هل يخرج الجنرال موريتانيا من المتاهة

A N N محمد قاياتي

جاءت نتائج الانتخابات الرئاسية الموريتانية والتي أظهرت فوز الجنرال محمد ولد عبد العزيز والذي قاد انقلاباً أطاح بالرئيس السابق ولد سيدي الشيخ عبد الله في أغسطس الماضي ، ليضع عبد العزيز علي رأس السلطة في البلاد ولكن هذه المرة عبر صناديق الاقتراع ، وتكتس موريتانيا خصوصية سياسية وأوضاعاً تختلف عن محيطها العربي والإفريقي فرغم قلة مواردها الاقتصادية وصغر مساحتها إلا أنها كانت علي الدوام مصدراً للزخم السياسي الذي وصل في كثير من الأحيان إلي الانقلابات العسكرية والصراعات السياسية ، فالرئيس المنتخب ولد عبد العزيز كان قد قاد إنقلاباُ أطاح بالرئيس السابق ولد الشيخ عبد الله الذي جاء بدوره بعد انتخابات نظمت عقب انقلاب قاده العقدي أعلي محمد ولد فال أطاح خلاله بالرئيس ولد معاوية أحمد الطايع ، وقد شهدت موريتانيا قبل الاستقلال فترة من التعددية السياسية ففي عام 1948 تأسس الاتحاد التقدمي الموريتاني بمدينة روصو، وكان يسمى حزب شيوخ القبائل والموالين للسلطة الفرنسية، برئاسة بونا مختار ونائبه سيدي المختار انجاي، ومن بين أعضائه المختار ولد داداه الذي أصبح فيما بعد أول رئيس لموريتانيا ، وفي عام 1950 تأسس حزب الوئام الموريتاني برئاسة أحمد بن حرمه ، وفي عام 1952 حصل حزب الاتحاد التقدمي في الانتخابات المحلية بشهر مارس على 12 مقعدا في الجمعية المحلية مقابل مقعد واحد لحزب الوئام ، وتوالت بعدها تأسيس الأحزاب والاتحادات حتى نالت موريتانيا الاستقلال عن فرنسا عام 1960 ودخلت البلاد إلي مرحلة الحزب الواحد فبعد المصادقة علي أول دستور للبلاد عام 1961 وانضمام موريتانيا إلي عضوية الجمعية العامة للأمم المتحدة تم تأسيس حزب الشعب الموريتاني وشغل المختار ولد داداه رئيس الدولة منصب أمينه العام وأعلن حزب الشعب حزباً وحيداً في البلاد ، واستمرت تلك الفترة مع استمرار حكم الرئيس المختار ولد داداه رئيسا للبلاد حتي عام 1978 عندما أطاح به انقلاب أبيض قاده العقيد محمد ولد مصطفي السالك وتولي رئاسة البلاد ولم يسمح السالك بالعودة إلي نظام التعددية السياسية بل استمر علي نفس النهج السياسي إلي أن عادت التجربة السياسية الحزبية في بداية التسعينيات من القرن الماضي في فترة حكم الرئيس سيدي ولد الطايع الذ أعلن عن إجراء استفتاء لإقرار دستور جديد للبلاد في 15 أبريل عام 1991 وتمت المصادقة على قانون إنشاء الأحزاب السياسية الذي ينص على استثناء الأحزاب ذات الطابع الإسلامي في 25 يوليو والمصادقة على قانون حرية الصحافة ، وتم إنشاء عدد من الأحزاب منها حزب التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة برئاسة أحمد ولد سيد بابا الوزير السابق في حكومة ولد داداه ، والحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي وهو الحزب الحاكم ورئيسه معاوية ولد سيد أحمد الطايع رئيس الدولة وأمينه العام بلاها ولد مكية ويضم كبار موظفي الدولة وشيوخ القبائل وأغلب القيادة التاريخية لحركة الحر (وهي حركة أسسها الأرقاء السابقين للمطالبة بحقوقهم ودمجهم في المجتمع) وبعض قيادات الحركات القومية العربية وأغلب رجال الأعمال ، وحزب اتحاد القوى الديمقراطية برئاسة السيد مسعود ولد بلخير الوزير السابق في حكومة ولد الطايع وأحد أعضاء حركة الحر .

استمرت فترة حكم سيد ولد معاوية أحمد الطايع حتي عام 2005 عندما أطاح الانقلاب الذي قاده العقيد ولد فال بحكمه ، وعلي الرغم من إنشاء مزيد من الأحجزبا السياسية والصحف في فترة حكم الطايع إلا إن حكمه لم يخلو من العديد من الاضطرابات والأزمات ففي عام 1999 تم قطع العلاقات البلوماسية مع العراق وحل حزب الطليعة ذي التوجه البعثي بعد ذلك بيوم واحد ، كما تم في نفس العام رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا وإسرائيل إلى مستوى السفراء ، وفي عام 2000 تم حل اتحاد القوى الديمقراطية/عهد جديد المعارض واعتقل ولد الشيخ ماء العينين رئيس حزب الجبهة الشعبية وفي 2002 حل حزب العمل من أجل التغيير بعد اتهام النظام رئيسه مسعود ولد بلخير بتصريحات ذات طابع عنصري ، أما عام 2003 فقد شهد موجة اعتقالات بصفوف الإسلاميين وشملت كوادر وأئمة ودعاة من أبرزهم الفقيه محمد الحسن ولد الددو والناشط الإسلامي المعارض محمد جميل ولد منصور ، كما شهد نفس العام محاولة انقلابية دموية فاشلة للإطاحة بنظام معاوية ولد الطايع في 8 و9 يونيو مات خلالها قائد أركان الجيش محمد الأمين ولد انجيان. وقد قادها الرائد صالح ولد حننا خريج أكاديمية الملك فيصل الجوية بالرياض عام 1986 والذي نحي عن الجيش عام 2000 بسبب مواقفه الناقدة للنظام. وتذكر الإحصائيات الرسمية أن حصيلة المحاولة الانقلابية كانت 15 قتيلا و60 جريحا.

وكلفت لعبة السلطة الجيش الموريتاني الكثير، ومن ذلك تساقط قادته التاريخيين بشكل مثير في ما يشبه تصفيات الرؤوس الكبار في المؤسسة العسكرية، فقد مات العديد من هؤلاء في ظروف غامضة أثارت الريبة حول زملائهم في المهنة، وبالذات أولئك الذين يمسكون بزمام السلطة.

ومن أشهر أولئك الذين ماتوا ميتة مريبة المقدم أحمد ولد بوسيف الذي توفي في سقوط طائرة موريتانية بالمحيط الأطلسي في رحلة إلى السنغال لم يتم كشف سرها حتى الآن.

كما أعلن مقتل كل من المقدم جدو ولد السالك، والمقدم سيدي ولد محمد الأمين، والعقيد أحمد ولد النيه، في حوادث سيارات غامضة، أثناء أسفار غامضة بين المدن الموريتانية. ولم تكشف تحقيقات علنية ذات مصداقية عن حقيقة ما جرى لأي من هؤلاء وسبب وفاته الحقيقي.

وفي عام 2005 قاد العقيد أعلي محمد ولد فال انقلاباً أطاح بالرئيس معاوية ولد الطايع وتم تشكيل مجلس عسكري حكم البلاد لمدة عام قام خلال هذه الفترة بتجهيز البلاد لانتخابات رئاسية وتشريعية رفض ولد فال الترشح فيها هو أو أي من أعضاء المجلس الرئاسي الحاكم وقتها ، وأسفرت الانتخابات عن فوز سيدي ولد الشيخ عبد الله برئاسة البلاد في انتخابات شهد العالم لها بالنزاهة والشفافية ، غير أن فترة حكم ولد الشيخ عبد الله لم تتجاوز عاماً واحداً قام بعدها الجنرال محمد ولد عبد العزيز بالإطاحة به عبر انقلاب عسكري تعرضت موريتانيا بسببه إلي عقوبات دولية وأوربية وإفريقية ، وبعد مفاوضات مطولة بوساطة من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة تم تحديد موعد للانتخابات الجديدة والتي أسفرت عن فوز الجنرال ولد عبد العزيز الذي كان قد قدم استقالته من رئاسة المجلس العسكري الحاكم قبل إجراء الانتخابات فهل يكون وصول ولد عبد العزيز إلي مقعد السلطة في موريتانيا تمهيداً لحالة من الاستقرار أم هو الهدوء الذي يسبق عاصفة انقلاب جديد يدخل البلد مرة أخري في متاهة عدم الاستقرار السيباسي .

في البداية يشير الدكتور محمود محمد أبو العينين خبير الشئون الإفريقية إلي أن موريتانيا بلد يتمتع بطبيعة سياسية ساخنة تسببت في فترات من عدم الاستقرار والتأرجح بين الحكم المدني والانقلابات العسكرية ، وهو أمر شهدته البلاد علي مدار تاريخها منذ الاستقلال وحتي الآن ، ويؤكد أن موريتانيا في حاجه إلي رئيس قوي يفرض حالة من الاستقرار السياسي في البلاد وإعادة صياغة العلاقات بين كافة ألوان الطيف السياسي ويدعو إلي مؤتمر وطني عام يسعي لإحداث نوع من التوافق الوطني والتصدي لقضايا البلاد بروح وطنية بعيداً عن المنافسات الحزبية والتصارع علي السلطة ، ويري أن الجنرال عبد العزيز لديه مقومات رجل الدولة وأثبت خلال توليه لمنصب رئيس المجلس العسكري أنه قادر علي التعامل مع تقلبات الخريطة السياسية الموريتانية وأبدي مرونة في كثير من المواقف ، لكن البلد يحتاج إلبي فترة من الاستقرار والتركيز علي التنميةو لكي يشعر المواطن الموريتاني بأنه المستهدف الأول من عملية الاستقرار السياسي .

ويقول الدكتور إبراهيم نصر الدين الأستاذ بمعهد الشئون الإفريقية بالقاهرة إن ظاهرة عدم الاستقرار السياسي في القارة الإفريقية أدت إلي تخلف شعوب وبلدان القارة إلي حد بعيد وهي المسئولة بالأساس عن حالة التراجع العام في كافة المجالات بالقارة ، وإن كانت هذه الظاهرة آخذة في التراجع خلال الفترة الأخيرة فإننا لا نستطيع القول بأن هذه الظاهرة قد انتهت فهناك بلدان كثيرة في القارة ما زالت تشهد الكثير من الاضطرابات والانقلابات بل والحروب الأهلية ، وموريتاني إحدي الدول التي أدي عدم الاستقرار السياسي فيها إلي تراجع كبير في شتي مناحي الحياة في البلاد ويكفي أن نعرف أن الأمم المتحدة صنفت موريتانيا كواحدة من أفقر بلدان العالم في تقرير التنمية البشرية لعام 2008 ، وهذه نتيجة طبيعية لحالة الفوضي وعدم الاستقرار السياسي الذي هو أساس التنمية والتقدم في أي بلد ، ويجب علي الرئيس الجديد العمل علي إرساء نوع من التنظيم السياسي الذي يتيح المشاركة للجميع في العملية السياسية ، كما يجب إبعاد الجيش عن اللعبة السياسية والاكتفاء بدوره كدرع للبلاد لأن استمرار التدخل العسكري سيكلف البلاد ثمناً غالياً وسيضعف الجيش كذلك .

أما الدكتور فرج عبد الفتاح فرج فيستغرب غياب الدور العربي عن الساحة الموريتانية فلا وجود للجامعة العربية ولا وجود كذلك للقوي العربية في موريتانيا في حين نشاهد تواجداً مكثفاً لأطراف دولية وإقليمية في الشأن الموريتاني ، ويقول إن هذا الغياب يؤكد أن هناك دول لا تلقي اهتماما مكن قبل الجامعة العربية والدول العربية بشكل عام رغم إنتماءها العربي والنموذج الصومالي ليس ببعيد عنا فقد تم إهمال الملف الصومالي حتى وصلت الأوضاع في الصومال إلي درجة مأساوية وصارت تهدد الأمن الإقليمي العربي والملاحة في البحر الأحمر ، وتحاول الآن الجامعة العربي إستعادة دورها في الصومال ولكن للأسف بعد فوات الأوان ، وأخشي أن ما حدث من إهمال في الصومال يتكرر الآن في موريتانيا فقد غابت الجامعة العربية غياباً تاماً عن الأزمة الموريتانية منذ بداياتها وحتي نهايتها وجرت مفاوضات احل الأزمة في السنغال وليس في الجامعة العربية أو في أي عاصمة عربية ، وفيما يخص فوز الجنرال ولد عبد العزيز بالانتخابات الرئاسية يقول لا يمكننا الحكم الآن علي تجربة لم تبدأ بعد ففترة حكم المجلس العسكري لا يمكن اعتبارها تجربة يمكن تقييمها ، وإن كان هناك مجموعة من الخطوات لابد من تحقيقها وعلي رأسها تحقيق الاستقرار السياسي ودمج القوي السايساسية المختلفة في إطار عملية سيلاسية ديمقراطية وطنية ، والتركيز علي حل المشاكل الاقتصادية حتي يستطيع المواطن المشاركة بفاعلية ويكون داعماً لمشروع الاستقرار السياسي في البلاد .

هل يخرج الجنرال موريتانيا من المتاهة

هل يخرج الجنرال موريتانيا من المتاهة :: تعاليق

هل يخرج الجنرال موريتانيا من المتاهة

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة