|
| |
| اسامة عرابي | | |
ما تفعله أبو ظبي هو محاولة لملء الفراغ، والبحث عن موطأ قدم في الساحة العربية، حيث تعددت أدوار الدول العربية الباحثة عن دور، مثل "قطر" التي قامت بما عجز النظام المصري عن تحقيقه في حل مشكلة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية وحل مشكلة دارفور، والدور الذي قامت به السعودية مع جنوب إفريقيا في حل مشكلة ليبيا مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن سوريا لها دورا كبيرا في حل مشكلة لبنان والعراق إلى آخرة.
مسابقة أمير الشعراء تأتي في هذا السياق الذي تحدثت عنه، فهذه المسابقة لم يكن بها أي نوع من الانتخاب الطبيعي لأمير الشعراء؛ لأن انتخابه يعتمد على الحشد والتعبئة وكيفية شراء قدرة تصويت من الجمهور لتمنحه هذا الموقع بعيدا عن القيمة الشعرية أو الفنية، فالمسألة إذا لم تكن خالصة لوجه الشعر ؛ لأن لعبة الأصوات غير مبرئة من الهوى، تتدخل فيها عوامل وقدرات أخرى بعيدة عن المبادئ والقيم التي نؤمن بها .
عودة لشاعر القبيلة !
يقول الشاعر شريف الشافعي: بداية، إن تخصيص برنامج كبير على هذا النحو للشعر، أو إفراد قناة كاملة، هو أمر طيب المغزى، وفكرة مجردة تستحق التحية. لكنني حتى هذه اللحظة، ورغم انطلاق البرنامج منذ فترة، أشعر بأننا لا نزال أمام أحلام بيضاء، تداعب خيال الشعراء، وعشاق الشعر الحقيقي في عالمنا العربي.
إن الرهان الأصعب دائمًا لا يكون على الأطروحات، لكنه ينعقد على الآليات والإجراءات، فالتطبيق هو المحك الذي يُمكن من خلاله قياس مدى النجاح الحقيقي. وكم من أطروحة نبيلة تتعلق بالشعر أهدرتها الممارسة.
|
| |
| شريف الشافعي | | |
إن الذي قدمه البرنامج، حتى الآن، ليس هو الشعر الطبيعي الحيوي المتشكّل الآن، بل تصورات الجمهور "الجاهزة" المسبقة عن الشعر المكرور، وفقًا لتخطيط تسويقي قائم على بيع ما هو مباع أصلاً، فضلاً عن اجترار الصورة النمطية الهزلية لشاعر القبيلة الإنشادي الشفاهي، المتطلع إلى التصفيق عبر كل تسديدة بلاغية يسددها ببراعة، صوب "الهدف" ـ النبيل بالضرورة ـ الذي يدعي أنه يراه بوضوح أكثر من غيره، بصفته نخبويًّا أو حتى فوق بشري!
إنه أمر مثير للإحباط أن يفكر البعض في النهوض بالشعر، ورفع ذائقة المتلقي، وربطه مباشرة بالشاعر، عن طريق "تحضير أرواح" النابغة والخنساء وسوق عكاظ معًا!
أما "إمارة الشعر" على هذا النحو التليفزيوني الفج، فهي أيضًا من ذيول التصور التقليدي للشاعر المقرب من البلاط، المنعَّم بالأحاظي نظير القيام بدور محدد، المشهود له بالنبوغ من حكام، وجهات عليا، ولجان تحكيم وضعت شروطًا فيزيائية مسبقة للقصائد المرسلة إلى "المسابقة"!
وليس معنى ذلك طبعًا أن الشعراء الحقيقيين لا يتفاوتون في المستوى، لكن انتخاب الشاعر ـ أو الشعراء ـ الأكثر تميزًا في هذه الحياة لابد أن يكون انتخابًا طبيعيًّا شعبيًّا حرًّا، من واقع العلاقة المباشرة بين الشاعر وقرائه، فالشاعر الكبير الحاضر قادر على أن يكون كبيرًا وحاضرًا بكتابته فقط، وبتواصله الدءوب المثمر مع البشر، ومع حركة الحياة من حوله، وساعتها قد يكون "شاعر الملايين" وليس فقط "شاعر المليون".
كشف المواهب
وعلى العكس يرى الشاعر المصري الكبير محمد إبراهيم أبو سنة أن هذه المسابقة أظهرت على امتداد السنوات الماضية عددا من المواهب الشعرية الشابة في العالم العربي، وهذا الكشف المبكر يثير في نفوسنا الرضا، ويمنحنا الثقة في المستقبل.
وذكر أبو سنة أنه استمع لبعض الحلقات وسعد بها، كما التقى ببعض الشعراء الذين شاركوا فيها من خلال ندوات ومسابقات ومؤتمرات ومهرجانات كان قد شارك فيها بلبنان والكويت، ووجد أنهم بالفعل شعراء موهوبون.
لكن القضية هي ما بعد الاكتشاف، فلهذه المسابقة دور في اكتشاف المواهب، لكن هذا ليس كافيا، فلا
|
| |
| الشاعر محمد ابراهيم أبوسنة | | |
بد من متابعة هذه المواهب ومنحها فرص جديدة للمشاركة في الحياة الشعرية .
وأنا هنا أرى أن يخصص القائمون على المسابقات جزءا من الجوائز المادية لإصدار مجلة شعرية عربية ذات مستوى عال؛ ليتابع فيها الشعراء المكتشفون طريقهم الإبداعي، وبهذا نستطيع أن نوفر لهم مناخا للاستمرار، كما أننا بذلك سنوفر للحركة الشعرية حصادا مستمرا يضاف إلى تراث حركة الشعر في السنوات الماضية.
يتابع: هناك اقتراح آخر أقدمه للقائمين على مسابقة أمير الشعراء، وهو أن يتم نشر أفضل النماذج التي اكتشفت في هذه المهرجانات. كما أنني منذ البداية ضد فكرة تسمية "أمير الشعراء"؛ لأن اللقب يمثل عبئا كبيرا على الشباب وهم في مرحلة البدايات، وهذا العبء من الممكن أن يفرض عليه وضعا خاصا، فيتصور أنه بالفعل أصبح أميرا للشعراء، وفي السنة التالية يسقط عنه اللقب، فبالتالي يعاني من حسرة فقدانه.