العرب اون لاين - ليبيا24 -
http://www.alarab.co.uk/libyatoday/display.asp?fname=2010\12\12-23\831.htm&dismode=x&ts=23-12-2010 13:21:51
عرب 48 وظلم ذوي القربى!
اعتقد الكثير من الملاحظين أن استقبال الزعيم العربي معمر القذافي، بصفته رئيسا للقمة العربية، لوفد فلسطيني 48، ضم أعضاء من الكنيست ورؤساء أحزاب ورجال دين وأكاديميين وأدباء برئاسة محمد زيدان رئيس لجنة المتابعة، أواخر شهر أفريل من هذه السنة، قد وضع حدّا للصورة النمطية التي ألصقت بالأقلية العربية الفلسطينية على خلفية حجج واهية تفتقد في الغالب إلى المنطق مما حرم تلك "الأقلية القومية" لوقت طويل من ربط علاقات سياسية واقتصادية وثقافية مع الوطن العربي هي في أشدّ الحاجة إليها.
لذلك تبدو هذه الخطوة التي أقدم عليها رئيس القمة العربية آنذاك، حسب الكثير من المحللين، تاريخية بكل المقاييس والمعاني، إذ راهن الكثير من المخلصين العرب على تلك المبادرة التي قد تُشكّل أرضية مناسبة لمراجعة موقف النظام العربي من هذه الأقلية الحية الصامدة تحت احتلال فريد من نوعه، وهي مراجعة تبدو ضرورية وحيوية لكلا الطرفين. غير أن منع السلطات الجزائرية زيارة وفد من عرب 48 الذي ضم محمد زيدان، رئيس لجنة المتابعة، وبعض الأسرى الفلسطينيين السابقين من عرب 48 الذين رغبوا في المشاركة في المؤتمر الأول عن الأسرى الفلسطينيين، الذي عُقد مؤخرا في الجزائر، طَرح مجددا مسألة التطبيع من زاوية تعامل الدول العربية مع سكان فلسطين 48 في الوقت الذي يبقى الإجراء الجزائري قرارا سياديا لا يناقش في حدّ ذاته..
أما في الداخل الفلسطيني فلم تتردّد بعض القيادات في وصف هذا الإجراء الجزائري الرسمي تجاه أعضاء الوفد بـالسلوك الـ"مهين للوفد ولرئيسه بما يمثله من مكانة ومعنى"، بل اعتبرت ذلك "مهانة لجميع الجماهير الفلسطينية"، خاصة وأن الحجة التي استندت إليها السلطات الجزائرية تبدو واهية، حسب هؤلاء، إذ إن حَمْل أعضاء الوفد لـ"جواز سفر إسرائيلي" يبدو أمرا طبيعيا، فهم فلسطينيون يعيشون في أرضهم التاريخية تحت الاحتلال.
فكيف تسمح الجزائر الرسمية لنفسها- يقول بعض الفلسطينيين- بالتعامل مع إسرائيل والسماح لوفد إسرائيلي بزيارتها في حين ترفض زيارة وفد عرب 48 وهم من خيرة المناضلين الفلسطينيين ضد الصهيونية العنصرية؟ وهل كان الجزائريون زمن الاحتلال الفرنسي يتنقلون خارج وطنهم بجوازات غير الجوازات الفرنسية؟ وهل كان العرب يصنفون هؤلاء كعملاء وخونة لمجرد حملهم لجواز سفر دولة الاحتلال؟ بل هل كانت لهم خيارات أخرى غير ذلك؟ وكان حالهم، حال الجزائريين بالأمس أجبرتهم ظروف الاحتلال على "كسب" جنسيته!.
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن قرار إسرائيل منح المواطنة الإسرائيلية لمن تبقى من الفلسطينيين لم يكن نابعا من خلفيات أخلاقية أو إنسانية تبدو بعيدة جدا عن الأيديولوجية الصهيونية العنصرية، بل كان نتيجة ضغوط فرضتها الأمم المتحدة كأحد الشروط للاعتراف بدولة إسرائيل مقابل منح الأقليّات الجنسية الإسرائيلية. كما أنّ الجنسية الإسرائيلية فُرضت على عرب الـ48 فرضا، إذ إن السلطات الصهيونية لم تستشر المعنيين بالأمر في ما إذا كانوا يوافقون على حملها.. تماما كما كان الأمر بالنسبة إلى الجزائريين بعد احتلال فرنسا لوطنهم سنة 1830 وإلغاء كيانهم السياسي...
