أصبحت فِـكرة تحويل القُـمصان أو "التيشيرتات"، التي نرْتديها إلى
دروع واقية قريبة المنال، وغداً، الحُـلم يُـراود العلماء في أن تتحوّل
السّـترات الواقية، التي يرتديها الجُـنود ورجال الشرطة إلى ملابِـس
مُـريحة وملائمة لأبدانهم.اكتشف الباحثون من سويسرا والولايات المتحدة
والصين أن بالإمكان تحوِيل القُـطن، الذي تُـصنع منه المنسوجات القُـطنية،
إلى مادة في غاية الصّـلادة ولكنها أيضا في غاية اللّـيونة.
ومن
المعلوم، أن القُـطن الذي هو مُـنتج طبيعي يتألّـف في الأساس من مادة
"السليلوز" النباتية، التي يدخل عُـنصر الكربون في مكوِّناتها الأساسية،
شأنها شأن أغلب الموادّ العضوية.
وقد قام العُـلماء في ولاية
كارولينا الجنوبية بمعالجة عُـنصر الكربون في القُـمصان القُـطنية بعنصر
"البورون"، الذي يمتاز بصلادته وخفّـة وزنه، بسبب كثافته المُـنخفضة، وهو
بالمناسبة ثالث أكثر العناصِـر صلادة على وجْـه الأرض، وكانت النتيجة أن
حصل هؤلاء العلماء على قميصٍ خفيف الوزْن مُـدعم بمركّـب اسمه "كربيد
البورون"، الناتج عن اتِّحاد ذرّات الكربون مع ذرّات البورون، والذي
يُـستخدم كعنصر أساسي في تحصينات الدبّـابات أو المَركَـبات العسكرية. وفي
المقابل، قام الباحثون في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، بقيادة
الأستاذ نيلسون براد، بالتأكد من صلادة المادّة الجديدة.
وفي
ذلك، يقول الأستاذ نيلسون، الذي يدير قسم الروبوتات والأنظِـمة الذكية في
معهد زيورخ: "ما نقوم به هنا، هو معالجة الأشياء الدّقيقة ومعايَـنتها
ومحاولة التعرّف على خصائِـصها الميكانيكية".
وأوضح لـ
swissinfo.ch قائلا: "في المرحلة الحالية، عَمِـلنا على بيَـان التِّـقنية
التي بواسطتها يتمّ تدعيم الـ "تي شيرت" بمادة كربيد البورون، التي
تتمتّـع بخصائص على درجة عالية من المتانة".
"انفراج حقيقي" وفي جامعة ولاية كارولينا الجنوبية، وصف لي شياو
دونغ، المهندس الميكانيكي – من جانبه – الاكتشاف بأنه "انفِـراج حقيقي"
واعتبر بأن الأبحاث تُـمثِّـل تغييرا في مفاهيم الصِّـناعات الخفيفة وفي
استهلاك الوَقود وفي صناعة المواد، ذات المتانة العالية والمواد ذات
المتانة الفائقة أو العالية جدّا"، ولفت إلى أنها فُـرصة لم يسبَـق لها
مثيل.
وجدير بالذكر، أن العلماء بدَؤوا أبحاثهم على قُـمصان "تي
شيرت" ناصِـعة البياض، حيث قُطّـعت قِـطَـعا رقيقة وتمّ غمسُـها في محلول
البورون، ثم رفعت من السائل في وقت لاحق وتمَّ وضعُـها داخل أفران.
ونتيجةً للحرارة، تحوّلت ألياف القُـطن إلى ألياف كربونية، تفاعلت مع
محلول البورون وأنتجت كربيد البورون.
وكانت النتيجة، الحُـصول
على قماش خفيف الوزن وأقسى من القميص الأصلي، ولكنه لا يزال مُـحافظا على
درجة من اللُّـيونة تفُـوق ما عليه صفائِـح كربيد البورون المُـستخدمة في
دعْـم السترات والدّروع الواقية.
"السيارات والطائرات" ومن جهة أخرى، أوضَـح قائلا: "من المفروض أن
نتمكّـن بواسطة هذه التقنية الجديدة، من صناعة دروع واقِـية على درجة
عالية من اللُّـيونة والمُـرونة، وأن نتمكّـن أيضا من تصنيع مواد
ومُـعدّات خفيفة الوزن وتقليل استِـهلاك السيارات والطائرات للوَقود".
ومن
المناسِـب، التذكير بأن ما سبَـق ذكره من طموحات، لا تزال في خانة الأمل،
وهي كما يقول المَـثل الإنجليزي "فطيرة في السماء"، أي دونها مفازات. وقد
أقرّ نيلسون من زيورخ بأنه يتعيّـن العمل الدَّءوب، من أجل قطْـع مِـشوار
طويل وعسير.
وأشار إلى أن: "هنالك الكثير من المراحِـل التقنية
التي ينبغي القِـيام بها من أجْـل تطوير التجارب وتحديد طُـرق وإمكانيات
استِـخدام المادة المنتجة"، وتابع: "لا يُـمكننا أن نلقى بالكلام على
عواهنه ونقول بكل سذاجة إن كل ما يلزَم هو أخْـذُ القطن ومعاملته مع أسلاك
على شكْـل شُـعيْـرات متناهية الدقّـة من كربيد البورون، وأنه يُـمكن
استخدام المادّة الجديدة في الطائرات، وانتهى!".
وأردف قائلا:
"من بين أعظَـم الاختراقات التي تحقّـقت خلال العقديْـن الماضييْـن، كان
استخدام الموادّ المركّـبة في صناعة الطائرات، إذ بدلا من الاعتماد
الكلِّـي على الألمنيوم، صار بالإمكان التعويل على موادّ أخرى أكثر صلادة
وأخفّ وزنا".
ويعتقد نيلسون بأن ما تمّ القيام به من جُـهود
وأبحاث، وما تمّ إحْـرازه من نتائج، هو "مساهمة عِـلمية فِـعلية"، فتحت
الأعيُـن على طريقة جديدة لمُـعالجة المواد، ولكنه من المبكّـر أن نعتبر
الاكتِـشاف الجديد ثوْرة عِـلمية".
وأكمل نيلسون مُـبيِّـنا أنه:
"لكي نعتبِـر اكتشافا ما ثورة عِـلمية، يلزِمنا إظهار جوانِـبه التقنية
أيضا، كما يجب أن نوضِّـح كيفية التّـعامل مع الاكتشاف الجديد وأن نُـحوّل
هذا الاكتشاف إلى مُنتَـج يَـستخدِمه الناس في حياتهم اليومية، وبعد ذلك،
يُـمكننا التحدّث عن ثورة علمية".
روبرت بروكس - swissinfo.ch