آراء"خدش حياء أمة في غياب عقل ابن رشد"

العربية نت :آرأء : خدش حياء أمة في غياب عقل ابن رشد

آراء"خدش حياء أمة في غياب عقل ابن رشد" Track_content_views

د. علي الطراح

مرة أخرى أعود للكتابة في الشخصية العربية وان كانت الكتابة الصحفية تختلف عن الكتابة البحثية العلمية الا ان مناقشة ازمة الشخصية العربية التي وصفتها بأنها شخصية غير سوية وهي شخصية انفصامية والمأساة الكبرى بأن في الحالة العربية تحولت مجتمعاتنا الى حالة الانفصام وأصبح الاضطراب جزءاً من التكوين النفسي والاجتماعي الذي يتربى فيه الفرد وما دعاني للعودة هو الحكم الصادر على لبنى الصحفية السودانية التي شوهت تاريخ الأمة بارتدائها للبنطلون وقدمت للمحاكمة بحجة مخالفة الشريعة الاسلامية! ولا أعرف كيف تحول البنطلون الى مخالفة شرعية يحاسب عليه المرء في مجتمعاتنا في الوقت الذي نحن بحاجة فيه الى ادراك طبيعة أوضاعنا المتخلفة وفك حصار الدين وتسييسه واستخدامه لاغراض غير نظيفة ووصل الحال بنا الى تحميل الدين ما لا يحتمل وان ما يحدث هو براء منه. الحكم وصمة عار في تاريخنا ويضيف الى رصيدنا في عالم الانفصام والعيش في عالم الخداع للنفس والدفع بها الى مزيد من الانفصال عن الواقع.

المشهد محزن لما يحدث في عالمنا العربي حيث موجات التزييف الديني نجحت وجعلت من شعوبنا تستهوي العزلة والغش والابتعاد عن الواقع وتتلذذ في ازدواجيتها، وما يجعل المرء يشعر بالحزن هو انتشار الفكر التسطيحي للدين الذي نفذ الى عقول الكثير منا وتحول الى تنفيس وتبرير لكل هفواتنا وسيئاتنا، فبالأمس القريب استمع الى رجل دين يحدث مشاهديه وأنا منهم حول ميزان الحسنات ويتعامل مع الدين وكأنة سلعة ويقول للمشاهدين كلما أكثرتم من حسناتكم كلما خففتم سيئاتكم والحسنة مثل السلعة للتاجر وما عليكم سوى شراء مزيد من الحسنات. هذا الفهم المبسط والمدمر للدين هو سبب من أسباب التردي العام الذي نعيشه ولا مفر من مواجهة هذا الانحراف الكبير في فهم الدين باعتباره منظومة أخلاقية متكاملة وفي غياب الأخلاق لا يمكن لأمة ان تتطور ولا يمكن للفرد ان يعيش في صفاء مع النفس بل في مثل هذه الأوضاع المختلة تنتج لنا مزيداً من الفوضى النفسية والذهنية المتخلفة.

دعوتي لتنقية هذه الأجواء الملوثة ليست بالدعوة الأولى وليست بجديدة، فالتاريخ مليء بالشواهد التي تدعو لتحكيم العقل كسبيل لتقدم الأمم، فالفيلسوف ابن رشد كان علامة بارزة في تاريخنا ونهلت أوروبا من علمه و حققت النهضة التي فارقتنا دون عودة. فهو من دعا الى تحكيم العقل حيث تحريره من الخرافة هو السبيل الى النهوض وخلط السياسي بالديني هو أحد المثالب التي علينا مواجهتها بقوة. وما حدث للبنى في السودان ما هو الا تعبير عن عمق الأزمة في الشخصية العربية وعمق الهشاشة الدينية التي روج لها سواء بقنوات رسمية او غيرها الا ان الحقيقة واحدة بأن ما يحدث هو عار على هذه الأمة فمن العار ان تحاكم لبنى كونها اختارت رداءها بحكم عقلها الذي هو نعمة من نعم الخالق، وفي عمق هذه الفوضى العارمة تصبح لبنى هي الخادشة لحياء امة كونها لبست بنطلوناً، فكيف لهذه الأمة ان تكسب احترام العالم وكيف لنا ان ندافع أمام الزحف المدمر للاسلام سواء من الداخل او الخارج. اللوعة كبيرة ومريرة فالانهيار واضح في الأخلاق ولا سيما تربينا على التملق والنفاق وعدم احترام الذات الانسانية. المأساة تتسع وتزداد قوة حيث مكينة الدين القشري تحظى بنفوذ ونقود وأصبح له أدواتها التي عمقت الهشاشة بيننا وحولت جل انتباهنا الى قضايا تافهة لا علاقة لها بصلب الدين ولكن هي الحقيقة المرة التي نعيشها ونعاني الويلات منها لأننا قبلنا الصمت ولعبت الأنظمة لعبتها ولكن الحقيقة تبقى ساطعة وتبقى لبنى عاراً على هذه الأمة.

* نقلا عن "الوطن" الكويتية

آراء"خدش حياء أمة في غياب عقل ابن رشد"

آراء"خدش حياء أمة في غياب عقل ابن رشد" :: تعاليق

آراء"خدش حياء أمة في غياب عقل ابن رشد"

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة