مسألة التمييز ضد المرأة ومكافحته اصبحت حجر الاساس لخلق مجتمع متوازن يسير في الإتجاه الصحيح نحو التنمية. وتشهد تقارير التنمية الأنسانية العربية على أنه لاسبيل للتنمية في الوطن العربي إلا بتحقيق مسائل ثلاث1 وهي: المعرفة، والحرية، وتمكين المرأة والنهوض بها2، وأن لا تنمية مستدامة لمجتمع تغيّب فيه المرأة أو يرزح تحت وطأة التشريعات التي تكرس مبدأ التمييز ضدها.
وإذا كانت ليبيا قد شهدت تطوراً ملموساً إبان فترة المشاريع والتحولات التنموية في سبعينيات واوائل ثمانينيات القرن الماضي حين هيمنت الدولة على الإقتصاد وتدخلت لسن التشريعات التي تكفل للمرأة العديد من حقوقها، خاصة في مجال الأحوال الشخصية، كما سوت بين المرأة والرجل في مجال العمل وخاصة الأجر، ثم في فترة لاحقة ساوت بينها وبينه في تأسيس العمل الخاص، إلا ان قانون الأحوال الشخصية شهد تراجعا حين صدر تعديل على القانون رقم 10 لسنة 1991 3 الذي جعل المرأة تخسر حضانة أطفالها إذا عجزت عن أثبات الضرر في دعوى التطليق، وهو ما جعلها تتحمل الضيم والعذاب حتى لا تحرم من أبنائها، رغم أن الحضانة يجب أن تكون خارج مساومات وترتيبات الطلاق، وهي حق للمحضون وليست من حقوق الزواج ولم يكن النص السابق للقانون رقم 10 يضع من الحضانة محلاً للسقوط أو التنازل (مادة 39 في القانون الأصلي قبل التعديل).
أضف إلى ذلك إشكالية الجنسية وحرمان المرأة الليبية المتزوجة من غير الليبي من حقها في منح جنسيتها لأبنائها. وفي دراسة نشرت في كتيب خاص بمجلة المؤتمر عام 20064 بينت أن منطلق المطالبة بهذا الحق يجب أن يرتكز على أسس قانونية ومنطقية لا عاطفية، وأنه تأسيساً على ذلك لم يعد هناك من موجب لحرمان الليبية من هذا الحق، وأن المطالبة يجب أن تكون من منظور أنه حق للمرأة الليبية وليس لأبنائها، إلا أن المطالب لازالت تخطئ الطريق وتنطلق من أنها حق للأبناء، وهي مقاربة خاطئة وغير منطقية يتعين التنبه اليها لمن يساهم في حملات المطالبة بها. كما أن المعاناة الفردية لهذه النسوة لاقت صدى إعلامياً وحقوقياً بعيد المدى، حيث نالت تغطية إعلامية في الصحف المحلية، واهتماماً ملحوظاً من جمعية حقوق الإنسان التابعة لمؤسسة القذافي للتنمية، ووردت في تقريرها السنوي الصادر لهذا العام، بالإضافة إلى مجهودات جمعية واعتصموا للأعمال الخيرية بالخصوص. ورغم كل هذا فهي إشكالية تزداد تعقيداً و مازالت تراوح مكانها، دون أن تجد صدى على المستوى التنفيذي، أو أن تفوز المرأة بحل تشريعي لمشكلتها المزمنة هذه.
كما وأن عجلة القوانين توقفت ولم تصدر منذ الثمانينات قوانين5 أو تشريعات تدفع بالمرأة قدماً، وأكتفي بالمكاسب التي تحققت منذ عقدين من الزمن.
