الجزائر نيوز - العالم العربي من عصر جمال عبد الناصر إلى عصر صدام حسين
http://www.djazairnews.info/2010-08-27-22-15-33/23325.html الأربعاء, 08 ديسمبر 2010 18:26
عادة سيئة تعلّمها العرب في مشهد يتكرر كل سنة، تنديد في كل مناسبة، أصوات تعلو في كل مجزرة، اجتماع دولي طارئ بعد كل اعتداء، وماذا بعد؟
منظر عالمي رتيب لا تنقاد إليه وتصدقه العقول النيرة، بل التي تصدقه هي العقول البسيطة، ألم يتعلم العرب عبر السنين أن هذه لعبة دولية وخطط مدروسة تحت مظلة السياسة العالمية، ألا نفقه أن العالم لا يسير جزافا، ألم نتعلم من التاريخ الحديث أن التنديد لا ينفع ولا الاعتراض، فمن أمّن العقوبة أسماء الأدب ومن أعطى الضوء الأخضر لا يقف أبدا، لماذا نعجب من عدم تفعيل قرارات الأمم المتحدة للعقوبات على إسرائيل والسياسات رسمت منذ عهد بعيد، ألم نقرأ في ثنايا أروقة الأمم المتحدة وقراراتها أنها لا تطبق إلا على الضعيف، ألم نفهم أن العروبة اسم أصبح في طي النسيان، أطفالنا ونساؤنا ورجالنا يذبحون ولا من معين، أقوالنا شتى وعناويننا مختلفة ولكنها كلها تندرج تحت هوية واحدة وهي الاستسلام، كيف ننتظر من العالم أن يقف معنا ومع قضيتنا المشهورة التي انشغلنا بها عبر السنين واستنزفت ما لدينا من تقدير واحترام لشعوبنا العربية ونحن ننتظر، بلا حول ولا قوة، إلا كلمات وحروف بجدية لم يعد لها وجود ولا للغة الضاد من قوة· وإذا كان الأشقاء رافضين الاتحاد والقوة، فكيف ننتظر من الآخرين النصرة على الأعداء، فالأعداء في الداخل أشد قوة من أعداء الخارج، متنارحين متشعبين لا نصر ولا تأييد ولن تعلو لنا كلمة ونحن أطياف أشباح بلا عزيمة ولا قرارات توحيد النبي الأمي وحد الأمة ونحن فرقنا أممنا بالمصالح الذاتية، فلم تعد لنا هوية إلا الاستسلام وتصريحات وهمية· إن لم يتحد الإخوان في هذه الأوقات العصيبة في أرض الرسل والنبوة فكيف ستجتمع الكلمة الدولية وقلوبنا شتى وأهدافنا ملونة كأطياف ألوان السماء، لماذا ننتظر دائما من الغرب أن يعطينا ولا نأخذ حقوقنا بأيدينا مصالح معروفة وكراسي موضوعة للخلود وليس للقوة، فماذا ننتظر وشعوبنا مكلومة وليس بيدها القرار؟ هذا في وقت التعداد السكاني للمسلمين قاطبة في العالم رقم مذهل ومفعول مخز، فلا إتحاد ولا قوة، فلم تعلو الأصوات ونحن نعرف النتيجة مسبقا، إننا في النهاية، نهاية الأزمة والضجة الإعلامية لن نحصل على شيء كأمة وقضية، فثورة الإعلام أصبحت السلطة الأولى التي تنقل الآراء وتهجم على القضايا بكل عنفوان وعروبة، وفي الحصيلة الأخيرة تضمحل الأصوات لتنقل إلى انكسار آخر من نوع آخر وننسى، كما العادة، ما حصل ونضع أقنعتنا التي نبدلها بحسب الأجواء والأهواء، هذا مع مرور أكثر من أربعة عقود على الذكرى الثالثة والأربعين للهزيمة العربية أمام الجيش الإسرائيلي في العام ,1967 فيما لا يزال العالم العربي يجر أجيال هزائم متواصلة لا تقل هولا، كما حصل في ذلك اليوم العصيب، جرى توصيف ذلك اليوم بالنكسة تهوينا على المشاعر العربية من تعبير الهزيمة وارتفعت شعارات الثأر والإصرار على استعادة الأراضي المحتلة وأطلقت الهزيمة قوى شعبية وسياسية وعسكرية وضعت على عاتقها قلب الأوضاع القائمة داخليا وهزيمة المشروع الصهيوني خارجيا· وبعد مرور هذه العقود والسنون تبدو نتائج الهزيمة صاخبة وتمس كل مفاصيل الحياة في المجتمعات العربية من دون استثناء وتؤشر إلى حجم الانهيارات والمسارات الانحدارية التي لا تزال هذه المجتمعات وشعوبها تتنقل إليها سنة بعد سنة. هذا في وقت شكلت فيه القضية الفلسطينية القضية المركزية في مواجهة المشروع الصهيوني والرافعة التاريخية لنهوض المشروع العربي ولمواجهة