جريدة الرأي
http://www.alrai.com/pages.php?news_id=364183 جون مالكوفيتش : أداء هاديء جذاب يفيض بالاحاسيس في لحظات القسوة
ناجح حسن - يستطيع الممثل الأمريكي جون مالكو فيتش الذي لفت اليه انظار الحضور الكثيف الذي تابع دوره بفيلم (سكريتيرييت) الذي اختير لحفل افتتاح مهرجان ابو ظبي السينمائي ان يفخر بما يمتلكه من موهبة واقتدار في تقمس أدواره على الشاشة البيضاء , وان يتباهى إلى جانب ذلك بالعمل في الغالبية العظمى لأفلامه مع بعض أفضل كبار المخرجين , فهناك أكثر من فليم قبل هذا الممثل المجتهد دورا صغيرا فيه رغبته الاكيده في العمل مع مخرجه , لاقتناعه بقيمة هذا الدور الصغير .
« جون مالكو فيتش الذي اضطلع برئاسة تحكيم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي منذ اعوام ها هو وقع عليه الخيار ايضا ليكون رئيسا للجنة تحكيم مهرجان مراكش السينمائي لهذا العام وفي كل هذا يثبت عقب كل فيلم من افلامه ان اهميه الدور لاتكون بما يمتلكه الممثل من وسامة أو ادعاء او فرادة ما مزعومه بمساحه الدور , فهو احد الممثلين الامريكيين القلائل الذين لا يقيسون اهمية الدور بطولة, انما بالامكانيات التي يوفرها وبالمخرج الذي يقف وراء الكاميرا .
كانت بداية « جون مالكوفيتش» في التعاطي مع التمثيل السينمائي في العام 1981 عبر فيلمه المعنون « حلم امريكي» لمخرجه ميل دامسكي وهو من نوعية الافلام الصغيرة التي انجزتها احدى المحطات التلفزيونية يتعلق موضوعه في تعاون مجموعة من الجيران في رحلة جماعية .
استطاع مالكو فيتش في دوره الصغير هنا ان يتفوق على بقية طاقم الفيلم في العام 1984 واحدا من اهم ادواره على الاطلاق في فيلم « اماكن في القلب « من توقيع المخرج الامريكي روبرت بنتون والى جواره في البطولة سالي فيلد , او هاريس , واني غلوفر .
تسري احداث الفيلم في حقبة الثلاثينات في الريف الامريكي ابان الازمة الاقتصادية التي عصفت هناك , من خلال قصة امرأة فقدت زوجها مبكرا في الفيلم نتيجة حادث قتل من قبل احد الزنوج , وهي تقف في مواجهة اطماع احد البنوك الذي ينوي الحجز على املاك عائلتها الصغيرة , لا تجد من يقف الى جوارها سوى رجل ضرير (مالكو فيتش ) يؤدي دوره بصمت مبدع كما هو متوقع منه . وبفضل النجاح الذي حققه مالكو فيتش في دوره هنا اختاره المخرج الانجليزي رونالدو جوفيه من بين الكثير في دور مميز في فيلمه « حقول القتل « 1985 وهو فيلم جريء وغاضب , يقدم فيه جانبا من مأساة كمبوديا في منتصف السبعينات المتزامنة مع حرب فيتنام وفضائع الخمير الحمر حين استيلائهم على السلطة وموضوع انساني نادر بين صحفيين احدهما امريكي والاخر كمبودي , وظلا يناضلان لفضح السلوك الامريكي , وحين جاءت السلطة الجديدة , نكلت بالاخير بقسوة , بينما ظل الامريكي يبحث عنه .
وعلى نمط الدور نفسه يؤدي مالكو فيتش دور صحفي يعود الى موطنه اليونان للانتقام في فيلم «ايليني» 1986 من اخراج الامريكي بيتر ييتس عن دراما مأخوذة عن حادثة حقيقية خلال الحرب الاهلية اليونانية .
وانتقامه يكون هنا من قائد مجموعة قام باعدام والدة الصحفي التي نجحت في تهريب اولادها الى الولايات المتحدة بدلا من قيام القائد بتجنيدهم في مجموعته القتالية امام الجيش النظامي .
قد سبق للتلفزيون الاردني ان عرض هذا الفيلم قبل اعوام في نقطة تحول هامة مسيرة هذا الممثل الفذ , يجيء اختيار المخرج الألماني فولكز شلندروف له في الوقوف الى جوار الممثل داستن هوفمان في فليم»موت بائع جوال» 1986 المأخوذ عن مسرحية بذات العنوان اضحت احدى الكلاسيكيات الادبيه الامريكيه الشهيرة , والواقع ان هذا الفليم بتصوير سينمائي ميللر التي سجلت نجاحا كبيرا. حيث تجري احداث الفليم في شارع فقير من شوارع نييويورك ومنزل بسيط دفعت اخر اقساطه مؤخرا. وغرفة نوم وغرفة اطفال ومطبخ وساحة داخليه للمنزل , كلها بدت في الفليم وضوح كاطار مسرحي , اذ رفض شلندروف منذ البدايه ان يوحي بالمشاهد عبر الصورة الخارجية للفيلم تقديم فيلم يختلف عن المسرحيه الاصليه بل لقد ركز اهتمامه على ايجاد صلة ما بين عدسة التصوير والممثلين الذين يبرز بينهم مالكو فيتش في دور لافت يستند عليه الدور الرئيسي لبطل الفيلم .
