|
| |
| كتب | | |
محيط – سميرة سليمان
أصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان مؤخرا بيانا حول حرية التعبير في مصر وجاء فيه تفاصيل تدلل على الرقابة المشددة على المطبوعات الصحفية المصرية ، وكذا على الكتب والتي منعت أجهزة الدولة منها منذ التسعينيات وحتى الآن أكثر من 81 إصدارا متنوعا بين السياسي والديني والثقافي والفني.
انتهى التقرير ولكن لم تنتهي التساؤلات التي أثارها حول مشروعية مصادرة كتاب، وهل يوجد فعلا كتاب يستحق المصادرة، وهل يجوز لجهة ما أن تمنع كتاب من الخروج إلى النور؟، هل أصبحت المصادرة الآن حق أصيل للمجتمع بعد انتشار أدعياء الثقافة وغياب ضمير المبدع؟ هل ينفع منع الورق عندما تصبح الكتابة مثل هواء يطير من بلد لآخر عبر الانترنت والسماوات المفتوحة؟، البعض يرى أن الكتاب مهما "شطح" في مضمونه فإنه في أيد أمينة لأنه يتعاطاه بالنهاية أعلى شرائح المجتمع..فهل هذا منطق مقبول؟، وهل يرفض ناشر طباعة كتاب لأن مضمونه يتجاوز ثوابت الدين والمجتمع؟ أسئلة شائكة طرحتها شبكة الإعلام العربية "محيط" على مجموعة من المثقفين والمبدعين وكانت رؤيتهم في السطور التالية.
ضمير المبدع الحقيقي
في مقال للشاعر والكاتب الكبير فاروق جويدة نقرأ جزءا منه يقول فيه : "أيها الإبداع كم من الجرائم ترتكب باسمك، فالبعض يرى أن الفنان أكبر من كل المقدسات والمبدع فوق كل الضوابط من هنا فإن المجتمعات لابد أن تفتح أبواب الإبداع حتى لو كان عبثا ودجلا وجهالة.
وهنا يجب أن نفرق بين مبدع حقيقي يدرك مسئولية الإبداع ويعرف أسراره وبين آلاف الأدعياء الذين امتلأت بهم الساحة لأن المبدع الحقيقي يدرك عن وعي قيمة شيء عظيم اسمه الحرية.. وشيء أعظم اسمه المسئولية.
علينا قبل أن نطالب بالحماية والحرية والفتك بأجهزة الرقابة أن نسأل أنفسنا أين هؤلاء المبدعون، هل كل من تجرأ على دين أو عقيدة أو رمز من رموزنا المقدسة أصبح في نظر نقادنا الكبار مبدعا؟، وهل كل مجنون قدم كتابا تجرأ فيه على الله أو الأنبياء والرسل بحثا عن الشهرة التي عجز عن تحقيقها بإبداع حقيقي.. أصبح مبدعا؟.
هناك فرق كبير بين إبداع حقيقي قد يصدم مشاعر الناس ومقدساتهم ومغامرات طفولية تسعى للاستفزاز والتجريح والمتاجرة. هناك فرق بين مبدع كبير يثير جدلا من خلال عمل إبداعي جريء ومحاولات ساذجة لإثارة الرأي العام والإساءة لثوابت البشر.
والغريب أن بعض النقاد عندنا يصرخون مع هذا العبث ويطالبون له بالحرية والحماية، ولا أدري أية حرية يريدون.. وعن أي قيمة يدافعون.
هذا يعني أن ما نراه الآن لا يدخل في مجال الإبداع الحقيقي حتى نطالب له بضمانات الحماية والحرية.. إن الأولى بالنقاد الذين يطالبون بالحريات أن يطالبوا في البداية بعودة الإبداع الحقيقي وأن نتخلص من هذا العبث العشوائي الذي يحاول أن يفرض نفسه تحت دعاوى الإبداع..
أمام الإبداع الحقيقي ينبغي أن تنحني الرؤوس وتفتح الأبواب وتتوافر كل مطالب الحماية والحرية.. لا قيد على مبدع حقيقي إلا ضميره" .
كتابات للشهرة !