المشروع الاستعماري المتجدد في المنطقة العربية، من دون إنكار أهمية ما حققته الثورة الفلسطينية من بلورة للشخصية الفلسطينية التي كانت عنصرا مهما جدا في إعادة الشعب الفلسطيني إلى خريطة الصراع· وبعد أن أجريت محاولات عربية وإسرائيلية وغربية لشطبه من الوجود وشطب قضيته أيضا، إلا أن ما يجري اليوم على الساحة الفلسطينية خصوصا الانقسام الداخلي وسعي بعض القوى الفلسطينية إلى أخذ القضية إلى مكان آخر سياسيا وطائفيا ومذهبيا، إنما يشكل أكبر تجسيد لهزيمة القضية الفلسطينية في هذه المرحلة من تطورها، يترافق ذلك مع انحدار عربي مستمر وتراجع عن التزام الواجبات تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والتصرف بلامبالاة· أما المعاناة المتواصلة له بل المتاجرة بالقضية وتوظيفها في خدمة مشاريع إقليمية خاصة تصب في جوهرها خارج المصالح الفلسطينية والعربية، يجري ذلك كله في وقت يعلن المشروع الصهيوني جهارة أن ما تحقق حتى اليوم من احتلال فلسطين والجولان وغيرها من الأراضي وإنجاز اتفاقات سلام مع بعض الدول العربية ليس سوى المرحلة الأولى من خطة هذا المشروع، أما استكماله فيكمن في تحويل إسرائيل دولة يهودية صافية ضمن الأراضي التي تقوم عليها اليوم، وهو توجه يعنى صراحة بتهجير مليون ونصف المليون من أبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في الأراضي المحتلة العام 1948 وهو مشروع لن يتحقق من دون حروب جديدة تخوضها إسرائيل ضد العالم العربي وهزائم جديدة تلحقها بالعرب لتنفيذ مشروع الهجرة الجدي· وتتجلى الهزيمة المتواصلة في العالم العربي من خلال رصد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والعلمية· ورغم الثروات الهائلة الذي يتمتع بها هذا العالم، فإن نتائج السياسات العربية في ميدان التنمية تقدم كل يوم بيانا فاقعا في إظهار حجم التخلف المريعفي مجتمعاتنا، فالأمية تمثل مستوى رفيعا جدا تكاد تكون الأولى في العالم، والفقر والبطالة يضعان العالم العربي في أسفل الدرك العالمي، ومشاريع التنمية لا تقوم في الأصل لتحسين مستوى المعيشة بمقدار ما تهذب معظم نفقاتها هدرا وفسادا، هذا في وقت تتبخر فيه الثروات العربية يمينا وشمالا، فتخسر الثروات العربية أكثر من 2500 مليار دولار في الأزمة المالية، يكفي ربعها لنقل العالم العربي إلى مستويات متقدمة ويخسر مبالغ هائلة اليوم نتيجة أزمة العملة الأوروبية أيضا، فيما يكرس النظام العربي أقساما واسعة من نفقاته لشراء سلاح حديث وطائرات متطورة جدا يدرك جيدا أن الجيوش العربية غير قادرة على استخدامها، إما بسبب التخلف التكنولوجي أو بسبب الخطر التي تضعه الدول البائعة على وجهة الاستعمال· وتتعمق الهزيمة وتتجسد عند رصد حال الثقافة والعلوم والفكر المرافق لها، ففي عالم يشهد كل يوم المزيد من التقدم العلمي والتكنولوجي بما يختصر أو يلغى المسافات بين الشعوب وتفاعلها ينكفئ العالم العربي إلى موروثات التخلف والماضي ويسجل تراجعات في ميدان العلاقة بالعصر وعلومه· عاد الفكر الخرافي والغيبي يسجل انتصارات في مواجهة العقل وازدهرت ثقافة وظيفتها على طمس وإلغاء كل ما يمت إلى الحداثة وفكرها ونشر القيم الإنسانية، وكل ما يتصل بحقوق الإنسان لصالح ثقافة تخوينية وتكفيرية لا تجد حرجا في إطلاق هذه التهم على المخالف للفكر السائد الذي تحمله مؤسسات السلطة أو المؤسسات التابعة لها، وهي اتهامات يكفي القليل منها لإهدار دم المخالف، يترافق ذلك مع سلطة سياسية مهيمنة تقوم سلطتها على الاستبداد والحجر على الحريات السياسية وممارسة الرقابة على الثقافة المخالفة لمنظوماتها الإيديولوجية ولنهجها في الحكم·
بقلم: أحمد كرفاح - أستاذ