ابوعيسى مدير
عدد الرسائل : 2692 العمر : 58 تاريخ التسجيل : 22/04/2008
| | ايران على مفترق طرق | |
ايران على مفترق طرق..! * بديع ابو عيده ما يحدث في ايران من تطورات على المستوى الداخلي يعكس الصراع الدائر بين مختلف التيارات التي تولدت من رحم الثورة الاسلاميةكان الكثير ممن يتابعون مسار الاحداث التي عصفت بايران مؤخرا على موعد للاستماع الى خطبة الجمعة التي القاها علي هاشمي رفسنجاني في جامعة طهران على اعتبار انه سوف يتخذ موقفا حاسما من تلك الاحداث التي جاءت كردة فعل على نتائج الانتخابات الرئاسية مما اثار حفيظة جماعة الاصلاحيين بزعامة ميرحسين موسوي, الذين شكّكوا بفوز محمود احمدي نجاد بولاية ثانية, متهمين المحافظين بالتزوير, فحدث ما حدث, وسقط العشرات من القتلى والجرحى, واعتقل المئات. وكانت الفرصة مواتية ليقوم الاعلام الغربي بشن حملة دعائية على النظام ورموزه, فاشبعهم شتما وتشكيكا, ناعتا اياهم بالمتسلطين الديكتاتوريين, القامعين للحريات بما في ذلك حرية الرأي والتعبير, والانفراد بالسلطة, واتى ذلك متناغما مع ما تبثه بعض وسائل الاعلام في العديد من دول المنطقة.وجاءت خطبة رفسنجاني لتبين انه ما زال يمسك بالعصا من المنتصف, فرغم الغمز واللمز الذي تضمنته عباراته فيما يخص الاعتقالات وسقوط الضحايا, مطالبا اطلاق سراح المعتقلين كافة واعادتهم الى ديارهم, والتعويض على المتضررين, والتصالح معهم الا انه كان حريصا على وضع نفسه تحت عباءة آية الله الخميني متعمدا التذكير ببعض مناقبه, ملمحا الى انه قد رافقه طوال ستين عاما قبل انتصار الثورة وفيما بعد. وكان ذكيا بعدم اللجوء الى شخصنة الخلاف القائم بينه وبين الرئيس احمدي نجاد, بحيث جاء تركيزه على جملة الاخطاء التي ارتكبت, والاساليب التي اتبعت في التصدي للمظاهرات الاحتجاجية, والصفة القمعية التي ميزت تصرف السلطات من خلال اطلاق يد الاجهزة الامنية بمختلف فروعها, وهو ما يعني ادانة صريحة لرأس النظام. ونادى بضرورة الاحتكام الى القانون لاجل حل المشاكل الطارئة بعد ان اصبحت ايران تعيش ابعاد ازمة مستفحلة. الامر الذي فسره الكثير من المراقبين على انه ايماءة لاتساع الهوة بين الشعب والفئة الحاكمة, مما يوجب العمل على اتخاذ العديد من الخطوات التصالحية والاصلاحية على طريق محاولة جسر تلك الهوة, حيث يتطلب الامر الكثير من الوقت.ولكن, رغم كل ما يطرحه رفسنجاني, والاستحسان الذي لاقاه من قبل الاصلاحيين الا انه لن يكون مؤهلا لقيادة معارضة جادة نتيجة عدم استعداده لشق عصا الطاعة على المرشد الاعلى, والتنكّر لما يصدرونه من فتاوى واحكام فيما يخص النتائج الانتخابية التي افتى بصحتها مما عزز موقف المحافظين.ومن المفيد القول, ان ما يحدث في ايران من تطورات على المستوى الداخلي, يعكس الصراع الدائر بين مختلف التيارات التي تولدت من رحم الثورة الاسلامية بمن فيها الاصلاحيون, الذين يحاولون بشتى الطرق العمل على تجيير هاشمي رفسنجاني الى جانبهم نظرا لما يتمتع به من نفوذ داخل المؤسسة الدينية المتنفذة, لكن ذلك يعتمد على مدى استعداده لتبني طروحاتهم بالكامل, خاصة وانه يحاول تقمص دور الحكم مما قد يساعده بنيل رضا الجميع. وذلك بعد ان اخذت الخلافات التي تهدد النسيج المجتمعي الايراني طابعا شخصيا بعد المناظرات المتلفزة التي سبقت