لا تلومونا، فقد غرر بنا أسيادنا..

لماذا تخدعون الناس وأنفسكم؟

محمد قبرطاي

أدرك الموت مؤخراً رجلاً تجاوز مئة وعشر سنوات من العمر بعد أن نجا منه في الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ قبيل وفاته أدى هذا المحارب البريطاني العجوز وهو مقعد في كرسي متحرك بعجلات زيارة وداع لمقابر الجنود الذين قتلوا وماتوا في شبابهم أبشع ميتة في الحرب العالمية الأولى التي خاضها هو نفسه في شبابه، وعاد سالما لم يفقد أي عضو من جسمه، ولكنه أصيب بجرح عميق في مشاعره، فأخذ يهز رأسه حزيناً ويهمهم: علام كل هذه الخسائر؟ لقد ضاع جيل كامل من الشبيبة البريطانية وترملت مئات الآلاف من النساء وتيتم أضعاف هذا العدد من الأطفال.

ومع أن معظم البريطانيين الذين فقدوا أبناءهم في الحروب يشبكون من حين لاَخر في باقاتهم زهرة حمراء كتلك التي تنبت من تلقاء نفسها فوق المقابر، فإنهم ما زالوا يرسلون أبناءهم إلى الحروب، ومنهم حالياً آلاف في أفغانستان، الآلاف الذين انسحبوا من العراق. وهؤلاء يشكون من أن الأفغان قد قتلوا حوالي 170 جنديا بريطانيا حتى الآن، ويجلبون بالطائرات جثث هؤلاء الذين يسمونهم "أبطالا مغاوير"، ويودعهم زملاؤهم وأهاليهم إلى الحفر التي ستكون مثواهم الأخير الذي لن يقوموا منه إلى يوم يبعثون، وعلى أعمالهم سيحاسبون.

سيحاسبون: - ماذا فعلتم في العراق؟ وفي أفغانستان؟ كم قتلتم من العراقيين والأفغان؟ وعلام قتلتموهم؟ - قتلناهم لأنهم رفضوا الانصياع للديموقراطية التي جلبناها إليهم عبر البحار وأجواز السماء.

- هل حققتم أي نتيجة مفيدة؟ - لم نحقق سوى أننا قتلنا خمسين عراقياً وأفغانياً مقابل كل جندي من جنودنا قُتل أو جُرح.

- وماذا عن خراب البيوت وقطع الأرزاق وترميل النساء، وتيتيم الأطفال؟ - هناك مخطط لإعادة التعمير وستتوفر الأرزاق عندما نستغل موارد البلاد "لصالح أهلها بالطبع".

- نسيتم النساء والأطفال؟ - الأرملة الشابة ستجد زوجا آخر والطفل سيتعلم السرقة والشحاذة، وسيتعلم طبعاً أن يكرهكم ويزرع الألغام تحت أقدامكم ويحاربكم طوال حياته لا في بلاده فحسب، بل سيأتي إلى بلادكم كما حصل في لندن ونيويورك وغيرهما.. هؤلاء مخدوعون مضللون، إنهم يظنون أنهم سيذهبون إلى الجنة المليئة بالحور العين، وسيشربون من أنهار من خمر وعسل ولبن مصفى إلى أبد الآبدين.

وانتم ألستم مخدوعين مضللين إذ تتوهمون أن بنادقكم وقنابلكم هي رسل الديموقراطية؟ ألستم خاسرين في الدنيا وفي الآخرة حيث لن تجدوا بانتظاركم الحور العين، بل ستظل أرواحكم تحوم فوق السحاب بلا هدف مبين؟

- لا تلومونا، فقد غرر بنا أسيادنا.. - أسيادكم الذين انتخبتموهم بديموقراطيتكم؟.. – نعم، ولكن لن نصوت لهم بعد الآن. فنحن لدينا ديموقراطية ومن أجلها نحارب ونموت.

بعد كل ما تقدم لا بد من أن نضيف حاشية مهمة، وهي أن الأمريكيين هم الذين غرروا بالبريطانيين وأقحموهم في حربَيْ العراق وأفغانستان، وقد ساقوا إلى الحرب ألفي أمريكي مقابل كل مئة بريطاني. فالأمريكيون يتوهمون أنهم أباطرة العالم ومن لا يطيعهم ويمشي في ركابهم يعتبرونه عدوا يجب القضاء عليه؛ ولا يضيرهم في سبيل ذلك كم يخسرون من أبنائهم وأموالهم حتى وإن كانت النتيجة دائماً، أو على الأقل في أغلب الأحيان، أن يضطروا للفرار وأذيالهم بين سيقانهم كما حصل في كوريا وفي فيتنام حيث خسروا ما يقارب مئة ألف جندي في كل من البلدين، ومع ذلك لم ينجحوا في وأد كيم إيل سونغ ولا هوشي منه؛ وما زال اَل كاسترو في كوبا يواجهونهم بالتحدي كل صباح ومساء.

لا تلومونا، فقد غرر بنا أسيادنا..

لا تلومونا، فقد غرر بنا أسيادنا.. :: تعاليق

لا تلومونا، فقد غرر بنا أسيادنا..