العربية نت : الأحد 24 محرم 1431هـ - 10 يناير 2010م

صراع قبائل

مقالات سابقة للكاتب

رشيد حسن

عندما كتب ابن خلدون في مقدمته بأن العرب محكومون بثالوث "القبيلة والغنيمة والعقيدة" ، لم يكن يتوقع أن هذا الثالوث سيبقى هو المسيطر والمتحكم في حركتهم وحراكهم المستقبلي ، ولعدة قرون ، وسيبقى بمثابة الكوابح التي تحد من انطلاقتهم والكفيلة بإعادتهم إلى المربع الأول ونقصد بعنصري القبيلة والغنيمة.

بداية نذكر أيضا بأن المفكر العربي اللبناني منح الصلح قد شخص الواقع العربي تشخيصا دقيقا ، ووضع يده على الوجع ، حينما أطلق عبارته المشهورة "القبائل العربية ومصر".

وبشيء من التفصيل ، فالمتابع لما يجري على الساحة العربية ، أو الصراعات الداخلية ، يجد أننا كعرب لازلنا - مع الأسف - محكومين بنهج داحس والغبراء ، وبحسابات حرب البسوس. فما يجري في السودان الشقيق ، هو حرب بين القبائل..مرة بين القبائل الجنوبية والشمالية ، ومرة بين القبائل الجنوبية الجنوبية ، حيث قتل يوم الخميس الماضي ، أكثر من 140 شخصا ، وأن حرب دافور التي وصل ضجيجها إلى كافة أصقاع العالم ، هي حرب بين القبائل الزراعية ، والأخرى صاحبة المواشي ، وفي الصومال ، فالحرب الدائرة هي حرب بين القبائل ، والتحالفات هي تحالفات بين شيخ هذه القبيلة ، وشيخ القبيلة الأخرى ، ولا زالت الغلبة للقبيلة الأقوى. وفي اليمن السعيد ، نجد أن منطق القبيلة هو الغالب السائد ، إذا عرفنا أن البلد الشقيق محكوم بثلاث قبائل: هي حاشد وبكيل في الشمال ، وقبيلة أخرى في الجنوب ، والحرب مع الحوثيين هي حرب قبلية بمعنى الكلمة ، وإن كان المذهب أصبح طاغيا ، ومن المؤسف أن التطورات المتلاحقة التي غيرت العالم كله ، ونقلته من عصر إلى عصر ، لم تغير من تكوين العرب القبلي ، وأكبر مثال على ذلك هو ما حدث في اليمن الجنوبي ، قبل الوحدة ، فهذا البلد كان محكوما بالشيوعية ، وفي لحظة من الزمن ، اختلف الرفاق ، فغطت الدماء شوارع عدن ، وكان الاختلاف قبليا ، وأطلق عليه المراقبون "حرب القبائل الشيوعية".،،. لا نريد أن نستمر في عرض الأمثلة ، ولكن لا بد من الإشارة إلى لبنان الشقيق ، فهذا البلد رغم تقدمه المادي الكبير ، وكأنه قطعة من أوروبا ، إلا أن الطائفية هي التي تحكمه ، وقادته إلى حرب مدمرة 15" عاما" ولا تزال تسيطر على مفاصل الحياة السياسية ، لتؤكد أن منطق القبيلة هوالمسيطر ، وهو البوصلة التي تؤشر على الحراك الاجتماعي والسياسي في بلاد الأرز. في دول مجلس التعاون الخليجي..الحال لا يحتاج إلى شرح وتفصيل ، وفي العراق وإن كان الصراع طائفيا: سنة وشيعة فطابعه الأعم محكوم بمنطق القبيلة ، الذي يلغي العقل والمنطق والتحضر والتمدن ، ويبقي الانسان عاريا إلا من الجاهلية التي تتلبسه في السر والعلن. في شمال افريقيا ليس الأمر بالأفضل فهناك العرب والبربر"الطوارق" ، وفي موريتانيا: العرب والزنوج ، وفي فلسطين قبائل فتح وحماس. فإذا انتقلنا إلى العنصر الثاني وهو الغنيمة ، نجد أن أسباب الفساد الذي استشرى ويستشري هو بسبب منطق الغنيمة ، الذي يسيطر على المسؤولين في هذه الدول ، وخاصة الذين يعتبرون الوظيفة فرصة للإثراء غير المشروع ، وفرصة للنهب والسلب ، في حين أن العقيدة ، لم تغير كثيرا من طبيعة الناموسين السابقين ، كما يقول د.محمد عابد الجابري ، ولم تخلصهم بعد من أسر القبيلة ، وفساد الغنيمة. باختصار...لا يزال توصيف ابن خلدون توصيفا صحيحا ، ولن يتغير حال الأمة ، إلا بعد أن تتخلى عن منطقي القبيلة والغنيمة ، وترقى إلى مستوى العقد الاجتماعي ، الذي يربط بين الحاكم والمحكوم ، في كل الدول المتقدمة ، وكان لا يزال السبب الرئيس في تجذير الديمقراطية الحقيقية ، وتداول السلطة. *نقلاً عن "الدستور" الأردنية