أما الناشط والمحامي الفلسطيني جواد بولس، فيذهب أبعد من ذلك إذ اتهم الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، شخصيا بمنع زيارة الوفد الفلسطيني إلى الجزائر! غير أن، الرئيس الجزائري، وحسب إحدى الصحف الجزائرية، لم يكلف أيا من مستشاريه لتمثيله ولقراءة كلمته، خلال افتتاح أشغال المؤتمر وذلك عكس ما دأب عليه في مثل هذه المناسبات الدولية التي تحتضنها الجزائر. كما تغيّب الوفد الممثل للحكومة عن مؤتمر الأسرى الفلسطينيين على مدى يومين، ما طرح تساؤلات حول خلفيات الازدواجية التي تعاطت بها السلطة مع هذا الحدث، من حيث إنها رعته في بادئ الأمر ثم تجاهلت إعطاءه الطابع الرسمي بعد ذلك.
وحول تهمة التطبيع التي استخدمت كمبرر من قبل الجهات الجزائرية لرفض مشاركة وفد عرب 48 ذكّر بعض المحللين الفلسطينيين في الداخل، بالمصافحة الشهيرة بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك أواخر سنة 1999، والتحادث معه لمدة 10 دقائق، الأمر الذي فتح المجال لزيارة وفد صحافي جزائري زار إسرائيل بعد نحو عام من تلك المصافحة، بدعوة من الجمعية الإسرائيلية لتطوير العلاقات بين دول البحر الأبيض المتوسط وبرعاية وزارة الخارجية الإسرائيلية. وأمام المعارضة الداخلية الواسعة لزيارة ذلك الوفد اضطر الرئيس بوتفليقة شخصيا لشجب تلك الزيارة، ووصف من قام بها بالخونة قائلا "إنها تمت مخالفة للقواعد والأصول".
كما أشار البعض الآخر إلى البرقية التي كشف عنها موقع "ويكيليكس" مؤخرا، عن اجتماع اللجنة التحضيرية لندوة تقييم اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، والتي عقدت بجنيف في 13 ماي 2009 برئاسة إدريس الجزائري سفير الجزائر بسويسرا الذي قال في كلمته إنه "سيكون سعيدا بأن يضع نفسه تحت تصرف الإسرائيليين"، وذلك بعد سلسلة تدخّلات بخصوص العراقيل التي تعترض اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، إضافة إلى موضوع مفاوضات السلام في الشرق الأوسط وكذا الملف النووي الإيراني، فضلا عن موقف إسرائيل من الاتفاقية..
لذلك يجد عرب فلسطين 48 أنفسهم بين المطرقة والسندان، فهم يعتبرون مسألة التواصل مع العرب حقا وهدفا من أجل فك طوق العزلة عنهم، ومن أجل تبادل الرأي، غير أن الإسرائيليين وأغلب الأنظمة العربية ينظرون إليهم نظرة فيها الكثير من الريبة والشبهة. فأغلب الأقطار العربية ينظرون إليهم كإسرائيليين وجواسيس فيرفضون التعامل معهم ويقاطعونهم تحت بند التطبيع والحيطة، في حين ينظر إليهم في إسرائيل كخونة.
فحسب تقرير "الرصد السياسي" الذي صدر حديثا عن "مركز مدى الكرمل" شهدت السنة الحالية ارتفاعا كبيرا في درجة عداء الإسرائيليين تجاه النواب والقيادات العربية الفلسطينية، إذ قامت الكنيست والحكومة وقطاع واسع من الرأي العام بمهاجمة الأعمال والمواقف السياسية التي اتخذها النواب والقيادات الفلسطينية، وهي مواقف ونشاطات عبّر هؤلاء من خلالها عن هويتهم القومية ورغبتهم في التواصل بحرية مع مجالهم الثقافي والحضاري العربي الواسع...
ولم تتردد الدولة الإسرائيلية ومؤسساتها المختلفة، خلال السنوات الأخيرة، على قمع كل مبادرة تقوم بها النخب الفلسطينية للتواصل مع النخب العربية أو إقامة العلاقات مع الدول العربية، وخاصة بالنسبة إلى تلك الدول التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، كما لا تتردد في عرقلة كل نشاط أو موقف يعارض الحصار على غزة بخاصة.
