نازحون يمنيون من محافظة صعدة الجنوبية في مخيم ي}وي 1500 شخص موزعين على 280 خيمة أقامته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مزرق بمنطقة تبعد 360 كيلومترا شمال غرب العاصمة صنعاء (AFP) سويس إنفو : في الوقت الذي ما فتئت فيه الحكومة اليمنية تؤكِّـد أن المعارِك مع المتمرِّدين الحوثيين في محافظة صعدة، شمال البلاد، تتّـجه نحو الحسْـم العسكري، تُـواجه القوات الحكومية مُـقاومة مثيرة للانتباه، مما قد يُـطيل أمد الحرب ويطرح على البلاد جُـملة من التحدِّيات العسكرية والإنسانية والسياسية، خاصة أن الحكومة أكّـدت مع عودة المواجهات، أن هذه الجولة ستكون حاسِـمة وستضع حدّا للظاهرة للتمرّد العسكري للحوثيين، الذي ظهر في منتصف عام 2004 في هذه المنطقة من شمال البلاد.فعلى الصعيد العسكري، يبقى الوضع غامِـضا بسبب الحِـصار العسكري المفروض على مناطق القِـتال وغياب مصادر مُـحايدة لنقل وقائع سير المواجهات هناك، لاسيما مع الحظر الإعلامي المضروب على مسرح العمليات العسكرية وتزايد المخاطِـر هناك، مما يحُـول دون وصول الصحفيين إلى المناطق التي تدور فيها المعارك.
الأمر الذي يترُك مصادر المعلومات عن سيْـر المعارك محصورة بالبيانات الصادرة على طرفَـي النزاع، وبما يتناقله الشارع اليمني من روايات تدُور في مُـجملها حول أن الحرب سجالا، وبعض تلك الرِّوايات لا تخلو من التضخيم، إن لم تكن أقرب إلى التمنيات منها إلى الحقائق، نظرا إلى البعد الأيدلوجي والسياسي والمذهبي الذي يحيط بهذه القضية، مما أطلق العِـنان إلى الخلْـط بين مجريات الأمور على أرض الواقع والمتمنيات، ويزيد من ذلك تأخّـر أمد الحسم العسكري الذي وعدت به الحكومة عند تجدّد القتال، والذي طالما شدّد عليه العديد من المسؤولين اليمنيين في أكثر من مُـناسبة، طيلة الفترة الأخيرة الماضية، ومما ألقى بمزيد من الغموض حول سيْـر المعارك، أن الحكومة أعلنت بُـعيْـد تجدّد القتال بأيام، أنها قضت على التمرّد في منطقة حرف سفيان، القريبة من العاصمة اليمنية صنعاء، إلا أن استمرار المواجهات حتى اللّـحظة، شكّـك بقُـرب موعد الحسْـم الذي وعد به كبار المسؤولين الحكوميين، بل وأعادت للأذهان مجدّدا المزاعم التي ظلّـت السلطات تردِّدها خلال جولات الحروب الخمس السابقة، من أنها على وشك تصفِـية جيوب المتمرِّدين غير مرة، دون أن يتحقّـق لها ذلك، وهو ما ترك أكثر من علامة استفهام حول قوّة المتمرِّدين على الصمود، رغم الضربات المتتالية المُـوجِـعة الموجّـهة لهم من قِـبل الجيش.
وعزز من تلك الشكوك، البلاغات الصحفية المصوّرة التي ينشرها أتباع الحوثي عبْـر مواقع الإنترنت، والتي تنقل سيطرتهم على عدد من مواقِـع الجيش واستسلام عدد من الجنود والضبّـاط للمتمرِّدين، وآخرها زعْـمهم بأسر 85 من أفراد الجيش في منطقة حرف سفيان، التي كانت البلاغات الرسمية أشارت في أوقات سابقة إلى أنها قد صُفيت من عناصر التمرّد.
ومع أن البيانات العسكرية للجيش اليمني ما فتئت تؤكِّـد على أن القوات الحكومية تُـحقق انتصارات مُـتتالية على المتمرِّدين في الكثير من المواقع، إلا أنها ضمنا تكشِـف أن القوات الحكومية تواجِـه مقاومة شرِسة، مما يزيد من حالة الغموض التي تلُـف مناطق القتال وتُـلقي بالمزيد من الشكوك حول دنو النهاية القريبة للمعارك، التي تُـراهن الحكومة عليها لطي ملف هذه القضية، التي تستنزف طاقات البلاد وتشلّ الحياة العامة.
تحدّيات ومخاوفعلى المستوى الإنساني، تطرح المواجهات الجارية تحدِّيا إنسانيا كبيرا، وأصبح القلق على حياة المدنيين والنّـازحين الهاربين من نيران المعارك، يطرح نفسه بجدية.
وتُـبدي المنظمات والهيئات الأممية المعنية بالشؤون الإنسانية خوفها على حياة الفارِّين من نيران المعارك، وتشكُـو من صُـعوبة الوصول إلى كثير منهم. فبعد مُـضيّ أزيد من شهر على تجدّد القتال، أضحت قضية الوصول إلى النازحين من المشاكل العويصة التي تبرز تداعِـيات آثار الحرب على السكان في منطقة تعاني أصلا من غِـياب الخدمات وضعف البُـنى التحتية، كالطرقات والكهرباء والمياه النقية.
ولتدارُك خطورة الأوضاع هناك، سعت المنظمات الإنسانية إلى الضغط على الأطراف المتحاربة تعليق القتال، إلا أن ذلك التعليق لم يصمُـد طويلا وانتُـهك من قِـبل المتمرِّدين الحوثيين بُـعيد ساعات من إعلانه، نتيجة لما اعتبروه ضعف شبكة الإتصال بين قيادتهم المركزية والقيادات الميدانية، وهو ما اعتُـبر في نظر المراقبين محاولة من قِـبلهم لاستثمار الأوضاع الإنسانية للنازحين من أجل تأليب الضغط الدولي على الحكومة، لحملها على وقْـف القتال، طِـبقا لما يذهب إليه أولئك المراقبون، ومما يزيد من قسوة أوضاع النازجين ومعاناتهم أيضا، أن المملكة العربية السعودية أغلقت حدودها أمامهم.
مع تعقّـد الأمور إلى هذه الدرجة، لجأت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والهيئات الأممية المُـماثلة المعنية بالجوانب الإنسانية، إلى البحث عن سُـبل أخرى للوصول إلى النازحين، منها تسيير قوافل إغاثة للنازحين عبْـر الأراضي السعودية.
مآسي النازحينوحول هذه العملية، قالت السيدة لورا شدراوي، المتحدثة الرسمية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في اليمن لـ swissinfo.ch: "إنه أمام تعذُّر الوصول إلى النازحين، بدأت التحضيرات من أجل تسيير قوافل إغاثة عبْـر الحدود السعودية – اليمنية، وأن موظفي الإغاثة جاهزون وهم فقط في انتظار الضوء الأخضر من قِـبل حكومة البلدين للشروع في نجدة المدنيين بالمواد والمُـستلزمات الضرورية".
وأبدت السيدة شداروي قلقها من الأوضاع التي يعيشها النازحون، الذين يتراوح عددهم ما بين 100 إلى 150 ألف شخص، حسب تقديرات المسؤولة الأممية، موضِّـحة بأن "هذا العدد يشمل النازحين منذ إندلاع أول مواجهات عام 2004، وتزداد الخِـشية من قَـسوة الأوضاع التي يعيشها هؤلاء عند مقارنة هذا العدد، بمن تمّ استيعابهم فعليا في مخيمات اللاجئين، والذين بلغ عددهم حتى الآن 3 آلاف شخص فقط، جرى إيواؤهم في مخيم "حرض" بمنطقة الملاحيظ، فيما يجري الاستعداد لإقامة مخيّـم آخر في محافظة عمران"، حسب المتحدثة باسم المفوضية التي استطردت بقولها: "عمليات المفوضية في محافظتَـيْ حجة وعمران المجاورتان لصعدة، تجري من قِـبل موظفينا، فهم يقومون بتسجيل النازحين وإيوائهم ويوزِّعون المؤن والطعام وسط ظروف سيِّـئة للغاية، والغالبية منهم تعيش وضعا مُـقلقا، بسبب صعوبة الوصول إليهم، فالطرقات من صعدة وإليها مقطوعة والألغام مُـنتشرة على جوانبها، مما يجعل هرب المدنيين من نيران الحرب، مشكلة كبيرة، واللجوء إلى المناطق الآمنة، مغامرة محفوفة بالمخاطر بسبب تلك الموانع والمعوِّقات للتنقل".
ومع أن حماية المدنيين خلال الحروب، كما تقول السيدة شيدراوي، هو من صميم عمَـل المفوضية، وِفقا لمُـقتضيات القانون الدولي الإنساني، إلا أن تعقّـد الأوضاع بسبب استمرار القِـتال، يعيق القيام بالجهود المُـنتظرة من قِـبل عُـمال الإغاثة، مشيرة في هذا الصّـدد إلى أن العدد الضّـخم من النازحين لجأوا إلى المدارس والمساجد والمُـستوصفات الصحية ولدى السكان المحليين في المناطق البعيدة عن المواجهات، لكن مع ذلك، هناك عوائق تحول دون الوصول إليهم.
