ناظم الزيرجاوي
يعتبر العقل بمثابة قاضي عادل وعالم جالس في غرفة مغلقة ومحيط هادي يطالع الاضابير بدقة ويتفهم محتوياتها بصورة متقنة ويقيس جميع جوانب القضية ثم يصدر الحكم .اما العواطف فهي تمثل الجهاز التنفيذي للسلطة القضائية ، ليس واجب الجهاز التنفيذي تميز الأدلة والبينات بل على العواطف أن تنفذ الاحكام العقلية عندما تكون منقادة للعقل.
أن احكام العقل قائمة على اساس الأستدلال والبرهنة وأن موافقتةُ إو مخالفتة ونقضة إو إبرامة كل ذلك يعتمد على المحاسبة الدقيقة والاستدلال المنطقي ،إما العواطف فلا شأن لها بالمحاسبة ولا تفهم المنطق ولا تركن الى الاستدلال . العواطف عبارة عن العشق ، مثلا ً حب العاشق وولعةُ لا يستند الى الاستدلال العلمي والمحاسبة المنطقية ،انه لم يعشق على طبق معادلات رياضية او استنتاجات عقلية ،ان العاشق لا يفهم دليلا ً ولا يدرك عقلا ً ولا منطقا ً،انه عاشق،انه ولهان،ان روحة تحترق بنار الحب يأوي الى الفراش على أمل الحبيب وينهض من فراشة على رجاء لقاءه ُ. أن العقل على ما هو علية من الاهمية والقيمة في طريق التقدم والرقي يشبة العلم والعدالة .
اما العواطف فهي ينبوع الإندفاعات والحوافز واساس الصداقات والعداوات ،يستطيع الأنسان بعقلةِ وفكرةِ ان يسيطر على العالم ويسخر الكون ويستخدم البحر والصحراء والجو والمعادن والنبات والحيوان لصالحةِ وتسهيل سبل العيش لنفسةِ .أن أعظم الطاقات التي تفصل بين الأنسان وجميع الحيوانات وتمنحة هذه المنزلة من العظمةِ والشموخ هو العقل ،فالعقل هو المشعل الوضاء والمرشد القدير الذي يميز للأنسان الخير من الشر والطريق الصحيح من المتاهة لكن الطاقة التي تحرك الأنسان في الطريق الصحيح او المتاهة والقوة التي تحفز في الأنسان دوافع الخير والشر هي العاطفة،أما العقل يُستخدم المعلومات الواصلة اليه عن العالم الخارجي بواسطة الحواس ويهيئ لنا وسائل عملنا في هذه الدنيا . انه يزيد من قوة ادراكنا وشدة سيطرتنا بصورة عجيبة بفضل ما يمنحنْا من اكتشافات جديدة مثل الأجهزه الألكترونية الحديثة التي يمكننا بواسطتها البحث عن عالم اللامرئيات وهذا مضافا ً الى الآلآت التي يمدنا بها في العمل واشياء متناهية في الكبر واشياء متناهية في الصغر وفي تهديم العمارات الضخمة التي تمثل عظمة التقدم الفني والمعماري خلال بضع دقائق.
العقل صانع العلم والفلسفة فعندما يكون متزنا ً يصبح مرشدا ً جيدا ً ويصل الى كمالةِ اللائق، ولكن لا يمنحنا الشعور بالحياة والقدرة على العيش ، فهو لا يعدو ان يكون مظهرا ً من المظاهر النفسية ،فأذا نمى لوحدةِ بعيدا ً عن العواطف ادى الى تفريق الأفراد وإخراجهم من حيز الأنسانية.
الفرق بين العقل والعاطفة 2
إن العقلَ والعاطفة عاملان مؤثران في إدارة شؤون الإنسان الحياتية ، وقدرتان مهمتان في تأمين سعادة الإنسان ورغده ، ووجود كل منهما في موقعهِ ضروري ولازم ، وهناك تباين بين العقلِ والعاطفةِ من حيث خصوصيات كل منهما ومجال عملهما .
فالعقلُ هو مصدر المعرفة البشرية ومركز التفكير . والعقلُ يعتمد دائما ً أساس المنطق والاستدلال ويحكم في مختلف القضايا وفق معايير وحسابات صحيحة أما العاطفة فلا شأن لها بالمنطق والاستدلال ولاتولي أدنى اهتمام للمعايير والحسابات ، بل إن هدف الدوافع العاطفية والاحاسيس هو الإثارة والتحريك وبلوغ النتيجة المرجوه سواء جاءت مطابقة للمنطق والمصلحة أم منافية للاستدلال والمصلحة.
والعقلُ هو بمثابة السراج المنير الذي ينير ظلمة الحياة ويميز درب الهداية عن درب الضلالة والصلاح عن الفساد ، إلا أن العاطفة هي التي تدفع بالإنسان إلى سلوك طريق الخير أوالشر ، فالميول العاطفية والرغبات النفسية هي التي تحرك الإنسان ، وتارة تراها تنصاع لنداء العقل وتنقاد إلى طريق الخير والصلاح وأخرى تتمرد عليه فتؤدي بصاحبها إلى طريق الشر والوقوع في الاخطار .
إن العقل هو رأسمال الإنسان في سيادتهِ وقدرتهِ على سطح الكره الارضية ، والإنسان يستطيع بعقلهِ حل رموز كتاب الخلقة وتسخير كل ما في الطبيعة لنفسهِ ، لكن العقل هو كالعلم والعدل جاف وبارد لايمنح الحياة البشرية د فئا ً أبدا ً ولا يسلم في تجاذب الناس وتعايشهم بعضهم مع البعض الا ّخر ، على عكس العاطفة تماما ً المليئة بالوجد والدفء والنشاط ، والدوافع العاطفية هي التي تربط أوآصر الناس وتجعل في نظرهم الحياة جميلة ومطلوبة .
إن ما يدفع الإنسان إلى العمل هو العقيدة وليس المنطق ، فالعقل لايمكنه أن يمنحنا قوة العيش وفق طبيعة الاشياء ، ولايساهم في دفعنا إلى الامام بل يكتفي بإنارة الدرب لنا .
إن سلوك المفكرين البحث في الحياة أشبه ما يكون بالمشلول الذي يؤتى ليشارك في مسابقة للجري ، فهو يرى ساحة الجري أمامه جيدا ً لكن عاجز عن الانطلاق فيها . إننا لن ننجح في تذليل العقبات التي تعترضنا إلا إذا ما تصاعدت من أعماقنا موجة عارمة من العواطف والاحاسيس .
إن العقل يستخدم المعلومات التي تمليها عليه الاعضاء الحسية من العالم الخارجي ويوفر لنا وسائل عملنا في الحياة . وقد ساهم بفضل اكتشافاته في زيادة مستوي إدراكنا وقوة تصرفنا بنمو مذهل وهو الذي ساهم في وصول الإنسان إلى اكتشافات لاتعد ولاتحصى .
إذن فالعقل هو مبدع العلم والفلسفة وهو مرشد جيد إذا ما كان متزنا ً ، لكن لايمنحنا حسّ الحياة أو القدرة على العيش ، وهو ليس سوى واحد من أوجه النشاطات النفسية ، ولو نمى العقل بمفردهِ دون أن يصاحبه نمو للعواطف والاحاسيس لفصل بين بني البشر وجردهم من إنسانيتهم .
قال أمام المتقين وسيد الوصين عليا ً (ع) إسترشدوا العقل ترشدُوا ولا تعصوة ُ فتندموا ..