أما في مجال العمل وخاصة بعد فتح القطاع الخاص على مصراعيه، فإنه من الملاحظ أزدياد حالات التحرش ضد المرأة، وأزدياد حالات العنف الأسري دون أن يقابلها تأسيس لملاجئ أو اماكن لحماية المرأة، كما وأن الغياب الكامل للعمل الإجتماعي الرسمي6 أو التطوعي في هذا المجال، خلق فراغاً كبيراً اضطرت معه الأطراف للجوء إلى الطريق الجنائي من تحقيق وحبس وأتهام وعقوبة، أو الصمت المطبق وتحمل الإعتداء و الضرر، بدلاً من توفير حل ثالث ألا وهو الحل الإجتماعي لإحتواء الأزمات والعواصف التي قد تثور وتكون فيها المرأة ضحية للعنف، أو تلك التي تحدث بين أفراد الأسرة الواحدة أو العائلة أو الزوجين، وهكذا فاتت فرص الإصلاح الإجتماعي وطغت الحلول الجنائية التي تزيد من الأحقاد والاحتقان، وكانت المرأة في كل الأحوال الضحية حتى وأن صدر حكم لصالحها ذلك أنها تكون قد خسرت سمعتها أو أسرتها.
أين المرأة من كل هذا؟
المرأة في ليبيا في كل المجالات، تعمل بجد، وتطمح للأفضل، وهي تساهم في عجلة التنمية، وتحاول تحسين وضعها الإقتصادي والرفع من منزلتها الإجتماعية.
و لن تحافظ المرأة على مكتسباتها التي تحصلت عليها ولن تستطع المطالبة أو الحصول على حقوقها كاملة غير منقوصة وتحسين وضعها والمضي قدما إلا بما يلي:
- أن تتبؤا مراكز قيادية تنفيذية، وهي مراكز صنع القرار. فلو كانت المرأة في اللجنة الشعبية العامة لما تجرأت اللجنة وأصدرت قراراً أو توجيهاً مفاده منعها من السفر إذا ما كانت دون الأربعين عاماً و الذي سرعان ما سحبته حين وجد دوياً في الشارع7.
وما كان لها أن تساوي معاملة أبناء الليبية المتزوجة بأجنبي بالأجانب وتفرض عليهم الرسوم الدراسية وما هو إلا عبء على المرأة الليبية، ثم وبضغط وتدخل من جمعية حقوق الإنسان والتغطية الإعلامية، عادت وكلفت اللجنة الشعبية العامة للتعليم بتلقي استجداء المرأة الليبية من الإعفاء من دفع الرسوم الدراسية المقررة للأجانب "إذا ثبت من خلال المسح الإجتماعي " فقرها، لكنها لم تلغها8! كما أن اللجنة الشعبية العامة تحرم المرأة المتزوجة بغير الليبي من حقوق ومزايا المواطنة كالحق في تخصيص المسكن أو الحصول على القروض أو البعثات الدراسية وغيرها.
وما كان لها أن تقضي على مستقبل الآف النساء بحجة التضخم الإداري دون توفير البرامج الجدية والبدائل الحقيقية، ولما تركز الإقصاء والتقليص وبكثافة على قطاع التعليم وهو القطاع الذي به النسبة الأكبر من النساء.
ولو كانت المرأة في مكان صنع القرار وشاركت في مفاوضات المعاهدة الليبية الإيطالية وتنفيذها لما سمحت بحالة التمييز الأستفزازية التي قررتها اللجنة الشعبية العامة في إجتماعها العادي الرابع بتاريخ 22. 3. 2009، بقصر المنح الدراسية التي ستمنحها الحكومة الإيطالية تأسيساً على المعاهدة على أحفاد المجاهدين من جهة الأب دون الأم، وهو ما يستتبع أن أحفاد المجاهدين من نسل بنات المجاهدين (حتى وإن كانو ذكوراً) لا حق لهم في هذه المنح9، وهو منطق ذكوري أعمى!
أن كانت المرأة تتبؤا منصباً تنفيذياً لما سمحت بالتحرشات التي أخذت تجتاح سوق العمل بهذه الصورة السيئة، وتقف منها موقف المتفرج، ولألزمت جهات العمل التي تزيد فيها العمالة عن عدد معين أن تلتزم بعقد دورات عن التحرش ووضع صندوق للشكاوى في الجهة المشرفة عن العمل واعداد قسم خاص بالمرأة في مكاتب العمل، وإستخدام الأجهزة الحديثة في أماكن العمل العامة ذات العلاقة بالجمهور حيث يحتاج المواطن إلى مستندات لا غنى عنها، لمراقبة الموظف ومعرفة مدى التزامه بشرف المهنة. فالأرملة والمطلقة التي تجري صباحاً مساءاً للحصول على مستند يخصها أو يخص أطفالها، يجب أن تعامل بإحترام وبشكل لائق كمواطنة لا أن تستغل حاجتها وأحتياجها.