أكد الروائي والإعلامي عبد الله يسري أن هناك كتبا تستحق المصادرة من ذوق القارئ ومن أخلاقيات المجتمع ، قائلا: لكني أرفض تماما أن تكون هناك جهة معنية بالمصادرة، تتعامل مع الكتاب باعتباره سلعة، لأن الحرية الحقيقية تحتمل كل رأي وكل فكر والقرار في يد القارئ دائما، لأن بداخله بوصلة ترشده وتوجهه لاختيار ما يتوافق مع فكره ومعتقداته.
وأضاف صاحب رواية "الجاسوس 388" أن الفكر حتى وإن اخترق الثوابت لا يجابه إلا عبر الفكر أيضا وليس بالمنع أو المصادرة ؛ ففي الستينيات ظهر كتاب للدكتور مصطفى محمود بعنوان "لماذا أنا ملحد؟" ثم صدر كتاب مضاد "لماذا أنا مؤمن؟" هكذا تتوالد الأفكار.
وتحدث الإعلامي عن الكتب المنتشرة الآن في المكتبات وأن عددا غير قليل منها يكتبها صاحبها من أجل الشهرة فقط، ومع ذلك تتضمنها قائمة الأكثر مبيعا رغم مستواها الضئيل ومضمونها السئ، ولذلك على المجتمع أن يتصدى لمثل هذه الكتب التي تكون ضد قيمه وآدابه وأن يتم ذلك عبر جهة واعية وموضوعية ومعنية بالثقافة والإبداع ، وليس ضابطا للآداب يقرر أن يمنع عمل ويصادره لمجرد أن رآه مع الباعة وتصفحه فوجد به بعض الألفاظ التي لا تروق له.
يجب أن يوكل الأمر لجهة منوط بها الحفاظ على الآداب العامة ولتكن مثلا لجنة تابعة للمجلس الأعلى للثقافة تشكل من كافة الأطياف الممثلة للمجتمع يكون لها حق النظر في الأعمال المثيرة للجدل والتحفظ عليها ؛ لأن هناك كثير من الأعمال التي اندهش من رواجها وهي تساهم في انحطاط الذوق العام مثل "نامت عليك حيطة"، "علشان الصنارة تغمز"، "مصر دي مش أمي دي مرات أبويا"، هل هذا أدب يستحق أن يوضع في مصاف الأعمال الخالدة لشكسبير أو توفيق الحكيم، وفي النهاية الرقابة الحقيقية هي التي تأتي من ضمير المبدع وهذا هو شرط الإبداع الحقيقي.
|
| |
| يوسف زيدان | | |
الرقابة وقطع الرقاب!
يخالف الفائز بجائزة البوكر العربية لعام 2009 د.يوسف زيدان سابقيه ففي رأيه لا يوجد كتاب يستحق المصادرة، وقال إنه من باب السخف أن نطرح موضوع مصادرة الكتب للنقاش، فمن المؤسف بعد هذه المسيرة الفكرية الطويلة للثقافة التي ننتمي إليها، وبعد أن وصل العالم من حولنا إلى ما وصل إليه، نعود هذه الأيام للكلام المكثف حول: الرقابة على الإبداع، سلطة المؤسسة الدينية على النشر، الضوابط والمحاذير الواجب اتباعها من جهة المبدعين، ما يجب أن ينشر وما لا يجب..إلى آخر هذه السخافات التي تجاوزها العالم من حولنا وتجاوزتها ثقافتنا المعاصرة.
ومما يزيد من خطورة هذا "السخف" أنه يفتح بابا لأشخاص من ذوي المصالح الضيقة كي يسارعوا بإدلاء الرأي والفتوى فيما يعلمون وفيما لا يعلمون، فنراهم متصدرين شاشات القنوات الفضائية يفيضون على الناس من بركاتهم الممنوحة والممنوعة لهذا أو ذاك، وكأننا نعطي بذلك الفرصة لهم لتأكيد حضورهم في غير المجال الذي يجب أن يحضروا فيه وأن يحاضروا.
وقد وصل هذا الأمر بالبعض مؤخرا إلى المطالبة بإعطاء الكنائس المختلفة حق الرقابة على الكتب مثلما هذا الحق مكفول للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية!.
والغريب أن السلطة السياسية التي كانت دائما في بلادنا العربية تحاصر الكتاب والمبدعين، رفعت يديها عن هذا الأمر حين تحققت بأنه من العسير مراقبة الإبداع وفرض الرقابة عليه، وإذا بالمؤسسات الدينية تقفز على الأمر رغبة منها في ملء الفراغ، وكأنه فراغ بالفعل.
