صلاح عيسى لـ "محيط" :عبد الناصر ضيعنا صغارا وحمّلنا دمه كبارا

صلاح عيسى لـ "محيط" :
عبد الناصر ضيعنا صغارا وحمّلنا دمه كبارا

صلاح عيسي

محيط – شيرين صبحي

هو أحد الذين ذاقوا ويلات الاعتقال أيام القبضة الحديدية للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حتى أن الزعيم الراحل قال ذات يوم "الواد ده مش هيخرج من السجن طول ما أنا عايش".. وبالفعل لم يخرج في حياته، وبرغم ذلك لم يتمن يوما أن يرحل الزعيم الذي يحدثنا عنه بكل حب وتقدير!.

هذا بعض ما رواه لنا الكاتب السياسي ورئيس تحرير صحيفة "القاهرة" الثقافية .. صلاح عيسى في ذكرى ثورة يوليو التي غيرت وجه مصر والمصريين.. قصة عشق وألم لم يمنعه من الإنصاف والنظر للأمور بنظرة محايدة.

محيط : بداية قبل أن نتحدث عن وضع الثقافة والمثقفون أيام الثورة نود معرفة كيف كان وضعهم قبل مجيئها ؟ .

عيسى : كان بمصر تيارات سياسية رئيسية تصوغ مشروع النهضة منذ بداية القرن الماضي، وكانت تتكون من أربعة تيارات أساسية نشأت تدريجيا، أقدمها كان الديني الإسلامي الذي خاض حركة التحرر الوطني ضد الاحتلال الفرنسي لمصر في بداية القرن التاسع عشر وتلاه في الظهور التيار القومي الوطني الذي يرفع شعار مصر للمصريين في أثناء الثورة العرابية، ثم أضيف إليه تيار قومي عروبي يدعو للإتجاه شرقا أو ما كان يعرف آنذاك بالدول الشرقية "العربية والإسلامية"، ثم نشأ في عشرينيات القرن الماضي وما بعدها التيار الإشتراكي الداعي إلى العدل الإجتماعي، وهناك التيار الليبرالي الذي نشأ في ثورة 1919م.

كانت هذه التيارات فاعلة ونشطت جدا بعد الحرب العالمية الثانية وكان المثقفون المصريون والنخبة السياسية تتوزع بين هذه التيارات، وثوار 23 يوليو الذين قادوا الثورة معظمهم ولد على مشارف ثورة 1919 أو بعدها بقليل وتربوا وتأثروا بهذه التيارات وكانوا موزعين بينها فكونوا وجهات نظرهم وأفكارهم من خلال ما نسميه سنوات المخاض التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية إلى حين قيام الثورة. وهذه التيارات كلها ظلت مستمرة في عهد الثورة مع تطور متعلق بتطورات الأحداث بعد انتصار الثورة.

غياب الديمقراطية

محيط : من أين إذن نشأت الأزمة بين المثقفين والثورة ما دام القائمين عليها تأثروا بهذه التيارات؟

عيسى : هذه الأزمة نشأت لأسباب تتعلق بأن الذي قاد الثورة تنظيم كان موجودا داخل القوات المسلحة المصرية، وكانت عناصر منه تنتمي بالفكر وليس بالتنظيم لكل هذه التيارات.

معظم المثقفين المصريين استقبلوا الثورة بترحاب شديد في المرحلة الأولى على أساس أنها كانت ستصوب مجمل الأخطاء التي وقعت في العهد الملكي وخاصة ما يتعلق بسعي ما كان يعرف بمؤسسة القصر "فاروق ومستشاريه" في الانتقاص من الحقوق الدستورية والديمقراطية للمصريين ولتدبير الانقلابات الدستورية وللتغول على سلطات الأمة وحزب الأغلبية التي كان يكفلها الدستور، فضلا عن الفساد والإقطاع وكل الظواهر التي كانت تدعو لتغيير الوضع الذي كان قائما.

هذه المشكلة في نزع الضباط الأحرار إلى الأخذ بفكرة أن يستمروا في السلطة، بينما كان أمل المثقفين أن يقوم الثوار بمجموعة من الإصلاحات الإجتماعية ثم يعيدوا الحكم للمدنيين في إطار نظام ديمقراطي قائم على التعددية، ولكن الضباط كانوا قد كونوا لديهم رؤية وتأثروا بمشروعات النهضة التي حققها أتاتورك في تركيا، وهتلر في ألمانيا، وموسوليني في إيطاليا، وكان رأيهم أن الديمقراطية تنطوي على نوع من اللجاج وتضييع الوقت، وأن مصر لديها مشاكل كبيرة ولابد من حدوث قفزات أولا لإجلاء المستعمر ثم تحقيق التنمية الاقتصادية، وأنها تحتاج لإجراءات ثورية لا تتماشى مع الديمقراطية التي يحصل فيها اختلاف كثير من الآراء مما يعطل الإنجاز .

كان المثقفون لا يشكون في أن الثورة وطنية وتسعى للعدالة الاجتماعية ورفع مستوى الطبقات الكادحة ، لكن كان هناك خلافا أساسيا على الديمقراطية وهذا الذي خلق الأزمة.

عبدالناصر

قيم أرستها الثورة

محيط : يرى الأديب "محمد البساطي" أن مكاسب ثورة يوليو انتهت ولم يتبق منها سوى العسكر، وأن من أكبر أخطاء الثورة أنها لم تكن تحمل مقومات الاستمرار وماتت بموت زعيمها.. فما الذي تبقى منها في نظرك؟

عيسى : الثورات لا تحسب بأبنيتها ولا قوانينها ، فهذا يتقادم بالزمن ، ولكنها تحاكم بمقياس القيم التي أرستها في المجتمع .

