ابوعيسى مدير
عدد الرسائل : 2692 العمر : 58 تاريخ التسجيل : 22/04/2008
| | أبوالحسن الندوي"علامة هندي يشخص داء المسلمين اليوم | |
من مكتبة التراث .. علامة هندي يشخص داء المسلمين اليوم
|
| | | الغلاف | | |
محيط – السيد حامد في عام 1950 طرح الكاتب الهندي أبو الحسن الندوي تساؤله الهام : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ وحاول الإجابة بكتابه الذي لاقي صدى هائلا حول العالم ، كما كتبت عنه عشرات المقالات ومنها مقالة المفكر الإسلامي الراحل سيد قطب الذي رأى أن الكتاب يعد من خير ما قرأ وأنه لا يعتمد على مجرد الاستثارة الوجدانية او العصبية الدينية بل يتخذ الحقائق الموضوعية أداته . ويعرض الكتاب صورة البشرية قبل الإسلام, وكيف جاء الإسلام وخلص العالم من الوهم والخرافة, ومن العبودية والرق, ومن الفساد والتعفن, ومن فوارق الطبقات, ثم يستعرض المؤلف ما أصاب المسلمين أنفسهم حينما أصابهم الانحطاط حتى يصل إلي سيطرة أوروبا علي قيادة العالم ليشرح كيف خسر العالم بانحطاط المسلمين, وفي النهاية يبين حاجة البشرية للعودة إلي قيادة الإسلام. تحت عنوان : كيف كان حال العالم قبل الإسلام؟ يكتب الندوي : كانت المسيحية واليهودية قد فقدتا روحهما وشكلهما, وثارت في المسيحية مجادلات حول طبيعة المسيح كانت سببا في حرب أهلية, أما مصر فكانت تعاني من الاحتلال الروماني والاختلافات المذهبية, وأوروبا تتسكع في ظلام الجهل المطبق والحروب الدامية, وفارس تعاني من تفاوت واضح بين الطبقات واستعلاء للأكاسرة واعتقادهم بأنهم آلهة. وفي الهند.. فقدت البوذية بساطتها, وتحولت إلي وثنية متطرفة بلغ فيها عدد الآلهة 330 مليون, وتحول الدين إلي شهوة جنسية جامحة, وانقسم المجتمع إلي أربع طبقات حصلت فيها البراهمة علي كل الامتيازات. وتوزعت باقي أمم آسيا الوسطي, كالمغول والترك واليابانيين, بين بوذية فاسدة ووثنية همجية. أما العرب فقد تفردوا بين أمم العالم بأخلاق ومواهب كالفصاحة والأنفة والفروسية والشجاعة والحماسة وقوة الذاكرة وقوة الإرادة, لكنهم ابتلوا بوثنية سخيفة وأدواء خلقية واجتماعية عديدة.
أغرب انقلاب بشري هكذا كان العالم في القرن السابع الميلادي, لكن نجح محمد صلي الله عليه وسلم في إحداث أغرب انقلاب وقع في تاريخ البشر, فقد أنشأ أمة قادت البشرية لقرون لأسباب عدة منها أن المسلمين كانوا أصحاب كتاب منزل وشريعة إلهية, كما أنهم مكثوا زمنا طويلا تحت تربية محمد, ولم يكن هدفهم أن يكونوا في خدمة جنس أو شعب أو وطن يستعلي علي باقي شعوب العالم, ولم يخرجوا لتأسيس إمبراطورية عربية يتكبرون تحت حمايتها, بل كانت عندهم الأمم سواء والناس سواء. لكن وللأسف – وفق الكتاب - بدأ المسلمون في الانحطاط بعدما تولي حكمهم رجال لم يكونوا أكفاء ولم يتلقوا تربية إسلامية صحيحة, وهذا الأمر ينطبق علي كل خلفاء بني أمية وبني العباس باستثناء الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز ، وبسببهم وقعت تحريفات في الحياة الإسلامية, كان أولها فصل الدين عن السياسة وإقصاء رجال الدين, فأصبحت السياسة مطلقة اليد حرة التصرف, ولم يكن هؤلاء الحكام قدوة للناس في الدين والأخلاق, وكانوا في كل ما يقومون به لا يمثلون الإسلام ولا سياسته الشرعية, ولا قانونه الحربي ولا نظامه المدني ولا تعاليمه الأخلاقية إلا في النادر, فكانوا بذلك أسوأ تمثيل للإسلام. أما العلماء فقد ابتلوا بالاهتمام بالجدل الفارغ, فالإسلام سهل وبسيط لكن بعض علمائنا شغلوا أنفسهم بعلوم ما بعد الطبيعة والفلسفة الإلهية التي تلقوها من اليونان الوثنية , وظلوا قرونا طويلة يضيعون ذكاءهم في مباحث فلسفية وكلامية لا تجدي نفعا , في حين أهملوا علوم واختبارات تسخر لهم قوي الطبيعة ويسخرونها لمصلحة الإسلام. صحيح أن علماء الإسلام خلفوا وراءهم كتبا في الطبيعيات والكونيات والتجارب العلمية لكن هذا الإنتاج لا يقارن