القاهرة تغازل طهران.. مبارك يهنيء نجاد بالفوز
القاهرة : العزلة الدولية التي واجهها نجاد في أعقاب انتخابات الرئاسة الأخيرة يبدو أنها في طريقها للاختفاء ، فبعد يومين من تصريحات أدلت بها وزيرة الخارجية الأمريكية وسببت حرجا بالغا للمعارضة الإيرانية ، كشفت تقارير صحفية أن الرئيس المصري حسني مبارك بعث في 11 أغسطس / آب برقية إلى نظيره الإيراني هنأه فيها على فوزه بفترة رئاسية ثانية .
وذكرت وكالة "مهر" الإيرانية أن مبارك بعث برقية إلى الرئيس محمود أحمدي نجاد هنأه فيها بفوزه في الدورة العاشرة للانتخابات الرئاسية وحصوله على أغلبية أصوات الشعب الإيراني.
يذكر أن العلاقات المصرية الإيرانية مرت بمراحل من التقارب والتباعد منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 ، وتوترت العلاقات بينهما بشدة في أعقاب حرب تموز 2006 وخلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة .
كما سبب الفيلم الوثائقى الايراني "إعدام فرعون" والذي عرض عام 2008 توترا فى العلاقات المصرية الإيرانية بعد أن وصف الرئيس المصري الراحل أنور السادات بالخائن.
وفي الأسابيع الأخيرة ، ظهرت مؤشرات حول احتمال تحسن العلاقات بين البلدين ، خاصة بعد اجتماع وزيري خارجية البلدين على هامش قمة دول عدم الانحياز التي عقدت في مدينة شرم الشيخ.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير حسام زكى وصف لقاء وزير الخارجية المصرى أحمد أبو الغيط ونظيره الإيرانى منوشهر متكي في 13 يوليو / تموز الماضي بأنه شخصى وبعيد عن الخلافات السياسية بين البلدين.
وقال زكي عقب اجتماع أبو الغيط مع متكى على هامش اجتماع وزراء خارجية دول عدم الانحياز بشرم الشيخ إن المؤتمرات الدولية بشكل عام دائما ما تسودها الروح الإيجابية.
وأضاف "هذا النوع من اللقاءات موجود وقائم ، والعلاقة بين الوزيرين هي علاقة شخصية وإنسانية طيبة ، ولا ترتبط بالضرورة بوجود خلافات سياسية أو اختلافات في وجهات النظر".
وأوضح أن هذا الأمر لا يجب تحميله أكثر مما يحتمل لأن الخلاف المصري مع أي طرف لم يكن أبدا خلافا شخصيا ، ولكن دائما ما تكون خلافات مصر مع أي طرف على سياسات أو وجهات نظر معينة ، وبالتالي لا يجب تأويل المسائل بشكل أكبر مما تحتمل.
وردا على سؤال حول العلاقة بين مصر وإيران في الفترة القادمة ، قال زكي :" إن العلاقات بين مصر وإيران هي علاقات قديمة وقد شهدت هذه العلاقات في الفترة الأخيرة الكثير من التجاذبات والتوتر ونعمل على استعادة العلاقات الطبيعية ولا داع لتأويل الأمور أكثر مما تحتمل ، أو أن نبالغ ونهول في حجم الخلاف ونصفه بأوصاف ليست موجودة ".
|
| |
| الرئيس مبارك | | |
وبالنظر إلى أن هذا اللقاء يعتبر الأول على هذا المستوى العالي منذ سنوات وخاصة منذ حرب تموز 2006 بين إسرائيل وحزب الله اللبناني وما أعقبها من تزايد الخلافات والتوتر بين القاهرة وطهران ، فقد وصفه مراقبون بأنه خطوة جيدة على طريق إذابة الجليد في علاقات البلدين ومن شأنه أن يعيد الهدوء للمنطقة ويعطي دفعة للعمل الإسلامي المشترك باعتبار القاهرة وطهران من أكبر الدول الإسلامية ، وأخيرا فإن التقارب بين البلدين قد يضع نهاية للانقسام المزعوم في العالم العربي بين قوى الممانعة المدعومة من إيران وقوى الاعتدال المدعومة من أمريكا.
ويبدو أن الظروف الدولية مواتية لمثل هذا التقارب ، فالرئيس الأمريكي يسعى لحوار مع إيران ورغم تصاعد التوتر بين الغرب وطهران في أعقاب انتخابات الرئاسة الإيرانية الأخيرة ، إلا أنه سرعان ما تراجع شيئا فشيئا ، بل إن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وجهت صفعة قاسية للمعارضة الإيرانية وأفقدتها المصداقية أمام شعبها عندما اعترفت صراحة بأن الولايات المتحدة بذلت جهدا كبيرا وراء الكواليس لدعم معارضي نجاد .
وفي مقابلة مع شبكة "سي إن إن " الإخبارية الأمريكية في 9 أغسطس ، قالت كلينتون :"لم نريد أن نضع أنفسنا بين السلطات والإيرانيين الذين يعترضون بصورة شرعية. لأننا لو تدخلنا في وقت مبكر وفي شكل قوي جدا، لكانت السلطات استخدمت ذلك لتوحيد البلاد ضد المعارضين".
وأضافت قائلة :"لكننا بذلنا جهدا كبيرا وراء الكواليس ، قمنا بجهد كبير لدعم المعارضين من دون أن نضع انفسنا بينهم وبين النظام. ونحن نواصل دعم المعارضة".
وعن المحاكمات الحالية في إيران للمتورطين في الاضطرابات ، قالت كلينتون :" إنها محاكمات صورية. إنه مؤشر ضعف يثبت أن السلطة في إيران تخاف شعبها وتخاف كشف الوقائع".
وكررت أن الولايات المتحدة تعتبر امتلاك إيران للسلاح النووي أمرا "غير مقبول"، وقالت :"إذا كانت السلطات الإيرانية تعتقد أن هذا الأمر سيقوي موقفها وسيرهب الجيران وسيساعدها في نشر إيديولوجيتها، فإنها مخطئة".
وأضافت "لا ننوي القبول بأسلحة نووية تصنعها إيران. نعتقد أن هذا الأمر غير مقبول" ، وخلصت إلى القول : "على الإيرانيبن أن يفكروا في ذلك، لأنهم سيضعفون موقفهم وسيتسببون بسباق تسلح في المنطقة وسيزيدون طبعا الضغط على الولايات المتحدة لتنشر مظلة عسكرية".
اعترافات رسام
وبجانب تصريحات كلينتون التي تدين المعارضة الإيرانية ، فقد ظهرت أيضا تصريحات تعطي بعض المصداقية لاتهامات إيران للغرب بالتورط في أحداث الشغب التي شهدتها طهران عقب الانتخابات التي أسفرت عن فوز نجاد بولاية رئاسية ثانية ، حيث اعترف محمد حسين رسام وهو إيراني ويعمل بالسفارة البريطانية بأن السكرتير الأول للسفارة البريطانية في طهران كان على اتصال مع مسئولي الحملة الإعلامية للمرشح الإصلاحي بالانتخابات الرئاسية الأخيرة مير حسين موسوي، كما أشار إلى اتصالات مع حزب اعتماد ملى الذي يتزعمه المرشح الرئاسي مهدي كروبي.
وأضاف رسام أمام المحكمة في 8 أغسطس أنه يعمل في السفارة البريطانية منذ خمس سنوات وكان عمله يقتصر على جمع المعلومات والأخبار التي تهم سفارة ذلك البلد وذلك عبر وسطاء يعملون مع السفاره في طهران وبقية المدن والمجاميع التي أخذت على عاتقها مثل هذه المسئولية ، مشيرا إلى أنه عمل خلال تلك السنوات الخمس على اجتذاب 130 شخصا ليعملوا لصالح سفارة بريطانيا وأنه خلال سنة واحدة فقط قام باجتذاب خمسين شخصا عن طريق التعرف عليهم في المطاعم والأماكن العامة.
وأكد للمحكمة أن أشخاصا من الإعلاميين وممن يعملون لصالح بعض القوى السياسية أمثال سعيد ليلاز وشمس الواعظين وعطريان فر كانوا يعملون لصالح السفارة البريطانية أيضا حيث تقوم هذه السفاره بإصدار تأشيرات دخول لمن لديه الاستعداد والقدرة على جمع المعلومات عن إيران.
وأضاف رسام أن السكرتير الأول للسفارة البريطانية قام بدور فاعل في المقرات الانتخابية حين زار بعض المراكز الانتخابية في مدن مثل رشت وقم تحت عنوان سائح كما زار مركز انتخابات مير حسين موسوي وكروبي بشكل سري .
اتهامات بالخيانة
|
| |
| محاكمة المتهمين بأحداث الشغب | | |
وبالإضافة لاعترافات رسام ، فقد شهدت الجلسة الأولى من محاكمة المسئولين عن أحداث الشغب والتي أجريت في 8 أغسطس اعترافات مثيرة للقيادي في التيار الإصلاحي محمد علي ابطحي الموقوف بتهمة المشاركة في الاحتجاجات التي اندلعت عقب فوز نجاد .
وجاء في اعترافات ابطحي أن المرشح الخاسر في الانتخابات مير حسين موسوي والرئيس السابق محمد خاتمي ورئيس مجمع مصلحة تشخيص النظام هاشمي رفسنجاني "أقسموا" على عدم التخلي عن بعضهم البعض بعد الخلاف الذي أعقب إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في حزيران/يونيو.
وأضاف أن موسوي على الأرجح لا يعرف البلاد، ولكن خاتمي ومع كل الاحترام على علم بكل هذه القضايا وهو يدرك قدرة ونفوذ المرشد الأعلى ولكنه انضم إلى موسوي وهذه خيانة وأضاف أن رفسنجاني سعى إلى الانتقام لهزيمته أمام احمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2005.
واستطرد ابطحي قائلا :" إنني أقر بجميع الاتهامات التي قرأها المدعي العام إلا أن هناك مسائل يجب توضيحها للإيرانيين وهي أن حضور 40 مليون ناخب يشكل سابقة في حياة النظام وأن الاتهامات بالتزوير لا ترتقي إلى ذلك الرقم ولا تقلل من قيمته".
وانتقد ترشيح موسوي في الانتخابات الرئاسية ، وقال :" إنني من الشخصيات المعارضة لذلك الحضور وإنني عارضته حتى قبل أربع سنوات لأنني اعتقد أن أي مدير يبتعد عن السياسة طوال هذه المدة لا يمكنه مواكبة التطورات السياسية".
وأمام الاعترافات السابقة ، دعا قائد الحرس الثوري الإيراني يد الله جواني في 9 أغسطس إلى محاكمة المرشحين الإصلاحيين الخاسرين في الانتخابات مير حسين موسوي ومهدي كروبي والرئيس السابق محمد خاتمي بتهمة إثارة الاضطرابات التي تفجرت بعد انتخابات الرئاسة في يونيو/ حزيران.
وقال جواني :"إنه اذا كان موسوي ومرشح الرئاسة المهزوم مهدي كروبي والرئيس السابق محمد خاتمي هم المشتبه بهم الرئيسيون وراء الثورة الناعمة في إيران.. وهو الحال بالفعل.. فإننا نتوقع أن تتعقبهم الهيئة القضائية وتلقي القبض عليهم وتحاكمهم وتعاقبهم" .
يذكر أن إعلان فوز أحمدي نجاد بـ 63% من الأصوات في انتخابات 12 يونيو / حزيران أدخل إيران في أزمة سياسية تعتبر الأخطر منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في 1979 ، حيث اندلعت تظاهرات كبرى تخللها أعمال عنف بعد أن اعتبر كل من المرشحين لانتخابات الرئاسة موسوي ومهدي كروبي أن نتائج الانتخابات كانت مزورة .
وتم توقيف المئات من أنصار المعارضة أطلق سراح غالبيتهم، في حين مثل منذ 8 أغسطس أكثر من مائة منهم أمام المحاكم بتهمة القيام بأعمال شغب خلال الحركة الاحتجاجية ، ويواجه المعتقلون عقوبة بالسجن خمس سنوات لاخلالهم بالنظام والمساس بالأمن القومي وقد يحكم على من يعتبر "عدو الله" بالإعدام.
ويبدو أن اعترافات كلينتون ورسام وابطحي جاءت بمثابة هدية مجانية لنجاد ، حيث من المتوقع أن يستغلها لاتهام خصمه اللدود موسوي بالخيانة ، هذا بالإضافة إلى أن هذه الاعترافات تحرج الغرب وتعطي مصداقية للنظام الإيراني أمام الرأي العام العالمي لأن اتهاماته للغرب كانت تستند لأدلة وليست مجرد دعاية للتغطية على الأزمة الداخلية.