"في الأزمة" يشرح كيف ظلم اقتصاد العولمة الدول النامية ؟
غلاف الكتاب
صدر مؤخرا عن مركز الإمارات للدراسات الاقتصادية بأبوظبي كتاب بعنوان " في الأزمة .. النمو لمجرد النمو.. مبدأ الخلية السرطانية" لمؤلفه الإعلامي محمد كركوتي ، ويتناول الكتاب تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية في المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية والتعليمية وغيرها ، قائلا بأن الدول الداعمة للعولمة عليها "عولمة الهموم" كما "تعولم الاقتصاد" !
في الوقت الذي لا تزال فيه الأزمة الاقتصادية العالمية تنشر حممها في كل الأرجاء. وبعد مرور أكثر من عشرة أشهر على اندلاع هذه الأزمة -التي فاقت في حدتها "الكساد العظيم" الذي ضرب العالم في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي - لا تزال تصريحات المسؤولين في الدول الكبرى متضاربة، بين من يعتقد بأن الانتعاش بدأ بالفعل، وبين من يقول : إن الأسوأ لم يأت بعد. في حين يظهر بين الحين والآخر من يحدد إطارا زمنيا للخروج من الأزمة، ما بين عام آخر وثلاثة أعوام.
سوق بلا أخلاق
يرى المؤلف، أنه إذا كانت الدول الكبرى تسعى إلى تعزيز العولمة في أوقات الرخاء، عليها أن تكرسها في أزمنة الكساد، وذلك من خلال "عولمة الهموم والمحن". بمعنى أنه يتوجب على الدول المؤمنة بقوة في العولمة أن تفكر في الخيارات المتاحة أمام الدول النامية تلك التي لم تكن المسبب الرئيسي في الازمة المالية .
خصص المؤلف فصلا كاملا، عن عمليات الاحتيال التي ظهرت في أعقاب الأزمة، لاسيما وأنها نالت من ملايين الأشخاص حول العالم، بما في ذلك طبعا المحتال الأميركي الشهير برنارد مادوف. واعتبر أن الأخلاقيات الغائبة عن "اقتصاد السوق"، لا تولد سوى "مستثمرين" مثل مادوف وغيره من المحتالين الذين سرقوا المليارات من الدولارات من أموال المعاشات والجمعيات الخيرية والأفراد والمصارف وغيرها، ولم يستثمروا سنتا واحدا منها. وتناول أيضا عمليات الإقراض التي أغرقت الأسواق، دون أي ضمانات، الأمر الذي أدى إلى إغراق الأفراد – قبل المؤسسات – بمحيطات من الديون، التي سيبقون سابحين فيها إلى ما لا نهاية.
واعتبر أن الأخلاق الغائبة، كانت وراء عمليات الإغراق هذه. وفي السياق الأخلاقي أيضا، حمل الكاتب الدول الكبرى، مسؤولية المآسي التي ستنجم عن تراجع حجم المعونات والمساعدات المقدمة للدول الفقيرة، بما في ذلك تراجع الإنفاق في مجالات التعليم والصحة ( أي محاربة الأمراض والأوبئة). وحذر من أن الشح في هذه القطاعات العالمية، سيولد أزمة، ستكون الأزمة الاقتصادية أمامها مجرد نزهة!.
نوادي النخبة
يتناول الكتاب قضية هامة ترتبط بالمجموعات الدولية الكبرى، لاسيما مجموعة الثماني، التي لم تعد تسيطر على الأمور. ومع بروز دور "مجموعة العشرين"، وأخذها زمام المبادرة، وجد المؤلف ضرورة حتمية لتطوير هذه المجموعة، خصوصا وأنها تضم تحت لوائها، دول يمكنها أن تمثل أمما كانت غائبة عن ساحة صنع القرار الاقتصادي العالمي. فهو يرى أن "نوادي النخبة"، فقدت صفتها، عندما فشلت في منع اندلاع أزمة اقتصادية أتت بهذه المصائب، وعندما عجزت في الوقوف بوجه الأزمة. ولأن "سياسة الانخراط" باتت ضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى، فقد استطاعت "مجموعة العشرين" في قمتيها ( واشنطن ولندن ) بعد الأزمة، أن تحدد المعالم الرئيسية للحلول الناجعة، وإن لم تتوصل إلى الحلول النهائية بعد.
يستهل المؤلف كتابه، بسيناريو خيالي لكنه واقعي، وذلك عندما استحضر الأربعة الكبار في الاقتصاد ( كارل ماركس الألماني، وجوزيف شومبيتر النمساوي، وجون كينيز البريطاني، وآدم سميث الاسكتلندي)، وتخيل وجودهم على قيد الحياة، عندما اندلعت الأزمة الاقتصادية العالمية. وقدم مقارنة بين رؤى هؤلاء لما جري وما يجري، لاسيما وأنهم يختلفون عن بعضهم البعض في طروحاتهم الاقتصادية التي شغلت التاريخ الإنساني. ووجد الكاتب أن منهم، من كان سيضحك، لأنه حذر من مخاطر الرأسمالية، ومنهم من كان سيتوارى، لأنه آمن بالرأسمالية المطلقة، ومنهم من كان سيحاول، إظهار مساوئ الرأسمالية "الورقية"، والاشتراكية الفوضوية. لكن في النهاية توصل إلى أن هؤلاء، لن يكونوا بمعزل عن الصدمة، بما في ذلك "الضاحكين" منهم.