في فيلم « امبراطورية الشمس « 1987 يلتقي مالكو فيتش مع المخرج الذائع الصيط ستيفن سبيلبرغ في واحد من اعذب افلامه واكثرها حرارة وجدية , وفيه يصور حياة البريطانيين في مدينة شنغهاي الصينية لحظة دخول الجيش الياباني المدينة ثم افتراق طفل عن عائلته ويحتضنه احد المشردين الامريكيين (مالكو فيتش ) مع انتهاء الحرب ورحيل اليابانيين ينتقل الطفل مع غيره من الاسرى للاقامة في مدرسة مخصصة لاقامة مشردين الى ان يحضر والداه ويتعرفا عليه .
في فيلم « علاقات خطرة « 1980 لمخرجه الانجليزي ستيف فريرز يلعب جون مالكو فيتش دورا تاريخيا مليئا بالجمال والدسائس والاحباطات في حقبة زمنية ذات فتنة خاصة وتقاليد وعادات مميزة , وفضائح لطبقة خاصة تنعم بعلاقات عاطفية غير سوية تخلو من المشاعر الانسانية لكنها في النهاية تتلمس عواقب شهواتها.
وكان فيلمه التالي علامة فنية هامة , بالرغم ان العمل لم يحقق نجاحا جماهيريا هذا الفيلم حمل عنوان « عن الفئران والرجال « 1992 لمخرجه الشاب غاري سينايز .
المأخوذ عن رواية شتاينبك , وتسري احداث الفيلم ابان الازمة الاقتصادية في الولايات المتحدة في حقبة الثلاثينيات حيث مالكو فيتش متخلف عقليا يحنو عليه احدهم و لا يتركه لمصيره رغم المتاعب التي يجرها عليه في زمن صعب من المجاعة وندرة العمل . وكانت القيمة الاولى في الفيلم قد صنعها اداء جون مالكو فيتش لدور الابله الطيب ببراعة الكبار نطقا وحركة جسد , تركيزا واقناعا .
قبل ذلك بعام كان مالكو فيتش قد ادى دور الزوج في فيلم «السماء الواقيه» 1991 للايطالي القدير بيرناردو بيرتولشي, الذي يصل من نيويورك الى المغرب مع زوجته وصديقه وفي رحلة لى الصحراء تنتهي بموت الزوج وتهيم الزوجة على وجهها في الصحراء الى ان تلتقطها قافلة من قوافل الطوارق الذين يسيرون بجمالهم نهارا ويحطون رحالهم ليلا لتغدو واحدة منهم , وكان الفيلم مقتبسا عن رواية الامريكي باول باولز المقيم في طنجة بالمغرب .
تحت ادارة المخرج الانجليزي جون ليندساي هوغ يلعب مالكو فيتش في فيلم « مثال الجمال « 1992 دور رجل يعمل في التجارة ويهوى الاقامة في الفنادق الفخمة مع صديقته , يمر في لندن حيث ينتظر تفريغ حمولة من الكاكاو , لكن ثمة مشكلة تعيق وصول الشحنة مما يؤدي الى افلاسه وعجزه عن تسديد فاتورة فندقه فيحاول اقناع صديقته ببيع تمثال اثري لكن الخادمة تسرق التمثال .
الفيلم لا يخلو من ذكاء في تمرير مضمونة الروحي والجمالي عبر ما يتراءى لنا من تشويق وطرافة .
في فيلم « في خط النار « 1993 لفو لفغانغ بيزسون يتجاذب مالكو فيتش الق ادائه مع كلينت ايستوود وفيه يسطع ممثلا , قادرا على التنوع في ادواره بلون شخصيته في دور القاتل المهووس , يلعب شخصية مركبة من الصعوبة والجمال . وهو يسير في نفس الاداء في دوره في فيلمه الاخير « طيران اصحاب السوابق « 1997 لسايمون ويست في دور زعيم عصابة يخوض في الجو صراعا مع الشرطة مليئة بمشاهد القسوة والتشويق واللهاث في محاولة من الفرار على متن طائرة مخطوفة.
ثانية يعود مالكو فيتش ليقف امام كاميرا المخرج الانجليزي ستيفن فريرز في فيلم « ماري رايلي « 1996 المقتبس عن شخصية الدكتور جايكل والمستر هايد الفصامية وفانتازيا الرعب التي تواجهه الخادمة في عصر البرجوازية الفكتورية في العام نفسه تجيء النسخة المكتملة لفيلم « وراء السحب « لفنان السينما الايطالي الكبير مايكل انجلو انطونيوني الذي يتحدث بضمير المتكلم , ويصف مشاعره كفنان من خلال المعادل السينمائي له في فيلم « آي « أي شخصية البطل الذي يظهر في القصص الاربع ويخوض التجربة تلو الاخرى , يلقي بنفسه في اتون الروح البشرية ويطرح الكثير من التساؤلات .
يحوز ( جون مالكو فيتش ) في كل ادواره الاعجاب بما يعكسه في افلامه من مودة وعنف , طيبة وشر طفولي , مستخدما تعبيرات الوجه المحددة والتوقف والصمت والاشارة والايماءات والهمس الرقيق (الحب ) , في صورة وحيدة من نوعها بين سائر الممثلين .