إن طرح هذه المسألة أصلا لا معنى له، وعلينا أن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، ونتأمل بعمق لفظ "الرقابة" المشتق من الرقبة والدال ضمنيا على إمكانية قطع الرقاب.
وحول رأيه في أن بعض الكتب قد تستحق المصادرة يقول صاحب رواية "عزازيل" المثيرة للجدل: إذا وجدت كتابا لا أوافق عليه من زاويتي فإما ان أتجاهله فيسقط من تلقاء نفسه أو أرد عليه إذا كان يستحق الرد، أما المنع والحظر وغير ذلك من هذه الأدوات البائسة فقد أثبتت التجربة التاريخية أنها غير فعالة.
ويضيف مدير مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية: انظري إلى الضجة التي أثيرت لعشرات السنين حول رواية "أولاد حارتنا" ماذا حدث بعد أن نشرت الرواية مؤخرا؟ لا شئ..فلا الرواية أثرت على عقائد الناس، ولا انتقصت من شأن دين أو مذهب، ولا أحدثت أثرا فكريا! فلماذا جرى كل ما سبق، ألم يكن في ذلك تضييع للوقت والجهد؟ ولكن يبدو أن المسألة في نهاية الأمر هي "بالونات" اختبار تمارس من خلالها جماعات الضغط لعبة القط والفأر، ولعبة الكراسي الموسيقية، في محاولة من كل طرف إثبات حضوره حتى لو تمت في سبيل ذلك التضحية بالإبداع والتفكير العقلي الرصين والمحاولة الصادقة لإثارة الأسئلة الحقيقية.
الطغاة والكتب
ينضم الناقد الأردني د. محمد عبد الله القواسمة إلى قائمة الرافضين للمصادرة ويقول أن الرقابة تستطيع أن تصادر الكتاب، تحرقه، تزج بالمبدع في غياهب السجون، تجعله يتنقل من منفى إلى آخر، تعيقه عن الإبداع، تقتله لكنّها لا تستطيع أن تنتصر على إبداعه بل إنّ إبداعه يزداد تألقاً وعمقاً وانتشاراً.
هكذا لم تفسد الرقابة إبداع فلوبير أو د.هـ. لورنس أو سولجنتسين أو مظفر النواب أو نزار قباني أو نجيب محفوظ أو طه حسين ، لقد بقى إبداع هؤلاء وفكرهم، وانهزمت الرقابة لتظلّ وصمة عار في التاريخ الإنساني.
|
| |
| الروسي المعارض سولجنستين | | |
لقد وجهت وسائل الاتصال الحديثة، والتقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات صفعة قوية للرقابة؛ فشلّت قدرتها وحركتها في مطاردة الإبداع والمبدعين؛ فمن السهولة أن يتواصل القارئ مع أيّ فكر أو إبداع على صفحات الإنترنت والكتب الرقمية بل إن الكتاب الورقي الذي تستطيع أن تصادره الرقابة أصبح مهدّداً في بقائه.
ويضيف مؤكدا: الإبداع تجربة ذاتية لا يمكن أن تترعرع إلاّ في ظلّ الحرية، فأيّ إحساس بالرقابة سواء من الخارج أم من الداخل يقتل الإبداع، وضمير المبدع ينطلق من الإخلاص لعمله، ويتمحور حول هدف وحيد هو تجويد هذا العمل.
أما المصادرة فتعني تحكم الفكر الأحادي، ولا يصادر الكتب أو يحرقها إلاّ الطغاة، كما فعل هولاكو في إحراق مكتبات بغداد، والنازيون الألمان في ثلاثينيات القرن الماضي، والغزاة الأمريكيين عندما نهبوا ودمّروا متحف بغداد الوطني بعد سقوط بغداد، فالوقوف أمام الفكر لا يكون إلاّ بالفكر ذاته عن طربق النقد والمحاورة والتسامح، أمّا ما ينتجه أدعياء الثقافة والأدب فلا يجب أن يقابل إلا بالإهمال.