وفي هذا السياق فإن الثورة أرست عدة قيم أساسية لازالت قائمة حتى الآن ، وأولها قيمة "الاستقلال الوطني" فالآن لدى المصريين كشعب وحتى إدارة، قناعة بضرورة استقلال الإرادة الوطنية وعدم تقبل التدخل الأجنبي في القرار السياسي. وحتى السادات حينما فاوض الإسرائيليين اشترط ألا يكون ذلك على حساب الأرض أو السيادة المصرية مطلقا . كما أن مصر رفضت فكرة القواعد الأجنبية منذ الثورة وللآن .

القيمة الثانية هي فتح الهرم الاجتماعي المغلق بحيث أصبح أي مواطن مصري من أسفل السلم الاجتماعي يستطيع أن يصعد بمجهوده ، القيمة الثالثة أنها أقرت ضرورة التزام الدولة بحد أدنى لضمان مستوى معيشة للطبقات الفقيرة من سياسات دعم وغيرها، وهذه السياسات صحيح أنه تم التخلي عن كثير منها لكن هناك خطوطا حمراء حين تشعر الحكومة بأن الفقراء لم يعودوا قادرين على التحمل تضطر أن تتدخل وتدعم.

الفكرة الأخرى أنها رسخت فكرة كانت سابقة عليها وهي أن الشعب المصري جزء من الأمة العربية ولذلك هي التي أشاعت المشاعر العروبية لدى الشعب وأن مصر لا تستطيع أن تعيش إلا بمحيطها العربي ونتج عن ذلك أننا حتى هذه اللحظة - برغم وجود قوى ضغط على مصر للتنصل من عروبتها- إلا أن فكرة العروبة لا تزال قائمة لدى الإدارة والشعب.

ويتفق عيسى مع الشق الثاني من رأي البساطي، فيقول أن مشكلة الثورة الأساسية أنها اعتمدت على كاريزما الزعيم، ولغت الأحزاب وكل شكل من أشكال المبادرة الذاتية للمواطنين حتى الذين يقتنعون بأفكارها ويريدون الدفاع عنها، وكونت جهاز دولة ينفذ هذه الأفكار ويدافع عنها ويتكون في معظمه من عناصر بيروقراطية ماهرة في النفاق وتغيير جلدها وبالتالي عندما توفى الزعيم عبد الناصر تبين أنه في داخل المؤسسات التي أنشأها عناصر عديدة جدا رافضة لهذه الأفكار وكانت تنفذها مكرهة .
بعد أن رحل عبدالناصر عن الدنيا وضاعت قبضته عن السلطة بدأت هذه الفئة تنقلب على كل ما قام به..

نجيب محفوظ

حرية الإبداع .. بغير سياسة

محيط : قلت أن الثورة لم تتدخل فى حرية الإبداع الأدبي، بل كانت مشكلتها مع التنظيمات.. فبماذا تفسر وصف نجيب محفوظ للسنوات التي تلت الثورة بسنوات اليأس الأدبي؟

عيسى : أشك في أنه قال ذلك ولو كان قد قاله فهو نفسه نقض لهذه المقولة؛ لأنه قبل الثورة كان آخر ما كتبه "الثلاثية"، أما أعماله الأخرى فقد توالت بعد الثورة مثل "السمان والخريف"، "اللص والكلاب"، و"أولاد حارتنا" وغيرها .
وهناك جيلا كبيرا جدا من المثقفين والمبدعين تكونوا خلال الأربعينات منهم محفوظ نفسه وإحسان عبد القدوس وعبد الحميد جودة السحار ومحمد عبد الحليم عبد الله ونعمان عاشور وسعد الدين وهبة وأحمد عبد المعطي حجازي وصلاح عبد الصبور، وغيرهم عشرات كلهم وإن كانوا ينتمون لجيل الأربعينات، ولكن أعمالهم برزت بعد الثورة وعملوا تيارات جديدة فظهر مثلا تيار شعر التفعيلة، وترسخت الرواية كفن يمتلك أدواته أكثر .

حتى أن الأجيال السابقة على جيل محفوظ من الثلاثينات أو العشرينات مثل العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم، كتبت وأبدعت في ظل الثورة، وخلقت مرحلة جديدة والتي نسميها الآن مرحلة الازدهار في المسرح وما نطلق عليه مسرح الستينات.

الجيل الذي صنع هذا لم يتربى في ظل الثورة بل قبلها، فالجيل الذي ولد بعد 1952 أو كان صغيرا حينها ربما لم يكن إبداعه بنفس القدر الذي كان عليه الجيل السابق، لكن الثورة لم تتصد لحرية الإبداع، وكانت مشكلتها الأساسية هي صراع ضد الأيديولوجيات وضد التظيمات السياسية، لذلك كل المثقفين الذين تم اعتقالهم أو قدموا للمحاكمات كان لأسباب سياسية وليست إبداعية، ومنهم عبد الرحمن الخميسي، يوسف إدريس، محمود أمين العالم، فؤاد حداد، وعشرات المثقفين دخلوا السجون في عهد الثورة لأنهم كانوا أعضاءا في تنظيمات سياسية .

الباقي على http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=282413&pg=8

صلاح عيسى لـ "محيط" :عبد الناصر ضيعنا صغارا وحمّلنا دمه كبارا

صلاح عيسى لـ "محيط" :عبد الناصر ضيعنا صغارا وحمّلنا دمه كبارا :: تعاليق

صلاح عيسى لـ "محيط" :عبد الناصر ضيعنا صغارا وحمّلنا دمه كبارا

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة