مهر الدولار الواحد".. ينعش زواج العرب بالأمازيغ في الجزائر على عكس ما يتصوره الكثير عن وجود صراع بين العرب والأمازيغ في الجزائر، فهناك وجه آخر للتعايش لا يعترف بحسابات السياسيين ودعاة "القضية الأمازيغية" وحتى دعاة فصل منطقة القبائل عن الجزائر، ففي فصل الصيف من كل عام تقام الآلاف من الأعراس المختلطة بين العرب والأمازيغ شاهدة بذلك على انصهار النسب بين الجانبين، وتقف ولاية سطيف 300 كلم شرق العاصمة الجزائر في مقدمة المدن النموذجية التي تشهد أكبر عدد من زواج العرب بالأمازيغ.
والطريف في الأمر أن صورة "المرأة الأمازيغية" في المخيال الجزائري المرتبطة بانخفاض مهرها وتفانيها في العمل مهما كان شاقا، جعلت إقبال الشباب على الزواج بها يتزايد بشكل ملفت حتى من عمق الصحراء الجزائرية.
صورة نمطية لمنطقة القبائل
وخلّف تركيز وسائل الإعلام على اندلاع مواجهات بين الشرطة وحركة العروش في منطقة القبائل (الأمازيغ) بخلفية عرقية انطباعا بوجود شرخ اجتماعي كبير في البلاد، خصوصا أن الأخبار كانت تتحدث وقتها عن حواجز أقامها الشباب الأمازيغي الغاضب على الطريق الوطني العابر لمنطقة القبائل نحو شرق الجزائر، وتم خلالها توقيف الأشخاص على أساس الهوية (عربي - أمازيغي).
ويرأى محند أرزقي فرّاد، الباحث في التراث والثقافة الأمازيغيتين إن "عامل السياسة عنصر طارئ على مجتمع منطقة القبائل، ومعناه أن الثقافة المحلية في منطقة القبائل تعتمد التفريق على أساس الدين (مسلم -كافر) وليس على أساس عرقي (عربي -قبائلي أو أمازيغي)".
ويضيف المتحدث أن "العمق الشعبي للمنطقة لم يتأثر بظهور أفكار سياسية كدعاة اللغة الأمازيغية، ونشوء حركات سياسية كحركة المغني فرحات مهني، التي تدعو لاستقلال ذاتي للقبائل".
سطيف.. انصهار النسب
وفي مدينة سطيف، ثاني أكبر مدن البلاد من حيث التعداد السكاني بعد العاصمة بقرابة 1.5 مليون نسمة، ما إن يحل فصل الصيف حتى تزدحم شوارع المدينة بمواكب الأعراس القادمة من منطقة القبائل ومنطقة الشاوية باتجاه وسط المدينة حيث العرب، وهو مشهد يعلق عليه رياض معزوزي الساكن بولاية سطيف في حديثه بالقول "أنا أمازيغي، وأؤكد لك أن منطقتنا في أقصى شمال سطيف تشهد أكبر عدد من زواج العرب بالأمازيغ، ولا أقول العرب من الأمازيغ بل هناك حركة عكسية أيضا".
وتعد سطيف ولاية نموذجية في مسألة التعايش بين العرب والأمازيغ؛ حيث يسكنها في الشمال الأمازيغ القبائل، بينما يسكنها في الجنوب الأمازيغ الشاوية، ويتوزع العرب في مختلف جهات الولاية، مما يصعب الفصل في نسب فلان إن كان للعرب أو الأمازيغ.
وليست سطيف وحدها هي النموذج بل هناك المدينتان الساحليتان جيجل وبجاية؛ حيث يؤكد الباحث محند أرزقي فرّاد أن علاقات مصاهرة قوية توجد بين قبائل عربية من جيجل وقبائل أمازيغية من بجاية، وتمتد علاقات المصاهرة حتى تصل إلى منطقة بوسعادة بولاية المسيلة ومدينة تيزي وزو، وفق روابط دينية بين شيوخ التصوف والزوايا في المنطقتين.
زوجة مهرها.. دولار واحد
ومن الشائع أن منطقة القبائل تشتهر بانخفاض مهور بناتها عن بقية المناطق في الجزائر؛ حيث يكفي ما يعادل دولارا واحدا لقراءة الفاتحة على زوجة من منطقة القبائل، وهو ما حفز الكثير من "الشباب العربي" من مختلف مناطق الجزائر لمصاهرة الأمازيغ، دون الأخذ بمحاذير السياسة التي تحتضنها صالونات العاصمة.
وبعكس منطقة القبائل ترتفع المهور بشكل جنوني في بعض المناطق من الجزائر، كتلمسان بغرب البلاد وميلة بشرقها؛ حيث تتجاوز حاجز الـ10 آلاف دولار كمهر زوجة واحدة.
وتشتهر "المرأة الأمازيغية" إضافة إلى جمالها بقوة التحمل والعمل الشاق كالزراعة وجني الزيتون، بالنظر إلى الطبيعة الجبلية التي تميز أغلب المناطق التي يتمركز بها الأمازيغ.
ويفسر الباحث أرزقي فراد، هذا الأمر بالقول إن "إقبال العرب على الزواج من منطقة القبائل له علاقة بتمسك سكانها بتعاليم الإسلام"، كاشفا في السياق ذاته أن "عائلته مثلا زفت فتاتين لمنطقة الواد وبسكرة بالصحراء الجزائرية".
ويرى المحلل السياسي د. عبد العالي رزاقي في حديثه أن "التراث الأمازيغي يتحدث عن تبجيل كبير للعربي، فعندما يزور العربي منطقة القبائل يذبح له كبش، أما إذا زار الأمازيغي نفس المنطقة فيذبح له ديك رغم أنه ابن جلدتهم"، وهذا دليل قوي على الاحترام الكبير الذي يلقاه العرب لدى الأمازيغ.
بالنسبة لرزاقي، فإن هناك مؤشرا آخر يدل على تمسك الأمازيغ بالعروبة والإسل؛ حيث إن أغلب قيادات جمعية العلماء المسلمين كانوا من الأمازيغ، ومنهم رئيس الجمعية الحالي الشيخ عبد الرحمن شيبان وهو وزير سابق للشؤون الدينية.
تجدر الإشارة إلى أن "الأمازيغ" لفظ عام يضم عدة أعراق منها "زواوة" المعرفون باسم "القبايل" وهناك "الشاوية" و"التوارق" و الشلحية"، يتوزعون كلهم على جهات الجزائر الأربعة.