوَاط ...وجُحْرُ الضَّبِّ؟ :: تعاليق

عبدالكريم القلالي :ذَاتُ أَنْوَاط ...وجُحْرُ الضَّبِّ؟