فمنذ بدء وفد لجنة المتابعة العليا إلى الجماهيرية الليبية، ومن بعدها، بدأت حملة شعواء في إسرائيل تطالب بمعاقبة النواب العرب الذين شاركوا في الوفد، من ذلك توجه النائب زفولون أورليف "البيت اليهوديّ- المفدال" إلى لجنة الانتخابات المركزية مطالبا بمنع النواب المشاركين في الوفد من الترشح في الانتخابات المقبلة. أمّا النائب ميخائيل بن آري ("الاتحاد القومي")، فتوجه إلى رئيس الكنيست، رئوفين ريفلين، مطالبا بإلغاء بعض حقوق النواب العرب المشاركين في الوفد؛ وقال إن: "النوّاب العرب الذين التقوا القذّافي يعملون منذ فترة طويلة ضدّ دولة إسرائيل، وهم يشكّلون عمليًّا طابورًا خامسًا داخل الكنيست".
أما البرلمان "الكنيست" فعقد جلسة خاصة بعد رجوع الوفد من الجماهيرية لبحث قضية التلويح بسحب الجنسية الإسرائيلية من كل مواطنٍ عربيّ أجرى اتصالا مع من يعتبرهم القانون في الدولة العبرية أعداء، وقال ممثل الشاباك خلال الجلسة بأنّه يؤيد سحب الجنسية من هؤلاء بهدف ردع الآخرين عن القيام بأعمال تمس، بحسب منطقه، بأمن الدولة اليهودية.
لقد كان هدف جميع مؤسسات الدولة الصهيونية منذ الخمسينات من القرن الماضي ترويض عرب الداخل وتدجينهم بكل الطرق وأسرلتهم، غير أنها فشلت فشلاً ذريعا في تحقيق أهدافها تلك، وهي حقيقة أكدها المؤرخ الإسرائيلي الصهيوني د.هيلل كوهين، في كتابه "العرب الصالحون أو العرب الجيّدون"، بقوله: إن تلك "المحاولات جميعها كان مصيرها مزبلة التاريخ". فقد تزايد حجم الأقلية العربية التي بقيت على أرضها من 120 ألفاً في 1948 إلى أكثر من مليون ومئتي ألف نسمة حالياً ومع مرور الزمن أفرز المجتمع العربي في مناطق 48 نخبة متميزة في العلوم والمعارف والسياسة حتى غدوا "قنبلة ديمغرافية" تخشاها إسرائيل وتحطاط منها... كما واصلت تلك الأقلية تمسكها بعروبتها وبفلسطينيتها، ودفعوا، وما زالوا يدفعون، ثمن تشبثهم بأرضهم وبأمتهم العربيّة وبشعبهم الفلسطيني...
ورغم أن سكان عرب الداخل يعتبرون أنّ الساحة السياسية في إسرائيل هي ساحة نضالهم المركزية لتحقيق حقوقهم الإنسانية والقومية والديمقراطية ومواجهة السياسات والممارسات الإسرائيلية غير أنه ومع صعود حكومة اليمين واليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو- ليبرمان إلى السلطة حاول هؤلاء التوجه إلى الخارج وذلك باتجاهين اثنين: الوطن العربي وذلك لفك العزلة عنهم والتلاحم الثقافي والحضاري مع المجتمع العربي، من جهة، وإلى المؤسسات الدولية الحقوقية والدبلوماسية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات المجتمع المدني، من جهة أخرى، لفضح النوايا الإسرائيلية الهادفة لفرض نظام أبارتهايدي وللحصول على الدعم السياسي والمعنوي، وهو ما اعتبره رئيس جهاز الشين بيت (جهاز المخابرات الداخلية) يوفال ديسكين "نشاطا تخريبيا وتهديدا وجوديا" لإسرائيل...
وإن وَجدت قيادات وهياكل عرب 48 الدعم والمساندة من قبل الأطراف الدولية الرسمية وغير الرسمية فإنها لا زالت، للأسف، تعاني من عدم تفهم الإخوان العرب لوضعيتهم المركبة والمعقدة التي يتصادم فيها انتماؤهم القانوني، بحكم الأمر الواقع، بهويتهم وأصولهم العربية. فمتى تضع الأنظمة العربية وتحديدا الجامعة العربية، حدّا لهذا الخلط تجاه الأقلية العربية الفلسطينية وتنصفها؟!.