الرأي يتغير حتماً
ترى الأديبة والأكاديمية د. سمية رمضان الحاصلة على جائزة نجيب محفوظ عام 2001 أن قضية المصادرة تثير في ذهني ما تعرضت له مؤخرا مجلة "إبداع" من المصادرة والإيقاف بدعوى أن هناك قصيدة تسئ للذات الإلهية، وتتساءل متعجبة: إن الذات الإلهية منزهة عن كل عيب ولا يمكن لأحد المساس بها أو الاقتراب منها، إن من يقول هذا هو المعيب والمسئ للذات الإلهية!
وتضيف الكاتبة صاحبة عديد من المجموعات القصصية أشهرها "خشب ونحاس": إني أتعجب حقا من دعاوى البعض أن هناك كتاب قد يهدم ثوابت الدين أو يؤثر على العقيدة، أنّى لهذا أن يحدث لصاحب إيمان قوي وعقيدة راسخة، علينا أن نعطي للناس الحرية الكافية للبحث والتفكير ويكفينا ما قاله تشرشل سابقا "لا يمكن أن أثق في إنسان لا يغير رأيه" لأن الذي لا يغير رأيه هو إنسان جامد توقف عن البحث والتفكير.
إن المصادرة والرقابة تعني أن نستسلم لعقل واحد يفكر لنا وأن نلغي عقول الناس، وهذا ضد الطبيعة التي فطرنا الله عليها فلكل منا عقله الذي يسيره وبناء عليه يستطيع أن يختار ما يناسب فكره وقيمه.
وتؤكد رمضان : الفرق بين الفن الجيد والبورنو شعرة هي ضمير المبدع، إما أن يكون فن مثير للتأمل أو يثير الغرائز، وعلى المبدع أن يكتب ما يحلو له دون أن يتقيد بشئ ويكون ضميره هو الفيصل والرقيب عليه، وفي كل الأحوال الحجب ليس هو الحل لأن تدافع الأفكار وتقابلها هي الوسيلة المناسبة للتمييز بين الغث والثمين، فلا يمكن إلا أن يكون النشاز، والمبتذل، والتافه موجوداً، لأنها الحياة تقوم على وحدة وصراع الأضداد. وللأفراد عقول يتميزون بها عن بعضهم بعضاً، وهي المرشد لهم في الاختيار.
أرى أن مصادرة الكتاب طريقة أخرى في القتل، لإن الكتابة بالنسبة للمثقف طريقة في الحياة.
فزّاعة التابوهات
يعتقد الناقد أسامة عرابي أن أي كاتب أو مثقف حقيقي يقف دائما مع حرية التعبير والديمقراطية، لأنه لا يوجد إنسان سوي ينادي بالمصادرة ؛ فالفكر يرد عليه بالفكر .
ويضيف: إن موضوع مهاجمة الثوابت والتابوهات هي فزاعة لإرهاب المثقفين، لأن الفكر الذي يصادر ينتشر أكثر ويكتسب شرعية لدى الجمهور، أما الكتاب الذي مع الباعة وعلى الأرصفة لا يلتفت إليه الناس.
ونشير هنا إلى كتاب مغمور بعنوان "سقوط الإمام" للكاتبة "نوال السعداوي" صدر قبل عشرين عاما، ولم يسمع عنه أحد من المثقفين فضلا عن الجمهور، ولم ينتبه الناس إليه إلا مع صدور توصية من لجنة البحوث بمصادرته.
ورأى عرابي أن مفهوم الثوابت مائع ومطاط وقابل للتفسير بأكثر من تأويل الأمر الذي يتيح "للمستبدين" مصادرة حرية التعبير والتضييق على المثقفين.
أما الناشر المصري مصطفى الشيخ مدير دار آفاق للنشر والتوزيع فرأى أن مضمون الكتاب يحكم عملية نشره أم لا، وإذا تكاتفت جميع دور النشر ووضعت معايير جادة لنشر الأعمال لديها لن يجد أصحاب التفاهات من ينشر لهم، فهل يتخيل أي كاتب أنه إذا كتب شيئا خارج على آداب المجتمع أو ضد المقدسات بدون منهجية سيتم نشر عمله؟ ، وقال أنه يسعى دوما لإخراج أعمال جادة ومحترمة للقارئ ؛ لأن دور النشر لو ساهمت في نشر كل الخارج عن الآداب والمقدسات فهي بذلك تساهم في تفكيك المجتمع وتحطيم ثوابته.
ما رأيك .. من يراقب الكتاب ، وهل توافق على فكرة المصادرة ؟