مُـحـركـات بنزين مبتكرة وصديقة للبيئة.."تنفث من السّموم أقل ممّـا تستنشق"! لم يكن الدّافع وراء اهتمام المهندس لينو غوتزيلا بالمحركات، هو شغفه بالسيارات، ولكنه الطُّـموح التكنولوجي والرَّغبة في معالجة التلوُّث البيئي. ومنذ بداية حياته المهنية، لم يتوقف عن التفكير في سيارة المستقبل.ولينو غوتزيلا هو أستاذ محاضِـر في أنظمة التحكم الإلكتروني بالتكييف في قسم الهندسة الميكانيكية في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، ويشرف على فريق من الباحثين الذين عملوا مؤخَّـرا على تطوير محرك هجين يعمَـل بالهواء المضغوط، يمتاز بأنه أصغر حجْـما وأخف وزنا وأكثر كفاءةً وأقل استهلاكا من المحرِّكات الهجينة المعروفة، ممّـا قد يُـعتبر حلا شافيا لمشاكل التنقّـل في آسيا، القارة التي تشهد في الآونة الأخيرة إقبالا مهولا على استخدام السيارات بحكم تصاعد معدلات النمو الإقتصادي والرفاه المالي.
swissinfo.ch: قُـمتم، ضِـمن المشاريع الأخيرة لفريقكم، بتطوير محرّك هجين يعمَـل بالهواء المضغوط، وقد تمّ تكريم هذا الإنجاز من قِـبل المكتب الفدرالي للطاقة ومنحكم جائزة "الواط الذهبي لعام 2010"، فبِـما يمتاز هذا الجديد عن غيره من المحركات، الهجينة المعروفة والموجودة في الأسواق؟ لينو غوتزيلا: المحركات الهجينة الكلاسيكية الموجودة حاليا في الأسواق، هي محركات احتراق مُـزوَّدة بمحرّك كهربائي وبطارية ومولِّـد كهربائي، وتعمل وِفق نظام رائع وذكي، يُـتيح إمكانية توفير 30٪ من الاستهلاك، وهي نسبة ممتازة. ولكن عيْـب هذا النظام أنه مُـكلف للغاية.
وبالمقارنة، فإن سِـعر هذا المحرك الهجين، هو ضعف أو ثلاثة أضعاف سِـعر محركات البنزين التقليدية، ونحن في سويسرا أوضاعنا المالية جيدة وما نزال قادرين على شراء هذه المحركات الهجينة، ما لم تنقلِـب بنا الأحوال كُـليّـة.
والمشكلة في الصين والهند، حيث هناك 3 مليار نسمة، كلّـهم يتلهّـف على اقتناء سيارة، ولو أن كل واحد منهم تنقّـل بسيارة من السيارات المتوفِّـرة لديهم حاليا، فستحصل عندئذ كارثة بيئية، وحيث أنهم لا يملكون ذات الإمكانيات المادية التي لدينا والتي تمكِّـنهم من شراء السيارات الحديثة من النوع الصغير والهجين، فقد كان لِـزاما البحث عن بديل فعّـال ورخيص، ومن هنا انطلقت فِـكرة الموتور الهجين الذي يعمل بالهواء المضغوط.
ما هو المبدأ الرئيسي الذي يستنِـد إليه المحرّك الهجين الذي يعمل بالهواء المضغوط؟ لينو غوتزيلا: أساس الفكرة، أننا نستخدم محرك الإحتراق الداخلي، كمحرّك احتراق من ناحية، وكمحرك كهربائي للسيارة الهجينة من ناحية أخرى، أي أننا نستخدمه مرّتيْـن، ثم نُـزوِّده بنظام توربو يُـضخّ فيه الهواء - طبعا لحظة استخدام الفرامل - فيصبح يُـستخدم أيضا كمولِّـد كهربائي يُـعوِّضنا عن استخدام محرّك كهربائي خاص لكبْـح السيارة، وقد أصبح محرّك الاحتراق يُـستخدم حينها كمضخة هواء.
وبدلا من استخدام البطاريات ذات التكلفة الباهظة، نستخدم خزّان هواء، مهمته حفظ الهواء تحت ضغط عال – 20 بار كحدّ أقصى – للإستفادة منه لاحقا في إعادة تسريع السيارة. وبهذه العملية، نستطيع تحقيق كفاءة تصل تقريبا إلى كفاءة محرّك كهربائي هجين، أي ما يعادل 80٪ وبتكلفة تعادل 20٪ فقط.
سمعنا كثيرا مقُـولة أن السيارة موقـد متحرّك، كدلالة على ضعف كفاءة موتورات السيارات الحالية، من حيث أنها تولِّـد حرارة أكثر من الحركة، فإلى أي مدى تمكّـنتم من خلال الموتور الهجين، الذي يعمل بالهواء المضغوط، من تحسين مستوى هذه الكفاءة؟ لينو غوتزيلا: هذا هو جوهَـر المسألة، إذ أن موتور الديزل الحالي تبلغ كفاءته المُـثلى 40٪، بمعنى أننا نزوده بـ 100 وحدة طاقة وهو يصدِّر في أحسن الأحوال 40 على شكل طاقة ميكانيكية، أي حركية، و 60 على شكل طاقة حرارية، أي طاقة مفقودة.
