قراءة في ( خواطر مضطربة حزينة)
همام الآلوسي ...
ينحت الذكريات .... بمعول غربته
شرفني الاستاذ الكاتب الكبير همام هاشم الآلوسي في الكتابة عن (خواطره المضطربة الحزينة ) كما أسماها ن والتي تمثل بالنسبة له ضلعا من ضلوع غربته التي لن تنحني يوما رغم ألم المنفى ، ووجع الذكريات، وعاديات الزمن ،وخناجر الغدر التي تأتي مع الريح الصفراء .
في لحظة وجدت نفسي امام شخصية ليست هينة لأنها معبأة تماما بكل ماهونادر وظريف على كافة الأصعدة الفكرية والثقافية والتأريخية بما فيها الموروث الشعبي الًأصيل، شخصية أعدها قامة ضخمة في تاريخ العراق الدوبلوماسي والفكري المجيد .
وشعرت عند ذاك أنني أمام مسؤولية تأريخية كبيرة ، وبصراحة قصوى أدركت أنني في حيرة من أمري، حيث كثرت التساؤلات في جوف نفسي ، ماذا أكتب عن رجل دحر الغربة طوال خمسين عاما ؟ بجبروت إنتمائه للوطن رغم تغربه عن الديار، وتفانيه في ادائه المهني والعملي كدوبلوماسي مثل العراق في عدة دول وبمختلف الدرجات الوظيفية بدء من ملحق حتى سفير، رافعا إسم العراق على قلبه قبل راحتيه وهو يشق عباب الازمات ليخرج منها فارسا شهما همه الوحيد خدمة وطنه بإخلاص دون كلل وملل ، حتى إحالته على التقاعد، وبين زحام العمل وويلات الغربة كانت السنين تخزن في مخيلته ووجدانه وذاكرته حشد من الحكايات والذكريات والمواقف التي كانت أغلبها تغتسل بماء الحزن .
قبل أن ينخرط همام الآلوسي في العمل الدوبلوماسي كان يهوى كتابة الشعر ومجالسة الشعراء حيث كانت له ذكريات مع الشاعر الكبير الراحل بدر شاكر السياب وغيره من الشعراء والأدباء في تلك الفترة ، وتحولت هوايته للكتابة الى عشق وحلم وهوس حتى تبلورت الى فعل على أرض الواقع ، وبدء الكتابة والنشر مع مجموعة من الأدباء المعروفين منهم باسم عبدالحميد حمودي وزهدي الداوودي ومحمد حسن المظفر ، كما عمل محررا في بعض الصحف الاسبوعية آنذاك . رغم أنه من عائلة كبيرة لها وضعها الفكري والثقافي في العراق والوطن العربي ، ألا أنه في سنوات شبابه الأولى إصطدم بمرارات وإنكسارات نفسية غيرت منحى حياته شيئا ما ، منها موت حلم جميل في خوالجه لم يفصح عنه لحد الآن وهو في السبعين من عمره ، وفشل تجربة الوحدة العربية بين مصر وسوريا ، ونكسة العرب الكبرى عام 1967 ، إضافة الى الوحش الكاسر الذي يهدده دائما الا وهو الغربة ، لما يمتلكه من حس وطني وقومي تأثر كثيرا بهذه النكسات وظل يتسآل الى الآن ( هل الافراح تحب الصغار فقط)؟ مدركا أن المعاناة لايعرفها ولايحسها ألا من ذاق مرارتها .
بعد ذلك سافر الى بريطانيا لإكمال دراسته الجامعية وهذه أول غربة في حياته ، بعد ذلك إنخرط في العمل الدوبلوماسي الذي أخذ وقته وعمره وعاش الغربة للمرة الثانية ، وكان هاجسه الدائم بذل كل ما في وسعه من تفاني وعطاء وطني مخلصا للعراق الذي يعتبره أجمل مافي هذا الكون وهو الذي عمل في دول كثيرة من العالم ، رغم إنشغاله في العمل الدوبلوماسي الشاق والتنقل بين الدول ووطنه العراق ، لم ينسى ولو لحظة واحدة عشقه الأزلي للكتابة فأصبح يسجل الذكريات والحكايات والغرائب سواء على الورق أو في ذاكرته إن لم يسمح له الوقت عن مختلف البلدان وتأريخها وحضاراتها ، والشخصيات السياسية والثقافية والفنية التي إلتقاها حتى إحالته على التقاعد عام 2002 .
الغربة الثالثة التي عاشها همام الآلوسي والتي يعتبرها أشد قسوة عليه مما سبق حيث عاش نصف عمره متغربا عن الوطن بسبب العمل الدوبلوماسي ، هذه التي يعيشها الآن بعد أن حزم حقائبه رافضا الاحتلال بكل أشكاله متوجها الى المغرب الذي يقيم فيه الآن مع ولديه متفرغا لمعشوقته الكتابة وإفراغ تلك الذكريات والحكايات التي ثقلت بها ذاكرته والمعبأة بالجمال والغرابة والموروث الشعبي على الورق يحاول ان يتداوى بها من جروحه وحرقة قلبه على ماحل بوطننا من قهر ودمار، معتقدا أن الكتابة هي التي أصبحت صديقه ودائه ودواءه .
همام الألوسي هذا الطود الذي يزدهي بالشرف الوطني ، وعنفوان الكبرياء ، والخلق العراقي الأصيل ، لم يترك لحظة واحدة من حياته تذهب سدى دون عطاء أو جدوى.
بعد عناء الوظيفة صار يكتب عن كل ماحدث في حياته قبل الوظيفة وإثناءها وبعدها ، هكذا حياته كلها عمل وكفاح وصبر ، الله الله ماأروع الحياة عندما يكون بطلها فارسا يمتطي صهوة المجد بهذه الطريقة المتوحدة بكل شيء مثل همام الآلوسي .
لاأقول عرفته ،لاني ربما أعرفه من قبل لكني اقول التقيته في المغرب مصادفة ( وما أحلى لقاء الغرباء ) وجدته شابا صامدا في عمر الشيخوخة ،لايمل فرح المواسم ،ولايكل عن مجالسة الكتابة ،ولاينحني كتفه من حمل حقيبته الزاهرة بالتأريخ ، يصل الليل بالنهار ،ليكتب ثم يكتب ثم يكتب ،رغم كدر الغربة ،وجبروت المرض ،رايت إبتسامة ثغر العراق على جبهته تبشر بموعد النصر القريب .
هذه الجهود الكبيرة في واحة الابداع إستطاع من خلالها الكاتب الكبير همام الآلوسي أن يرفد المكتبة العربية والعالمية بأهم المنجزات الابداعية ، أهمها مايلي ..
1_ السيخ في الهند صراع العقيدة والجغرافية
وبهذا يعتبر أول كاتب عربي كتب عن السيخ ، ألا يعني هذا الكثير من الفخر والمجد للفكر العراقي المبدع الذي عبر عنه همام الآلوسي خير تغبير ؟
2_ الدوبلوماسية وتعاملاتها في المجالات الدوبلوماسية والقنصلية ومتعددة الأطراف والبروتوكولية وقواعد الأتكيت
وهذا يعتبر كتاب أكاديمي مهم ويخدم الرسالة التعليمية في الكليات ذات الاختصاص .
3_ الطوارق
وهو كتاب ضخم جدا يتناول حياة الطوارق في عدة دول منها مالي والنيجر وليبيا والمغرب والجزائر ، وهي من القبائل الكبيرة في دول شمال أفريقيا ، وأيضا يعتبر الكاتب العربي الوحيد الذي كتب بهذه الطريقة الحيادية التي إتسم بها أسلوبه بعيدا عن الابعاد السياسية .
4_ عروش القلب الأربع
وهذا الكتاب يتناول المعالم الفكرية والجمالية والموروث عن أربعة عروش يقصد بها الكاتب أولا وطنه العراق وثانيا مدينته بغداد الحبيبة وثالثا منطقة سكناه الأعظمية ورابعا شارع طه المحلة التي نشأ وترعرع فيها ، وهو كتاب ضخم ورائع وجميل حيث يتناول فيه الحكايات والشخصيات البغدادية القديمة ، وهو كتاب في منتهى الروعة .
5 _ من حقيبتي الدوبلوماسية .. حكايات وروايات وذكريات
وهذا نوع آخر من الفن الأدبي الذي عبر من خلاله همام الآلوسي عن قدرته في سرد الأحداث بطريقة رومانسية سردية مشوقة .
6 _ وهذا الكتاب الذي سنقرأه جميعا إنشاءالله( خواطر مضطربة حزينة .. من دفتر الغربة )
كل هذه المنجزات الابداعية ومازال همام الآلوسي يعتبر نفسه هاويا في بحر الابداع ، وينحني إجلالا على محراب كل جملة شعرية مؤثرة يسمعها ، ويقدس الحرف والقلم ويحترم من يتعامل بهما باخلاص .
ولدت فكرة إنجاز هذا الكتاب الذي يضم بين حناياه عشرات الخواطر التي عاشها دراميا همام الآلوسي على أرض الواقع في فترات مختلفة من حياته وضل يحتفظ بها في سر روحه الهائمة ، واسرار عشق لاتباح ،امينا عليها وهي تقطر حزنا في كل لحظة حتى كتابة هذه السطور وهي في طريقها الى المطبعة ، إضافة الى رسائل عزيزة عليه من اشخاص اعزهم ، وقصائد احبها لشعراء أحبهم ، اقول ولدت هذه الفكرة لديه بعد مخاض عسير وطويل عاشه الكاتب نتيجة حيائه المفرط وهو بهذا العمر ، حيائه من كل شيء يحيط به ، الاصدقاء ، الأجواء ، الكتابة ،عامة الناس ، الورقة التي يقدسها ،القلم الذي يجله ، الحزن الراسخ فيه ، الدمع الذي يتدفق من عينيه دون أن يراه احد ، المراة التي يحلم بها دون ان يجدها ، يحشم حتى من فنجان قهوته الذي يحتسيه بإحترام ، يحترم حتى سيجارته التي لاتفارق إصبعيه وهي تتسلط على رئتيه .
هذا الحياء الذي جعله يعيش هذا المخاض العسير من الحيرة والتردد والذي تجسد ، بكيف يكتب هذه الخواطروهو في السبعين ؟ وهل بمثله أن يكتب هذه الخواطر ؟ وهل سيتقبلها القراء ؟وهل تصلح لتكون كتابا ينفع المكتبة الثقافية في أي مكان؟ هذا من جانب .. ومن جانب آخر عشقه للكتابة والأدب وأمانته على المواقف والموروث جعله يباشر الكتابة صباح مساء وهو يعيش صراع التردد في نفس الوقت ، ذات مرة وأنا أجالسه في المقهى التي إتخذها مكتبا له ، بالله عليكم هل سمعتم او قرأتم عن كاتب ما ، يعكف على أوراقه مثل أم تحضن رضيعها نهارا بكامله ؟ انا شخصيا لم اقرا أو أسمع عن كاتب بهذه المواصفات العجيبة مثلما وجدتها في شخصية همام الآلوسي .. إذن تخيلوا كيف سيكون وقع هذه الخواطر المائية على قلوبكم العامرة بالحزن والعشق وحب الوطن التي كتبها الآلوسي بدمه ودموعه لابأنامله وهو يحشم من كتابتها ؟ أي تواضع كبير هذا يتحلى به همام الآلوسي ليضعه في الدرجة الأولى من حافلة الابداع الانساني ، أعود لأقول لكم ذات مرة وأنا أجالسه ،سالته لماذا هذا الحياء ؟ بعد أن فاض بي الصبر حيث أنه مرة يصارحني وأخرى انا أحسه ، فقلت له ألا تقرا كتابات جبران خليل جبران وأغلبها خواطر وآراء فلسفية ، مثل دمعة وابتسامة ، وأعطني الناي وغني ، والنبي وغيرها ، وأكدت عليه بالقول أيها الصديق الجليل لاحياء في الكتابة طالما يكون بطلها الحس الانساني الرفيع ، والصدق ، والهدف النبيل في تقديم ماهو رائع وجميل ومؤثر للقاريء ،، لاأخفي عليكم
ربما هذه الكلمات أعطت صديقنا الحاج الآلوسي بعض الشحنات الباسمة والدافعة ،، هذا الرجل التجربة المعبأة بالزهر والياقوت ... لااريد اطيل عليكم حتى لاتعتقدوا أن ماذهبت اليه بحق هذا الرجل مجاملة لابل هي هذه الحقيقة وواجبنا التأريخي والابداعي أن نذكر حقائق مبديعنا وهم على قيد الحياة ، ليكون لكلامنا معنى وصدق .
إذن صدقوني أن هذه الخواطر المضطربة الحزينة ماهي الا صرخة مدوية إنطلقت من روح وقلب ودموع وانامل الآلوسي ، بأسلوب ادبي رائع ولغة متدفقة مليئة بالصور الشعرية المركبة والمكثفة ، ستجدون فيها كل ماتبحثون عنه من سيل عارم بالمشاعر الدرامية ، والعواطف الجياشة بحب الوطن والناس ، ترى هل هناك ماهو أنبل من حب الوطن والناس ؟ إضافة الى الموروث الشعبي الذي ينقله لنا عبر حكايات رائعة وعذبة ، واصالة البيئة والصداقة ، وألفة الناس البسطاء ، الله ماأحوجنا لها الآن لاننا إفتقدناها في هذا الزمن الرديء .
سأترككم تبحرون في خواطر همام الآلوسي التي نحتها وهو شابا كهلا ، لعلكم تجدون الؤلؤ الذي تتمنون رؤيته وهو في قاع البحر ..
+ همام الآلوسي كما عرفته بإختصار
تجربة شامخة معباة بالذكريات الغريبة والعجيبة
حب الوطن بلا حدود
الحزن الأزلي منذ المسيح
التواضع حد الكبرياء
البكاء بصمت العظماء
الكرم حد الشجاعة
الاحساس بلون الدمع
الصبر حتى الموت
اللياقة بكل ماتعني
إحترام الناس بدء من كرصونات المقاهي
الحفاظ على حقوق الآخرين
وأشياء ليست خارجة على القانون
_ إذن اسمحوا لي ان أقدم لكم همام الآلوسي إنسانا وكاتبا فوق العادة ، وسأترككم لتتعرفوا عليه من خلال هذه ( الخواطر المضطربة والحزينة ) .
ولكم كيف تنصفون ..