النازحون.. من جحيم الحرب إلى جحيم الحصارويخشى العديد من المُـراقبين من أن تلجأ أطراف القِـتال إلى استغلال أوضاع النازحين لتحقيق أهداف عسكرية، خاصة أن بعض تجمّـعاتهم كانت قد تعرّضت إلى هجمات من قِـبل المتمرِّدين، سطوا خلالها على المؤون والغذاء المخصص للاجئين، ممّـا أعطى إشارة مُـقلقة على إقحامهم في الحسابات العسكرية للمتحاربين واستمرارا لتهديد حياتهم، حتى بعد فِـرارهم من نيران المعارك، فيما يتعيّـن على طرفي المواجهة الإلتزام بحماية أرواح ومُـمتلكات المدنيين، وِفقا لمُـقتضيات القانون الدولي الإنساني، وحتى الأعراف والتقاليد المحلية، تحظر التعرّض للسكان المدنيين بسوء، ولذلك يخشى من أن يلجأ المتمردون، مع تزايد الضغط العسكري عليهم من قِـبل الجيش، إلى اللَّـعب على استغلال الأوضاع الإنسانية عبْـر محاصرة النازحين واستخدامهم كذريعة لحمل القوات الحكومية على وقف القتال، من أجل ترتيب صفوفهم في ظلّ اشتداد ضراوة المواجهات، وهو ما يدعو إلى ضرورة التّـعجيل بإيجاد منفذ طوارئ عاجل لنقل السكان المدنيين إلى مناطق أكثر أمنا، تسهل وصول الإمدادات والغذاء إليهم، خاصة وأن برد الشتاء القارص على الأبواب والحِـصار يُـطوِّقهم من كل ناحية.
ويزيد من خطورة الأوضاع الإنسانية، أنه لا تلوح أي بادرة لوقْـف القِـتال. فقد أعربت قيادات عليا في البلاد عن رفضها لأي وقْـف للمعارك، ما لم يلتزم المتمرِّدون بالشروط الستة التي طرحتها عليهم الحكومة، والتي تدعوهم إلى إخلاء المواقع التي يُـسيطرون عليها وتسليم أسلحتهم والكشف عن مصير الأجانب الستة المختطفين، وقوبِـلت الشروط الحكومية برفض المتمرِّدين، مما يجعل الباب مفتوحا أمام كل الاحتمالات، خاصة في ظل الأوضاع السياسية الداخلية المتوتِّـرة بين السلطة والمعارضة، والتي ازدادت سُـخونة منذ مطلع الأسبوع الماضي، بعد إعلان لجنة الحوار الوطني، التي تضمّ أحزاب اللِّـقاء المشترك وعدد من الفعاليات المدنية والشخصيات السياسية والاجتماعية، طرح مبادرة للإنقاذ السياسي، تدعو فيها الحكومة إلى الحوار وِفق مضامين تلك المبادرة، التي جاءت في أزيد من 90 صفحة.
وتقول اللجنة عن هذه المبادرة إنها بمثابة "عقد اجتماعي جديد" يؤسس لمرحلة جديدة للدولة اليمنية، داعية السلطات اليمنية والحزب الحاكم، الذي لم يشارك أيّ منهما في صياغته، إلى جعله منطلقا للإصلاح السياسي الشامل وتدعو إلى إيقاف الحرب في صعدة، الأمر الذي زاد من حدّة التوتّـر بين المعارضة والسلطة ودفع بهذه الأخيرة إلى شنّ حملة واسعة ضدّ المعارضة "أحزاب اللقاء المشترك"، التي سبق لها أن أبرمت اتفاق مبادئ مع السلطة في فبراير الماضي، من أجل إصلاح النظام الانتخابي والدستوري في البلاد، ومثلت في لجنة وساطة سابقة لوضع حدّ للتمرّد، إلا أنها جاءت هذه المرة وفي ظروف مشابهة، بمبادرة الإنقاذ التي ترى فيها المعارضة إطارا ومنطلقا للحوار الوطني الشامل حول إصلاح الأوضاع، مما يترك الكثير من علامات الإستفهام حول مصير اتفاق فبراير الماضي أمام طرح مبادرة الإنقاذ الوطني من جهة، ويحُـول دون أن تُـسهم في أي تسوية سياسية للمواجهات العسكرية، مما يزيد الأمور تعقيدا.
البادي للمراقبين والمتابعين لمُـجريات الأمور، أن جميع الظروف الداخلية، العسكرية والسياسية وحتى الإقليمية، لا تساعد على قُـرب وضع حدٍّ للمعارك الدائرة، ومن ثَـم على رفْـع المعاناة عن النّـازحين الفارِّين من جحيم الحرب إلى جحيم الحِـصار، الذي يطوِّقهم من كل جانب والذي حال دُون الوصول إليهم من قِـبل المنظمات المعنية بالشؤون الإنسانية.
صنعاء – عبدالكريم سلام – swissinfo.ch