الانتخابات, وكانت اقرب ما تكون الى المشاجرة والتشهير وكيل الاتهامات, منه الى الحوار العقلاني, والنقاش الديمقراطي, وتبني الاراء البناءة, وبدا حينئذ وكأن محمود احمدي نجاد في جانب والمرشحين الثلاثة الاخرين في الجانب الاخر. مما دعاه لسلوك شتى الطرق للدفاع عن نفسه والنيل من سمعة الاخرين, بمن فيهم رفسنجاني نفسه, متهما إياه بالفساد والانحراف وصولا لنعته كأحد زعماء المافيا. الامر الذي دفع هذا الاخير الى معاداته, وبدا شبه منحاز للطرف الاخر.لكن , لا بد من تأكيد ان رفسنجاني ما زال متمسكا بمبادئ الثورة الاسلامية وبولاية الفقيه, كما ان طبيعة انتمائه الطبقي كفيلة بتحديد انتمائه السياسي, فهو ينتمي للشريحة الاقتصادية الايرانية التي انتعشت بعد انتصار الثورة, مستغلة اندثار الطبقة الغنية التي كانت محيطة بالشاه. وربما كان هذا اصل الخلاف مع احمدي نجاد الذي سعى جاهدا الى اضعاف البرجوازية الوطنية التي ازدهرت في ظل حكم الملالي, من خلال توجيه الموارد لسد احتياجات سكان المناطق الريفية والاقاليم البعيدة, وما عمليات ضخ الاموال للفئات المعدمة إلا خير دليل على ذلك, ويمكن القول ضمن هذا السياق ان الاسلوب الشعبوي الذي يتبعه احمدي نجاد في تعامله مع الشرائح الاكثر فقرا في البلاد, حيث يعول كثيرا على استغلال المال من اجل تدعيم مواقفه السياسية, جعل منه بطريقة او بأخرى عدوا طبقيا للقطاع الإنتاجي الذي ينتمي اليه رفسنجاني.ومهما يكن من امر, فان بالإمكان القول ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد أصبحت على مفترق طرق, خاصة بعد ان وصل الخلاف بين المحافظين والإصلاحيين الى نقطة اللاعودة, في حالة ما ان تم تثبيت احمدي نجاد كرئيس لولاية ثانية, حيث من المنتظر ان يواصل النهج الذي اتبعه ابان ولايته الأولى, مع ما يصاحب ذلك من تضييق على خصومه السياسيين والاجتماعيين واستمراره في طرح خطاباته الاستفزازية المتعلقة بعلاقات طهران مع العالم الخارجي, وبمجمل القضايا العالقة بين ايران من جهة وبعض مفردات المجتمع الدولي من الجهة الأخرى, في مقدمتها معضلة الملف النووي. لذا فقد بات الأمر يتطلب إجراء مراجعة شاملة لمجمل السياسات الإيرانية على المستويين الداخلي والخارجي, بدءا من محاولة رأب الصدع الداخلي والتصالح مع تلك الفئة من المعارضة التي عاشت مختلف مراحل التغيير التي رافقت زوال عهد الشاه, وولادة الجمهورية الإسلامية. اما على المستوى الخارجي, فمن الأجدر لو عمدت السلطة الحاكمة في طهران الى التفاهم مع دول الجوار, والعربية منها على وجه الخصوص, والكف عن سياسة التدخل في شؤونها الداخلية, ونخص بالذكر العراق بعد ان ثبت فشل إتباع تلك السياسة, مما عمل على تصاعد الشكوك بوجود تعاون أمريكي- إيراني يهدف الى إبقاء العراق تحت الوصاية الأجنبية, وحرمانه من ان يكون سيد نفسه في اتخاذ القرارات السيادية, وكذلك التوقف عن التعامل مع العرب من منطلق ثأري وانتقامي, ملؤه الغل والحقد من خلال التمسك بترسبات الماضي. فتلك حقبة قد اندثرت وولت الى غير رجعة, فان حسنت النوايا واقترنت بالأفعال الحميدة, لوجدت طهران ايادي العرب ممدودة لها من جديد بهدف بناء علاقات تقوم على الاحترام المتبادل, وعدم التدخل, والتعاون بمختلف المجالات, مما يعود بالخير على الجميع, والى لقاء قريب. | |
|