بما أنتجته أوروبا في القرنين 17 و 18 فقط . نتيجة كل تلك العوامل وغيرها جاء القرن السادس الهجري والعالم الإسلامي يعاني مرض الشيخوخة, وانقضت عليه الحملات الصليبية, لكن الله منّ علي العالم الإسلامي بقادة كبار حفظوا شرف الإسلام, مثل عماد الدين أتابك زنكي ثم ولده العظيم الملك العادل نور الدين محمود زنكي الذي خلفه أعظم ملوك الإسلام الناصر صلاح الدين الأيوبي ، ونجح في قيادة أجناس شتي من المسلمين ليقف في وجه أوروبا. قيادة العالم نجح صلاح الدين في مهمته, لكن من بعده عاد المسلمون إلي سيرتهم الأولي من تفرق وتنافس وانقسام, لكنهم رغم انحرافهم كانوا أقرب إلى طريق الأنبياء وأطوع لله من الأمم الجاهلية المعاصرة لهم، وكان وجودهم ودولتهم أكبر عائق للجاهلية في انتشارها وازدهارها, ولم تزل تضعف قوة المسلمين حتى جاءت الضربة القاضية علي يد المغول وتجاسر الناس على المسلمين وبلادهم. في ذلك الوقت ظهر الترك العثمانيون فتجدد رجاء الإسلام وانبعث الأمل في نفوس المسلمين, وكان فتح القسطنطينية دليلا علي كفائتهم وقوتهم, لكن من سوء حظ المسلمين ان أخذ الترك في التدهور بعد سنوات قليلة بسبب استبداد الملوك وجورهم, وإخلاد الشعب إلي الدعة والراحة, والجمود العلمي الذي أصاب الحياة. وعندها استيقظت أوروبا من مرقدها مجنونة تتدارك زمان الغفلة والجهل, وظهر بها علماء ومبتكرون في شتى المجالات, فكانت جديرة بتحول قيادة العالم إليها.
مادية غربية ثم يتساءل المؤلف بكتابه : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟ ويجيب بأنه خسر حينما تحولت قيادته من الأمم الإسلامية إلي الأمم الأوربية ؛ لأن الحضارة الأوربية هي بنت الحضارة اليونانية والرومانية. واليونان يمتازون بالإيمان بالمحسوس وقلة التقدير لما لا يقع تحت الحس, قلة الدين والخشوع, شدة التمسك بالحياة ومتاعها, النزعة الوطنية. باختصار يمكن تلخيص الحضارة اليونانية في كلمة واحدة هي "المادية". أما الحضارة الرومانية فيرى المؤلف انها تميزت بالاستخفاف بالدين، وحب السيطرة والاستعمار للشعوب الأخرى وتسخيرها لخدمة شعب روما فقط. وحتى حينما تخلت روما عن ديانتها الوثنية واعتنقت النصرانية, لم يستطع الدين الجديد أن يغير من سيرة الروم المنحطة وان يبعث فيهم حياة دينية نقية طاهرة وذلك بسبب ما أصاب المسيحية من تشويه وتحريف وتخليط بالوثنية. واستمر المجتمع يعاني قرونا من قسوة الرهبان وفساد البابوات الذين انحطت أخلاقهم واستحوذ عليهم الجشع وحب المال, حتى كانوا يبيعون المناصب والوظائف, ويؤجرون أرض الجنة بالصكوك, لكن كان من أعظم أخطائهم أنهم دسوا في كتبهم الدينية المقدسة معلومات بشرية عن التاريخ والجغرافية والعلوم الطبيعية, وحينما خالف علماء النهضة هذه المعلومات ثارت الكنيسة وحاربت من يناقض هذه الأفكار, وحدث الصراع المشئوم بين العلم والدين, وقرر الثائرون علي الكنيسة أن العلم والدين ضدان لا يجتمعان دون أن ينتبهوا إلي أن هناك فارق بين الدين ورجاله المحتكرون لزعامته. وقع المحظور إذن وانصرف الغرب إلي المادية بكل معانيها، وأصبحت الحياة في أوروبا في القرنين 19 و 20 نسخة صادقة من الحياة في يونان وروما الوثنيتين، وصارت ديانة أوروبا اليوم المادية لا النصرانية, و"كنائسها" هي المصانع الضخمة ودور السينما والمختبرات الكيماوية ودور الرقص ومراكز توليد الكهرباء ، وأما كهنتها فهم رؤساء البنوك والمهندسون والممثلات وأقطاب التجارة والصناعة والطيارون. ونتيجة عشق القوة صارت النتيجة ظهور طوائف متنافسة مدججة بالسلاح مستعدة لإبادة بعضها إذا تصادمت أهواؤها ومصالحها، وظهر طراز للإنسان يعتقد الفضيلة في الفائدة العملية، والفارق بين الخير والشر عنده هو النجاح المادي لا غير. وإذا كانت الحضارة الغربية لا تجحد الله في شدة وصراحة ، فإنه ليس في نظامها الفكري موضع لله في الحقيقة ولا تعرف له فائدة ولا تشعر بحاجة إليه.
عصبية الجنس لما قام مارتن لوثر بحركته الإصلاحية ضد الكنسية اللاتينية رأى أن يستعين بأبناء جنسه من الألمان ونجح في ذلك, فانفرط عقد أوروبا بعدما كان يجمعها الدين المسيحي, وقويت العصبية القومية والوطنية ، وكان نتيجة انتعاش النعرة القومية أن أصبحت أوروبا ترى نفسها تمتاز عن باقي شعوب العالم في الثقافة والحضارة والعلم والأدب. وأصبحت ترفض كل ما هو أجنبي حتى أن بعض الشعوب الأوروبية صارت تنظر إلى الدين المسيحي وإلى المسيح كطارئ ونزيل. كما صارت أوروبا لا تعترف بوجود الإنسان إلا في أراضيها. تسبب التعصب للقومية في نشوب الحروب؛ فالدول الكبرى تري من واحب قوميتها أن تبسط سيطرتها على أكبر رقعة من الأرض وتكون لها مستعمرات وممتلكات في قارات مختلفة .
وقد يجادل البعض ويقول أن أوروبا قدمت العديد من المخترعات كالسيارة الطائرة والسفن العملاقة والقطار وغيرها الكثير لكن ينبغي ألا ننسى أن هذه الصناعات والمخترعات ليست غايات في نفسها بل هي وسائط ووسائل لغاية أخرى نحكم عليها بالخير والشر، والنفع والضر، بمقياس هذه الغاية. وعلى سبيل المثال فإن الكبريت قد تطبخ به طعاما أو تحرق به بيتا ، والذي يُعلم الإنسان كيف يستعمل القوة وفيما يضعها هو الدين، لكن الأوروبيين قد فقدوا تعادل القوة بين العلم والدين منذ قرون حتى أصبحوا كما قال أحد العلماء الإنجليز " إن العلوم الطبيعية قد منحتنا القوة الجديرة بالآلهة ، ولكننا نستعملها بعقل الأطفال والوحوش" . وإلي جانب الخسائر المادية للعالم بعد انتقال القيادة لأوروبا هناك أيضا الخسائر المعنوية مثل بطلان الحاسة الدينية, والانشغال بالحياة الحاضرة بكل ماديتها, وخفوت العاطفة الدينية، وأن وصار الكل مجرد مستهلك لمنتجات الغرب الكمالية, ولهذه الأسباب ولغيرها ارتفعت قيمة المال في عيون الناس ارتفاعاً لم تبلغه في الزمن السابق. بعث الإسلام
يرى المؤلف أن العالم بعد أن استولت عليه المادية الأوروبية بحاجة لبعث روحي ينهض به الإسلام والمدينون به ، وسيكون ذلك عبر إعلاء شأن القرآن وسيرة نبيه الكريم من جهة ومن جهة أخرى بالاستعداد التام في العلوم والصناعة والتجارة وحتى في فنون الحرب ، بحيث يستطيع العالم الإسلامي الاستغناء عن الغرب في كل مرفق من مرافق الحياة ، مضيفا أنه ما دام العالم الإسلامي خاضعاً للغرب في العلم والسياسة والصناعة والتجارة، يمتص الغرب دمه، وتغزوه بضائعه أسواقه وبيوته وجيوبه كل يوم فتستخرج منها كل شيء، وما دام العالم الإسلامي يستدين من الغرب الأموال، ويستعير منه الرجال ليديروا حكومته، ويشغلوا الوظائف الخطيرة ويدربوا جيوشه, ويستورد منه البضائع ويجلب منه الصنائع، وينظر إليه كأستاذ ومرب لا يبرم أمراً إلا بإذنه ولا يصدر إلا عن رأيه ، فلا يستطيع أبداً أن يواجه الغرب فضلاً عن أن يناهضه ويغالبه. والآن, وبعد مرور كل تلك السنوات على صدور الكتاب. هل خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ وماذا خسر؟ وهل تغير شئ مما جاء في الكتاب؟. | |
|