فلسطينان وسائحة في أحد مقاهي الخليل بالضفة الغربية يشاهدون الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم 4 يونيو 2009 في القاهرة. (Reuters) سويس إنفو : تنتظِـر الأوساط السياسية الأردنية إعلان الرئيس الأمريكي أوباما المتوقّـع في شهر سبتمبر الجاري لخطّـته المقترحة لمفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.المفارقة اللافتة، أنّ هنالك قراءتين أردنيتين متضاربتيْـن لخطّـة أوباما المتوقّـعة واشتباكها مع المصالح الإستراتيجية والأمن الوطني الأردني.
فبينما يطمح "مطبخ القرار" في عمّـان أن تشكِّـل خطّـة أوباما مفتاحاً للضّـغط الأمريكي على الحكومة اليمينية في إسرائيل وتحقيق حلّ الدولتين، تتخوّف أوساط سياسية أخرى أن تكون هذه الخطّـة الوجْـه الآخر لتصفِـية القضايا الكُـبرى في الحلّ النهائي (كاللاّجئين)، على حساب الأردن.
"الوطن البديل"القراءة الرسمية الأردنية تقوم على أنّ خطّـة أوباما المتوقّـعة ستعكِـس التحوّل في المزاج الدّولي تُـجاه الحكومة اليمينية الإسرائيلية ونجاح الدبلوماسية العربية، بإلقاء الكُـرة في ملعب إسرائيل.
دبلوماسي أردني رفيع يقول في تصريح خاص بـ swissinfo.ch: "إنّها المرة الأولى التي يبدو فيها الشّـرخ متّـسعاً بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية، بل وحتى دول الاتحاد الأوروبي"، فقد باتت هنالك قناعة دولية بأنّ حلّ الدولتين، الذي ترفُـضه حكومة نتانياهو الإسرائيلية، هو مفتاح الاستِـقرار الإقليمي الذي يتكفّـل بإضعاف حُـجج شبكة القاعدة والعديد من المنظمات الراديكالية.
ويرى "مطبخ القرار" في عمّـان أنّ هنالك فرصة ذهبية اليوم، خاصة أنّ الرئيس أوباما مُـصِـرّ على المُـضي قُـدماً في الفترة القريبة القادمة في حلّ الدولتين، ليتفرّغ لاحقاً لأزماته الأخرى مع إيران وأفغانستان، وحتى الأزمة المالية، ولديه قناعة أنّ تسوية الصِّـراع، وفقاً لحلِّ الدولتين، ستُـساعده على التّـعاطي مع الملفّـات الإقليمية الأخرى.
وِفقاً لهذه القراءة، فإنّ سياسياً أردنياً بارزاً يرى أنّ خطّـة أوباما، التي بالتأكيد ستتضمّـن الانطلاق من مبدإ حلّ الدولتين، ستُـحرِج حكومة نتايناهو وتَـضعها في مربَّـع ضيِّـق وتعزلها دولياً، في حال أصرّت على استمرار تجاهل المجتمع الدولي.
ففي حال أصرّ نتانياهو على مواقِـفه، فإنّ الرأي العام الإسرائيلي سيشعُـر بالكلفة العالية لمواقِـف هذه الحكومة، وربّـما يؤدّي إلى تفكّـكها أو إسقاطها. أما السيناريو الآخر، فهو أن يتراجع نتانياهو عن مواقِـفه، وهو ما قد يهزّ تحالفه، لكن سيؤدّي إلى فريق حكومي آخر لا يعلن مسبقاً رفض القرارات الدولية.
ويرى هذا السياسي الأردني في تصريح خاص بـ swissinfo.ch، أنّ "المعركة الدبلوماسية" مع إسرائيل هي الخيار الإستراتيجي الوحيد بيَـد الأردن، في ظل اختلال مَـوازين القِـوى الحالية، وأنّ ذلك يكفل على الأقل وضع الكُـرة بالملعب الإسرائيلي، بدلاً من "اللّـوم التاريخي" للعرب من قِـبل المجتمع الدولي.
"حلّ الدولتين"، بالنسبة لمطبخ القرار في عمّـان، وإقامة دولة فلسطينية في الأراضي العربية المحتلفة عام 1967، سيكفل إذابة الهواجِـس السياسية من تلاشي فُـرص حلّ القضية الفلسطينية وتآكُـل الأراضي الفلسطينية بفِـعل المستوطنات ومخاطر التهجير لفلسطينيي الضفة الغربية أو حتى الضّـغط على الأردن للقيام بأدوار أمنية هناك، وجميعها تطرح سيناريو "الوطن البديل" للفلسطينيين، في حال لم تقُـم الدولة الفلسطينية الموعُـودة.
"القراءة المضادة"مقابل القراءة الرسمية، ثمّـة قراءة سياسية مُـغايرة أثارت جدلاً سياسياً وإعلامياً كبيراً في عمّـان خلال الأسابيع القليلة الماضية، وفحْـواها أنّ خطة أوباما تقتضي حُـلولاً واقعية وعملية، تحديداً حول مسألة اللاجئين الفلسطينيين، وذلك بتقديم رسائل مطَـمئِـنة لإسرائيل بعدَم عوْدة اللاّجئين، وبتقديم رسائل حُـسن نوايا عربية في قضية التّـطبيع، في حين المطلوب من إسرائيل أن توقِـف الاستيطان في الضفّـة الغربية.
وِفقاً للقراءة نفسها، فإنّ الدولة الفلسطينية المأمولة لن تتمكّـن من استقبال أغلَـب اللاّجئين الفلسطينيين في الشّـتات، وتحديداً في الأردن التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين. ما يمنح بُـعداً داخلياً أردنياً جوهرياً لأي حلٍّ نهائي أو خطّـة أمريكية مطروحة للتّـسوية السِّـلمية، يتمثل في سؤال التّـوطين النهائي للاّجئين الفلسطينيين في الأردن وإدماجهم في مؤسسات الدولة والحياة السياسية بصورة أوسع.
وما يجعل من هذه القضية مركبة وذات أبعاد وتثير حساسيات وسِـجالات مرتبكة، أنّها تمسّ سؤال الهوية الوطنية الأردنية في مجتمع يتشكّـل من نصفين متقاربيْـن ذوي أصول أردنية وأصول فلسطينية. فأي حديث عن تغيير المعادلة السياسية (التي يمتلك ذوي الأصول الأردنية) فيها زِمام المؤسسات السياسية والأمنية، يثير أسئلة الهوية والقلق عليها وقراءة النّـخب السياسية لإعادة بناء المعادلة السياسية الداخلية أو مسار تجديدها.
الأردنيون من أصول فلسطينية، يمتلك أغلبهم جنسيات أردنية وأرقاما وطنية ويُعتبرون مواطنين كاملي الحقوق، باستثناء تفوّق واضح للأردنيين في المؤسسات السيادية والسياسية وتفضيل قانون الانتخاب في البرلمان للأردنييين حِـفاظاً على هوية الدولة ومنعاً لأي دعاية إسرائيلية، باعتبار الأردن وطناً بديلاً.
بينما يتمتّـع الأردنيون من أصول فلسطينية بنفوذ كبير داخل القطاع الخاص، الذي ينمو دوره بصورة مطّردة وكبيرة ويتزايد تأثيره بفعل ديناميكيات السياسات الاقتصادية التي تركِّـز على الخصخصة والاستثمار.
في الوقت الذي تتراجع فيه آمال كثير من الأردنيين من أصول فلسطينية بالعودة إلى وطنهم في سياق العملية السلمية، التي بات من الواضح أنّها لن تؤدِّي إلاّ إلى عودة أعداد محدودة، فإنّ مطلَـب هذه الشريحة الواسعة وبعض نخبها السياسية النشطة، يتّـجه نحو الاستقرار أكثر في الأردن والاندماج في الحياة السياسية والدفاع عن مصالحهم ومطالبهم.
على الطرف الآخر، فإنّ الأردنيين يتخوّفون أن يكون أي حلِّ لقضية اللاجئين ضدّ مصالحهم ودورهم في النظام السياسي، وأن تكون محصِّـلة هذه العملية ما أطلِـق عليه سابقاً النائب والسياسي الأردني المخضرم عبد الرؤوف الروابدة مُـصطلح "النظام البديل"، أي إعادة هيكلة النظام السياسي الأردني ومنح الأغلبية والأفضلية فيه للفلسطينيين، ما يعني حلّ مشكلة اليهود بصورة كاملة مع الكُـتلة السكانية الفلسطينية والترويج بأنّ الدولة الفلسطينية قائمة فِـعلاً شرق نهر الأردن.
إذن، ثمّـة وتَـر حسّـاس جدّاً يُـمكن أن تعزف عليه خطّـة أوباما، مع شعور كل من الأردنيين والفلسطينيين باقتراب مُـفاوضات الحلّ النهائي وما تتضمّـنه من طُـرق لملفات تمسّ المعادلة الداخلية المحلية، وترتفع مع ذلك نِـسبة التوتر السياسي، لاسيما أنّ سيناريوهات المستقبل واحتمالاته ومخرجات العملية السلمية وانعكاساتها على المعادلة الداخلية الأردنية، هي أسئلة لا تطرح بوضوح وصراحة في أروقة المؤسسات السياسية الرسمية، ولا بين الدولة والمجتمع.
فهد الخيطان، المعلّق السياسي في صحيفة العرب اليوم، يثبت وجود التضارب بين القراءة الرسمية وقراءة شريحة واسعة تحرّكها في انتظار خطّـة أوباما هواجِـس من أية حلول على حساب الأردن. ويقول الخيطان في تصريح خاص بـ swissinfo.ch: "إنّ اختلاف زوايا النظر بين القراءتين تحركه القضية الحيوية والرئيسية بالنسبة لهوية الدولة ولكل الأردنيين، ألا وهي مُـستقبل اللاّجئين الفلسطينيين".
محمد أبو رمّـان – عمّـان – swissinfo.ch