ولو كانت المرأة تتبوأ منصباً تنفيذياً لوضعت حداً للمشكلة المزمنة المتعلقة بنزيلات "دار حماية المرأة"10 اللآتي لم تقترف بعضهن جريمة بل كانت مهددة بالإنحراف فتم إيداعها الدار لحين ان يأتي "الرجل" ولي الأمر لإستلامها فلا يكلف نفسه عناء الحضور وتظل قيد الحبس إلى أن تنفق كالناقة! أو تلك التي قضت مدة عقوبتها عن جريمة اقترفتها وبدل أن تُعد برامج التأهيل والاندماج للعودة إلى أحضان مجتمعها، تحال إلى سجن آخر بحجة حمايتها لتظل حبيسة جدرانه دون أن تتنفس الحرية بعد أن أمضت عقوبتها، وهي قمة التتميز مع الرجل الذي يتنسم عبير الحرية ما أن يقضي عقوبته.
لقد بُح صوت المرأة وهي تصرخ بشكل فردي وآن الأوان لكي تتكاثف جهودها وتطالب بالمشاركة في إدارة دواليب الدولة والمشاركة في التنمية، دون انتقاص ولا شعور بالدونية، ولا بأن العمل الذي تكلف به هو هبة من رئيسها بل حق تستحقه، أنتزعته بجهدها وكفاءتها، وهو ما يقودنا إلى النقطة الثانية،
- وهو السعي لتأسيس جمعيات أهلية تختص بإعداد البحوث والدراسات العلمية حول المرأة و التوعية بمكتسباتها وبيان حقوقها وواجباتها والمطالبة بما لم تتحصل عليه من حقوق، و إعداد برامج محو الأمية والمساعدة في بعث المشاريع الإقتصادية الخاصة وتأسيسها، والحصول على عمل. كذلك السعي لتأسيس جمعيات تؤهل النساء لسوق العمل والإندماج في المجتمع لمن أقصيت عنه لأي سبب كان، و جمعيات تقدم المشورة في كل المجالات خاصة الصحية والقانونية والاقتصادية، وتأسيس جمعيات تحمي المرأة من العنف والإضطهاد والانزلاق، دون الإكتفاء بالجمعيات الأهلية التي تسد رمق الجياع وتهتم بالفقراء وقد لعبت الجمعيات النسوية الخيرية دوراً مهما وما تزال وعلى أكمل وجه دون أن تتوفر لها التراخيص أحياناً، ولها منا ألف تحية.
- تأسيس مجلساً وطنياً للمرأة، تكون له الشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة، يعنى بشؤون المرأة، ويتمتع بالاستقلالية عن جهات التنفيذ والتشريع، يضع السياسة العامة واستراتيجية النهوض بالمرأة، كما يضع الخطط والبرامج والمشاريع، ويقوم بإبداء الرأي في مشاريع القوانين والقرارات ذات العلاقة بالمرأة واقتراحها، ودراسة الإتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالمرأة والمشاركة فيها والنظر في مدى ملائمة التشريعات الليبية معها، والعمل على تنفيذ ما ورد فيها من التزامات، وإجراء الدراسات والأبحاث، وتلقى الشكاوى،والأضطلاع بدور توعوي مهم، وذلك على غرار مجالس المرأة في الدول العربية.
إن المرأة اليوم في حاجة إلى أن تتحمل مزيد من المسؤولية، وأن تتحلى بروح المبادرة، وأن ترفع من وتيرة مطالبها لا على أسس عاطفية بل على أسس علمية وقانونية وإجتماعية، أن عمل اليوم يجب أن يكون من أجل مجتمع أفضل يشارك فيه الجميع دون أستثناء في التنمية، ولأجنة حانت ساعة ولادتها، ولمجتمع لن ينهض بساق واحدة!
فإين المرأة الليبية من كل هذا؟ هل من مجيب؟