معمر القذافي: مسيرة ارتقاء ثوري؟

بقلم أندريه مورتازين المعلق السياسي لوكالة نوفوستي.

يتربع العقيد معمر القذافي على عرش السلطة في ليبيا منذ أربعين عاما. وقد تجاوزت شهرته العالم العربي لتعمّ العالم بأسره.

والقذافي هو آخر ممثل للجيل القديم من الثوار القوميين العرب الذين وصلوا الى السلطة بنتيجة موجة الانقلابات العسكرية التي سادت في حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

أما في ما يخص الثورة الليبية على وجه التحديد، فقد قامت مجموعة من الضباط الشبان في الأول من سبتمبر 1969 بانقلاب عسكري أطاح بالملك الليبي إدريس السنوسي ومهَّد الطريق لإعلان "الجمهورية".

وفي وقت لاحق، في أواسط السبعينات، استبدل الزعيم الليبي التسمية لليبيا لتصبح "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية".
وقد ارتكزت "النظرية العالمية الثالثة" للمجتمع التي فصّلها ألقذافي في "الكتاب الأخضر" على بناء أسس جديدة تشكل لأيديولوجية أفضت إلى إلغاء التمثيل النيابي الذي يعد "تمثيلا خادعا للشعب" على حد تعبير القذافي الذي يصنف النظم النيابية حل تلفيقي لمشكل الديمقراطية" وأن " مجرد وجود مجلس نيابي معناه غياب الشعب، والديمقراطية الحقيقية لا تقوم إلا بوجود الشعب نفسه لا بوجود نواب عنه."

وهكذا، في إطار نظام مشابه لا مكان للأحزاب السياسية التي ذكرت في "الكتاب الأخضر" كأداة "إجهاض للديمقراطية" في حين تلخص جملته الشهيرة "شركاء لا أجراء" كافة ما قام به من تعديلات على نظام العمل إذ ألغى نظام الأجور الذي يماثل العامل بالعبد.

أما على الصعيد السياسي فقد ألغى الحكومات والوزارات واستبدلها بـ"مكاتب شعبية".

عدة من الجمل الشهيرة والشعارات التي أطلقها معمر القذافي خرج نطاق تداولها عن الكتب المدرسية والدوائر الحكومية لتزيّن أسوار العاصمة طرابلس.

منذ عشر سنوات شبّه الغرب القذافي شرّاً لا بدّ منه، أما اليوم فإن لم يكن صديقاً، فهو ـ على الأقل ـ شريك لكل من باريس وروما ولندن وموسكو وحتى واشنطن.

"الأخ العقيد"

خلال السبعينات ومطلع الثمانينات تمكن القذافي من تأمين حياة رفاهية له ولمواطنيه بفضل عائدات النفط. غير أن "الثوري" قرر النضال ضد الامبريالية في العالم بأجمعه حاذيا حذو تروتسكي و شي غيفارا. وهكذا بدأ بتمويل صراعات انحرفت عن النضال ضد الامبريالية لتتبلور في أعمال إرهابية هزت الغرب.

أول محطة في صراعه "ضد الامبريالية" كان تفجير ناد ليلي في برلين الغربية في الخامس من ابريل عام ،1986 مما أدى إلى مقتل ثلاثة وجرح 250 آخرين.

كان هذا الحادث صدمة دفعت برونالد ريغان ، الرئيس الأمريكي آنذاك، إلى شن غارات جوية على مدينتي طرابلس وبنغازي الليبيتين. واستهدفت الضربات مقرّ القذافي حيث قتل أربعون ليبياً، من بينهم ابنة القذافي بالتبني.

جاء رد القذافي انتقاما أكثر عنفا. يوم الأربعاء 21 ديسمبر 1988 انفجرت طائرة بوينغ 747، تابعة لشركة "بان أمريكان" أثناء تحليقها فوق قرية لوكربي في اسكوتلاندا.

وقد نجم عن الحادث مقتل 259 شخصاً هم جميع من كان على متن الطائرة و11 شخصاً من سكان القرية حيث وقعت.

وأوصلت التحقيقات بالحادث إلى مواطنين ليبين هما عبد الباسط المقراحي وأمين فهيمة. وأصدرت محكمة لاهاي حكما يقضي بسجن المقراحي لمدة 27 عاما على الأقل في السجن قبل أن يحظى بالإفراج المشروط، وقد قضى فترة سجن طويلة معتقلاً في سجن قرب غلاسكو إلى أن تم الإفراج عنه لأسباب صحية فقط حيث أنه مصاب بمرض سرطان البروستاتا وتمت إعادته إلى ليبيا دون تبرئته.

عام 1992 فرض مجلس الأمن في الأمم المتحدة عقوبات اقتصادية على ليبيا ووجد ألقذافي نفسه معزولا عن العالم ذلك أنه لم يتمكن من ايجاد حل وسط يقربه من الغرب.

الدرس العراقي

جاءت الحرب على العراق والإطاحة بنظام صدام حسين إنذارا للحكومات العربية . وبالأخص لنظام القذافي الذي أخذ عبرة من الدرس العراقي، وأعلن تخليه عن برنامجه النووي، ودعا المفتشين الدوليين لزيارة المركز النووي في "تاجورا".

علاوة على ذلك وافق القذافي على دفع 10 ملايين دولار تعويضا ً لكل أسرة فقدت فردا في حادث لوكربي دون أن يقر بذنبه.

من جانبها قامت واشنطن برفع الحصار الذي كان مفروضا على ليبيا في العام 2004 . أما في العام 2006 فقد حققت ليبيا تطورا كبيرا على صعيد علاقاتها مع الغرب، إذ شُطبت عن لائحة "الإرهاب الدولي".

عام 2007 برهن الرئيس الليبي عن حسن نياته بأفراجه عن الممرضات البلغاريات وعن طبيب فلسطيني سجنوا 7 سنوات بتهمة تلويث الأطفال الليبيين بمرض الايدز (مرض نقص المناعة AIDS)مما حرك مشاعر العواصم الاوروبية التي تهافتت الواحدة تلو الأخرى لدعوة القذافي: أسبانيا ثم فرنسا وأخيرا طوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، الذي توجه في زيارة إلى ليبيا أثمرت عن عقود سنحت له بالوصول إلى النفط الليبي. وفي عام 2008 وصل فلاديمير بوتين في زيارة إلى طرابلس أما في نوفمبر من العام نفسه جاء ألقذافي إلى موسكو حيث نصب خيمته داخل الكرملين. وعادت موسكو إلى لتكون شريكاً تجاريا لطرابلس من جديد.

شراكة لا صداقة؟

لقد عاد الزعيم الليبي إلى الساحة السياسية الدولية، غير أنه من المبكر الحديث عن صداقة بين القذافي وكل من روسيا وأوروبا والولايات المتحدة الذين يتهافتون إلى الجماهيرية عند الحاجة فقط.

والدليل هو رفض رئيس الوزراء الايطالي والرئيس الفرنسي المشاركة في احتفالات الذكرى الأربعين للثورة الليبية. أما الرئيس الروسي دمتري ميدفيديف ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين المدعوين لم يتمكنّا من حضور الاحتفالات. غير أن روسيا ودول أوروبية أخرى أرسلت فصائل حرس الشرف للمشاركة في العرض العسكري على الساحة الخضراء.

(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)

معمر القذافي: مسيرة ارتقاء ثوري؟

معمر القذافي: مسيرة ارتقاء ثوري؟ :: تعاليق

معمر القذافي: مسيرة ارتقاء ثوري؟

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة