سويس انفو : لم يحِـن بعدُ وقتُ المصالَـحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام. دلائل كثيرة تؤكّـد أن الطرفين الأساسيين، وهما فتح ووراءها السلطة الوطنية، وحركة حماس ومعها فصائل مُـقيمة في دمشق، لم يصِـلا بعدُ إلى نقطة التوافق المطلوبة.وكل يوم يمر، تبدو الأمور أبعد من أي مصالحة، وذلك رغم الجهود المصرية المسنودة بتأييد عربي عريض، والتي لم تتوقّـف لحظة واحدة طِـوال الشهور التسعة الماضية.
إقناع نعم.. إكراه لاإذن أين العِـلّـة، هل في الجهد المصري أم في الإرادة الفلسطينية الغائبة؟ من الواضح هنا أن الأسلوب المصري في تحقيق المصالحة يقوم على مبدإ الإقناع والتوافق الفلسطيني الحُـرّ، ويستبعد تماما أي شيء يتعلّـق بالإكراه أو بفرض تصوّر معيّـن على الأطراف المعنية، ليس لأن مصر تفتقِـد وسائل الإكراه، ولكن لأنه أسلوب عقيم يأتي بنتائج عكسية، وفشل نتائجه أكبر من أي نجاح مُـمكن، لذا، فإن المسألة من وجهة النظر المصرية، هي مسؤولية فلسطينية بالأساس وأن الدّور المصري يعمَـل على تسهيل التوصّـل إلى المُـصالحة المنشودة، لا أكثر ولا أقل، مع تقديم ضمانات معقولة حتى تتحوّل المصالحة من حِـبر على ورق إلى ترتيبات وأسلوب حياة.
وما يُـقال عن أن الجانب المصري سوف يقدِّم نِـقاطا للتّـفاهم للفصائل الفلسطينية بغية دراستها، ثم الاجتماع مجدّدا في القاهرة بعد إجازة عيد الفطر المبارك، للتوصّـل إلى قرار نهائي، هو مؤشّـر على طريقة التّـفكير المصرية، التي تسعى إلى جعل المصالحة قرارا فلسطينيا خالصا، وليس نوعا من الاستجابة الإعلامية والدِّعائية، التي تأخذ عدّة أيام ثمّ تعود بعدها الأمور إلى أسوإ ممّـا كانت عليه.
فلا الدبلوماسية المصرية وما استثمرته من جُـهد يُـريد مثل هذه النهاية، ولا القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني يتحمّـلان انقِـساما آخر واتِّـهامات ومُـشاكسات أخرى، ويكفي أن كل التّـراجعات في القضية الفلسطينية، أمريكيا وإسرائيليا، هي نتيجة مباشِـرة لهذا الانقسام الفلسطيني.
التفاؤل المُـخادعلقد سرت موجات خفيفة من التفاؤل عشِـية الإعلان عن زيارة خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس إلى القاهرة، والتي تمّـت بالفعل يوم 6 سبتمبر الجاري، خاصة وأن الزيارة تزامَـنت معها زيارة الرئيس محمود عباس للقاهرة اليوم نفسه.
ورغم عِـلم الجميع أن الأمر ليس أكثر من صُـدفة تزامُـن، فقد ظنّ بعض المراقبين أن هناك شيئا جديدا على صعيد المصالحة استدعى تشاوُرا غير مباشِـر بين هذين الرّمزين الفلسطينيين عبر المسؤولين المصريين، وهو ظنٌّ خابَ جُـملة وتفصيلا.
في زيارة المُـصادفة هذه، كان تركيز محمود عباس في لقائه مع الرئيس مبارك، على الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة بشأن وقف جزئي ومؤقّـت للاستيطان الإسرائيلي، الذي تُـصِـر عليه حكومة نتانياهو، مقابل خُـطوات تطبيعية، ولو رمزية، مِـن قبل أطراف عربية، على أن يتساهل عباس ويقبَـل لقاءً ثُـلاثيا يجمع بينه وبين الرئيس الأمريكي أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي في نيويورك، على هامِـش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومما رشّـح عن هذا اللقاء نصيحة مبارك لعباس بأن لا يتّـجه إلى انتخابات فلسطينية تشريعية أو رئاسية قبل المصالحة الفلسطينية، لأن الأمر، إن حدث، سوف يزيد الأمور تعقيدا ويُـنهي أية فرصة للمصالحة الفلسطينية.
وبينما قيل أن عباس وعد ببذل الجُـهد من أجل المصالحة، فقد عرف مقرّبون من اللِّـقاء أن التِـزام عباس هذا، لم يكُـن سوى مجاملة ودبلوماسية، وهو ما أكّـده نشر قول منسوب للعاهل السعودي عبد الله بعد لقائه مع عباس، بعد يوم واحد من زيارته إلى القاهرة، يطلب فيه أن يضحّـي عباس من أجل إتمام المصالحة وإنهاء الانقسام ومواجهة التحدِّيات، موحَّـدين ومتَّـفقين. ومرّة ثانية، لم تزد استجابة عباس عمّـا قاله في القاهرة.
الانتخابات.. رهانات فتح والسلطةيبدو الأمر في موقف السلطة وكأن الرِّهان هو على إمكانية نجاح الجهود الأمريكية في وقف الاستيطان الإسرائيلي وإطلاق عملية مفاوضات جادّة نِـسبيا، وبما يزيد من أسهم السلطة والرئيس شخصيا، ثم فتح ثالثا، على أن تُـترجم هذه الزيادة المتوقّـعة في صورة أصوات أكبر لمرشحي فتح في الانتخابات التشريعية، المُـفترض عقدُها في يناير المقبل، وِفْـقا للاستحقاقات القانونية والدستورية.
ويلاحَـظ هنا أن تركيز مسؤولي فتح هو أن الانتخابات يجِـب أن تُـجرى في موعدها القانوني، سواء كانت هناك مصالحة أم تأجّـلت هذه المصالحة إلى ما بعد الانتخابات، فالحقّ الدّستوري والعملية الديمقراطية هما أقوى من أي شيء عارض تعيشه القضية الفلسطينية، حتى ولو تمثل في سيطرة حماس بالقوّة والسِّـلاح على قطاع غزّة ومنعت إجراء الانتخابات.
ويشير آخرون من فتح أيضا، إلى أنه يمكن الالتفات على سيطرة حماس على القطاع عبْـر تغيير قانون الانتخابات واعتماد نظام التمثيل النِّـسبي الكامل للأراضي الفلسطينية، الذي يُـتيح تمثيل كلّ الأطراف في قائمة واحدة. غير أن تغيير القانون يتطلّـب نِـصابا أكثر من الثُّـلثيْـن في المجلس التشريعي لا يبدو أنه مُـتوافر بعدُ، خاصة في ضوء امتِـناع نُـواب حماس عن تأييد مثل هذا التعديل.
بعض المحلِّـلين المقرّبين من فتح يعتبرون أن الانتخابات في ظل الانقسام وفي ظل معاناة أهل القِـطاع من حُـكم حماس، بسبب الحصار وسياسات الأسلمة القسرية التي تعتمدها الحركة للمجتمع المدني الفلسطيني، المُعتاد تاريخيا على حياة تتَّـسم بالانفتاح والتعدّدية، سوف يوفِّـر لفتح نِـسبة فوزٍ عالِـية، وبما يُـتيح خروجا طبيعيا لحماس من ساحة المؤسسات الفلسطينية وعودةٍ محمودة لفتح لكي تُـدير الدفّـة بما يُـوافق رؤيتها الإستراتيجية، داخليا وخارجيا.
وكان عباس قد ألمح إلى أنه يقبل بوجود مراقبين أوروبيين وعرب لمراقبة الانتخابات حين إجرائها، لعلّ ذلك يجذِب تأييدا عربيا ودوليا لها، سواء شمِـلت الانتخابات غزّة أم استثنتها.
حماس.. موقف لم يتغيّـرهذا الجدل السياسي، وإن عكس إصرار فتح والسلطة على إجراء الانتخابات، أيا كان وضع المصالحة الفلسطينية، يُـمكن أن يُـنظر إليه كنوع من الضّـغط السياسي والدِّعائي على حماس، بغية تَـليِـين موقِـفها من متطلّـبات المصالحة، ولكن هذا التّـليين المرغوب، لا دليل عليه بعدُ.
فخالد مشعل، ومن قلب القاهرة، انتقد موقف فتح، معتبرا أن أي انتخابات قبل المصالحة، هي مسألة خطيرة. ومن قبل، وصف إسماعيل هنية أي انتخابات، باعتبارها جريمة في حق الشعب الفلسطيني، إن لم تقُـم على التراضي الفلسطيني العام. فاستثناء غزّة من أي انتخابات تحت أي مبرّر، هو تكريس للانقسام وحرف للقضية الفلسطينية عن مسارها الطبيعى، حسب مشعل.
وممّـا قاله رئيس المكتب السياسي لحماس، تبدو الأولوية للمصالحة أولا، ثم الانتخابات ثانيا، ولا مكان لدَيه لِـما تقوم به السلطة برئاسة عباس من أجل المفاوضات مع إسرائيل، لاسيما وأن الأخيرة تعمَـل بكلّ جِـد على اختزال القضية الفلسطينية في مجرد وقف الاستيطان جزئيا، مقابل خطوات تطبيعية عربية، ودون أي ربط بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ممّـا يجعل المصالحة بعيدة عن أي تفاؤل، حسب كلمات موسى أبو مرزوق.
أولويات مُـتعاكسةهكذا تبلْـوَرت أولويات مُـتعاكِـسة ومتناقِـضة لأهم طرفيْـن في الساحة الفلسطينية، فضلا عن أن حماس لم تتخلّ بعدُ عن مطلبِـها المُـسبق، أن تكون المصالحة والاتِّـفاق المطلوب، بعد الإفراج عن معتقليها في سجون رام الله، وهو ما تنكره السلطة، لأن هؤلاء المعتقلين هم في السجن لأسباب جِـنائية وليس سياسية، وهو ما تنكره حماس بدورها.
هذه الأولويات والشّـروط المُـتعارضة تؤكِّـد أن المصالحة الفلسطينية لم تتحوّل بعدُ إلى مشروع سياسي فلسطيني عامّ رغم الجهود المصرية الجبّـارة، وأن الرِّهانات الذاتية لكلّ طرف ما زالت هي السائدة. ورغم أن هذه الرِّهانات متعثِّـرة بشكل مُـخيف ولا يوجد أفق سياسي واعد لأي طرف على حِـدَة، والتضحيات التي يدفعها الشعب الفلسطيني في زيادة مستمرّة، فالرّاجح أن لحظة الاستجابة العقلانية لم تحِـن بعد.
د. حسن أبوطالب – القاهرة – swissinfo.ch