وفي المتوسط، تكون كفاءة محرك الديزل 20٪ والبنزين حوالي 18٪، مما يعني أن الطاقة المفقودة كبيرة جدا، ونحن من حيث المبدأ، نريد تحقيق كفاءة في حدود 24 - 25٪ وربما 26٪، وجهودنا مُنصَبّـة على علاج الضعف في محرك الإحتراق الداخلي الذي يبلغ في الأقصى حدّا معقولا، ولكنه في المتوسط غير مناسِـب على الإطلاق.
من الواضح إذن، أن نظامنا يتمتّـع بكفاءة عالية بالمقارنة مع المحرّك المألوف، وهنالك مشكلة تبقى قائمة، وهي أن الديناميكا الحرارية تأبى علينا تحقيق أكثر من 40٪ بمحركات الديزل و37٪ بمحركات البنزين، وهو أمر طبيعي ليس لنا معه حول ولا قوة.
كان حديثكم في الجانب المتعلّـق بتوفير الطاقة، والمعروف عنكم توجّـهكم نحو الحدّ من انبعاث الملوثات البيئية. فهل استطاع المحرك الهجين الذي يعمل بالهواء المضغوط تحقيق أي إنجاز في هذا الإطار؟ لينو غوتزيلا: كانت مشكلة انبعاث الملوِّثات السامّـة هي معضلة سنوات الثمانينات والتسعينات، أما اليوم فقد أصبح بالإمكان تصنيع محرّكات بنزين تنفث من السّموم أقل ممّـا تستنشق، أي تنظف أكثر مما أنها توسّخ، فهي كلما اشتغلت، كلما أصبح الهواء أكثر نقاوة، هذه حقيقة ولست مازحا!
وبهذا الخصوص، يمكنني القول بأن نظام المحركات الحديثة المزوّدة بمحول حفاظ جيد التحكم - عملنا عليه لسنوات وحلّ لنا اليوم المشكلة – حقق مستوى من النجاح لا يكاد يُـصدّق. ونحن نستخدم في المحرك الذي قُـمنا بتطويره، نفس هذه التقنية، أي أنه محرّك "سوبر" نظيف، وهو ما يتفوّق به على محرّكات الديزل التي، وإن كانت لها كفاءة أعلى من محركات البنزين، إلا أنها ليست نظيفة، وهذا يزيد في أعبائها وكلفتها. فنهجنا هو التأكيد على نظام المحرّكات النظيفة، خاصة حينما يتعلّـق الأمر ببلدان مثل الصين والهند، اللذين لديهما مشكلة تلوّث كبرى.
هل أثار ابتكاركم اهتمام الأطراف الأخرى، ونعني بهم على وجه الخصوص، المصنّـعون أصحاب الإنتاج الشامل؟ لينو غوتزيلا: اسمحوا لي، فلن أذكر أسماء، ولكني أستطيع القول بأننا قُـمنا بعرض المشروع في أكثر من مناسبة ولقاء، وبدا لنا وجود اهتمام قد لا يكون كثيرا، ولكنه كبير، وهو موجود بالفعل، ونحن ندرك بأن أهمية الموضوع تبرز في الأساس من خلال إنتاج هذا المحرّك بكميات كبيرة، وهذا - وأقول بصراحة – طريق لا يزال طويلا ويحتاج إلى جهود تحسين كبيرة.
نحن كجامعة قمنا بالدور المنُـوط بنا وأثبتنا صلاحية الفكرة وأنها قابلة للتطبيق، والخطوة التالية هي في انتظار المصنّـعين. وعلى المصنعين، بالرغم مما لديهم من مشاكل اقتصادية كبرى، أن يقوموا بتبنّـي هذه الفكرة وتقييم مدى صلاحيتها.
يلاحظ في الأسواق وجود سيارات تُرشد، ولو نسبيا، استهلاك الطاقة، ولكنها لا تلاقي نجاحا. وأيضا أنتم كمهندسين، لديكم القدرة على تطوير أنظمة رائعة في مِـضمار الطاقة البديلة، لكن لابد لعقلية الناس أن تتغير لكي تتحسّـن الأمور. برأيكم، ما الذي يجب أن يحصل حتى يعِـي الناس ذلك؟ لينو غوتزيلا: معك حق، لو أننا كمهندسين صمّـمنا أفضل السيارات، حتى لو لم تستهلِـك شيئا، لن يكون لها جدوى ما لم يُقبِل الناس على شرائها. وعلى أية حال، سنرى ما سيجلبه لنا المستقبل، وآمل - إذا جاز لي استخدام هذه الكلمة - أن يرتفع سِـعر المحروقات، لأننا مهْـما طوّرنا وأحسنّـا، ما دام سِـعر البنزين والديزل رخيصا، فسيستمر الناس في شراء السيارات الفارهة وذات الدّفع الرّباعي.
لكنني شخصيا أعتقد بأن سِـعر المحروقات سيرتفع، إما آجلا لأن البترول سيبدأ بالتضاؤل والنفاد، أو عاجلا إن نحن حكمنا عقولنا وفرضنا عليها الضرائب، هذا هو الحل الوحيد برأيي. فقرارات الناس مرتبطة - وللأسف - بجيوبهم، وربما بعواطفهم وجيوبهم، ومن النادر جدا أن يحكمها المنطق.
باولا بلترامي - زيورخ – swissinfo.ch