ترك سؤالها حيرة بالغة في النفوس، لأنهم يعرفون جيداً
أنها تعرضت لأشياء تفوق احتمال البشر، ولكنها ستخضع
لأحكام القانون التي لا تعرف الرحمة، فهي قواعد حاسمة،
لا تنظر إلى اتجاه واحد!
أوراق القضية تؤكد أن فوزية قاتلة، بل إنها ارتكبت جريمة
بشعة لأنها مزقت جثة ضحيتها بعد قتله وأحرقته، وأخفت
آثار الجريمة.. الشواهد تؤكد أنها يجب أن تحصل على
إع ·دام.. لكن جميع من حققوا معها كانوا ينظرون إليها
بإعجاب، وانتزعت منهم عبارات الاستحسان والتعاطف.
كانوا يريدون أن يفعلوا أي شيء من أجلها، حتى أن وكيل
النيابة الذي يحقق معها قال لها:
«لو كان الأمر بيدي لأفرجت عنك فوراً !»
حكايتها بدأت قبل أيام حينما تم اكتشاف جريمتها، وتحولت
هذه القضية إلى محور حديث أهالي قنا الذين تجري في
دمائهم نخوة زائدة ويعشقون الثأر لكرامتهم. وجاء الثأر هذه
المرة من امرأة، تحولت عند اللزوم إلى وحش كاسر!
كان من الممكن أن تظل جريمة فوزية سراً دفيناً لا يعرفه
أحد، لكن الظروف عاندتها، وظلت روح القتيل تطاردها،
فهذه الروح لم تفارق منزل القاتلة حتى قادت الشرطة إلى
فوزية. وحينما واجه رجال المباحث ربة المنزل بجريمتها
اعترفت بهدوء. وأكدت أن هذا الرجل لو عاد إلى الحياة مئة
مرة لقتلته مرات ومرات!
تحكي فوزية قصتها وتقول: «سافر زوجي للعمل في إحدى
الدول الخليجية. اضطرّتني ظروف المعيشة أن أتحول إلى
أب وأم. كان العبء شديداً، لأن الأموال التي كان يرسلها
زوجي لم تكن تكفي مطلقاً للوفاء باحتياجات المنزل. وكان
عليّ أن أبحث عن عمل إضافي لأنفق به على أطفالي.
تحملت غربة زوجي وابتعاده عنا وتحمّلت أيضاً مشاكل
الوحدة. تكمل فوزية: «أصبحت مطمعاً للجميع، لأنني
امرأة وزوجة شابة تعيش وحدها في دنيا لا تعرف الرحمة.
تحملت نظرات جائعة كنت أشعر بها وهي تتابعني لكنني لم
أكترث يوماً واحداً بأصحابها لأنني أعلم أنه لا يجرؤ على
الاقتراب مني أحد.
رغم هذه الظروف القاسية كنت دائماً سعيدة لأنني ناجحة
في حياتي، وأنتظر بفارغ الصبر مكالمات زوجي من الخليج.
سار كل شيء على ما يرام حتى استيقظت فزعاً في فجر
أحد الأيام، شعرت بخطوات في غرفة نومي. فسارعت إلى
إضاءة مصباح الغرفة وهالني ما شهدته.
وجدت جاري السائق فؤاد يحاول أن ينال مني في غرفة
نومي، قاومته باستماتة وضربته وصرخت بأعلى صوتي.
ورغم صراخي كرر محاولته لكنني نجحت في لمّ العشرات
من جيراني الذين لقنوه درساً قاسياً وضربوه بقسوة وكادوا
يفتكون به لولا وصول رجال المباحث .»
تضيف فوزية: «ترك هذا الحادث آثاراً رهيبة في قريتنا،
واجتمع الكبار للصلح بين العائلات. أقاربي كادوا يفتكون
به، لكن أسرة فؤاد حرّرت تعهداً في قسم الشرطة يحتوي
على اعتذار وتأكيد لعدم تكرار ما حدث. لكن الأمر أثر
كثيراً في نفسيتي، وعانيت من كوابيس تحتوي على هذا
المشهد غير المسبوق في حياتي!
أحسست بأن هذا الرجل يستحق الموت على فعلته. تساءلت
بيني وبين نفسي «لماذا لم أقتله؟ » فالموت هو الجزاء العادل
لرجل اقتحم منزل جارته التي تعيش بمفردها، ولم يراع
ظروفها وكأنه يشترك مع الظروف القاسية التي عاندتني.
لم أكن أعرف أن هذا المشهد سوف يتكرّر قريباً. ورغم
حرصي الشديد على إحكام إغلاق نوافذ المنزل وأبوابه
فإن الشيطان نجح في التسلل مرة أخرى الى شقتي فجراً.
ولحسن حظي أنني كنت مستيقظة فوجدته يتسلل من
إحدى النوافذ متجها الى غرفتي. لم أشعر بأدنى خوف
ولكن تملكتني رغبة في الانتقام من هذا الرجل.
شعرت بأنه جاء الى قدره بقدميه، ويستحق المصير الذي
سيواجهه. تسلّلت من دون أن يشعر الى المطبخ. وظللت
أراقبه وهو يتحرك بخفة في الشقة، وتمكنت من انتزاع
أكبر سكين أحتفظ بها في مطبخي. واتجهت الى فؤاد
وطعنته في ظهره!
صرخ صرخة مكتومة وسقط على الأرض، وقبل أن يتمالك
نفسه توالت طعناتي وهي تحمل كل معاني الانتقام من هذا
الوحش الآدمي الذي تجرد من كل القيم وهو يحاول اقتحام
شقتي لاغتصابي من دون أن يتسلح بالمروءة التي يتصف
بها أهالي الصعيد جميعهم .»
تبكي فوزية وكأنها تمحو من ذاكرتها هذه الأحداث الأليمة،
وتعود لتكمل قصتها قائلة:
«حاول فؤاد أن يقاومني، ورغم الدماء التي كانت تخرج
من جسده بغزارة حاول أن ينتزع ملابسي، ورغم دهشتي
الشديدة لما يحدث واصلت مهمتي ولم أتركه إلا حينما
أصبح جثة هامدة!
تأكدت أن ·ه لفظ أنفاسه الأخ ·ي ·رة. والتقطت أنفاسي
اللاهثة، وظللت أتأمل جثة هذا الذئب، قلت إن هذا هو
مصير أمثاله.. لأنه لم يحترم آدميتي فمات ميتة بشعة لكنه
يستحقها. مضت دقائق ثقيلة قبل أن أتمالك شتات نفسي
وأفكر في طريقة أخرج بها من هذه الورطة. وقرّرت أن
أدفنه في منزلي الريفي!