ابوعيسى مدير
عدد الرسائل : 2692 العمر : 58 تاريخ التسجيل : 22/04/2008
| | أوهن البيوت | |
جاء في الموسوعة العربية العالمية:” وتقبع بعض أنواع العناكب غازلة النسيج الدائري في وسط النسيج، مترقبة لفرائسها، بينما تلصق أنواع أخرى خيطًا إشاريًّا وسط النسيج. ويختبىء العنكبوت في عشه قرب النسيج، ممسكًا بالخيط الإشاري. وعندما تسقط حشرة في النسيج، يهتز الخيط الإشاري منبهًا العنكبوت، الذي يندفع إلى خارج عشه بسرعة كبيرة، للإمساك بالحشرة. وتنسج تلك العناكب نسيجًا دائريًا كل ليلة، يستغرق بناؤه ما يقرب من ساعة، وتأكل النسيج القديم للمحافظة على الحرير. بينما تصلح أنواع أخرى من تلك العناكب، أو تغير أي جزء تالف من نسيجها “. ومن العناكب ما يسمَّى بالعنكبوت الصيادة الرمادية، وهي من العناكب، التي تخرج ليلاً للصيد؛ كما تفعل الشَبَث والعقرب. أما الأنواع الأخرى من العناكب فهي لا تبرح مكانها، ولكنها تنتظر وتترقب؛ لكي يقع صيدها في شباكها، التي تنسجها، وتعيش بالقرب منها. أما العنكبوت الصيادة البنيَّة فتعيش في جحور تحفرها بنفسها، أو تختبئ في الشقوق الصخرية، وتعيش حياة انفرادية، وتصيد بنفسها الحشرات، ولا تتردد في أكل العناكب، التي من نفس جنسها، وهي شرسة الطباع، قوية الافتراس. وعندما تصيد فريستها، تقطعها بعض القطع، أو تفتح فيها فتحات، ثم تمتص السوائل، التي بداخلها؛ لتتركها ناشفة من الداخل.ومن اللافت في موضوع العناكب كلها أن الحشرات الأخرى لا تسلم من شرها ساعة من ليل أو نهار، فهي دائمة الترصد لفرائسها في ورديات نهارية وليلية. وتبدأ العناكب الليلية صيدها بعد انتهاء عمل العناكب النهارية، وقد ابتكرت العناكب طرقًا مختلفةً لاقتناص فرائسها، فبعضها ينقض على فريسته انقضاضًا مباشرًا؛ إلا أن أشهر طرق الاقتناص لديها يتم عن طريق ما تنصبه من شباك، تتخايل للفرائس؛ وكأنها زينة تلمع أمامها، فإذا ما اقتربت منها، وقعت فيها، وكانت سببًا في هلاكها!!..وبعد اكتمال نمو ذكر العنكبوت، يبدأ في البحث عن شريكة للتزاوج، وأحيانا يفقد الذكر حياته، إذا ما اعتقدت الأنثى أنه فريسة، فتلتهمه. وتفضل ذكور معظم العناكب القيام بأنشطة الاستمالة، التي يتم من خلالها الكشف عن هويتها لجذب الإناث. وبعضها الآخر يقوم بهز خيوط نسيج الأنثى، بينما يقوم بعض ذكور العناكب الصيَّادة بتحريك أرجلها وأجسامها في رقصة استمالة غير عادية. وتستخدم ذكور العناكب القافزة الشعر الملون على أرجلها للفت انتباه الأنثى، كما تقدم ذكور عناكب النسيج الحاضن هدية للأنثى قبل الزواج، تتمثل في ذبابة كان قد اصطادها. ولا تقوم الأنثى بقتل الذكر وأكله بعد مجامعته؛ كما كان يعتقد سابقًا، فقد أثبتت إحدى الدراسات أن العناكب تأكل الذكر، الذي يبدو شكله غريبًا عليها، إذا ما حاول الاقتراب منها، ولا تستجيب إلا للذكر، الذي يبدو مألوفًا لديها. ومع ذلك فكثيرًا ما يعمد الذكر إلى الهروب بعد أن يلقح أنثاه خوفًا على نفسه من افتراس الأنثى له؛ لأنها أكبر منه حجمًا، وأكثر شراسة. وتقوم إناث كثير من أنواع العناكب بوضع بيضها في كيس أبيض ورَقيٍّ، تصنعه من خيوطها، وتجره خلفها أينما ذهبت. وفي بعض الأنواع تموت الأنثى بعد إتمام إخصاب بيضها. وفي بعض الأنواع الأخرى تمكث الأنثى فوق البيض حتى يفقس داخل الكيس. وعندما يفقس البيض، تخرج صغار العنكبوت، فتجد نفسها في مكان شديد الازدحام بالأفراد داخل كيس البيض, فيبدأ الإخوة الأشقاء في الاقتتال من أجل الطعام، أو من أجل المكان، أو من أجلهما معًا، فيقتل الأخ أخاه وأخته, وتقتل الأخت أختها وأخاها؛ حتى تنتهي المعركة ببقاء عدد قليل من العناكب، التي تنسلخ من جلدها, وتمزق جدار كيس البيض؛ لتخرج الواحدة تلو الأخرى, والواحد تلو الآخر بذكريات تعيسة, وينتشر الجميع في البيئة المحيطة، وتبدأ كل أنثى في بناء بيتها, ويهلك في الطريق إلى ذلك من يهلك من هذه العناكب. ومن ينجو منها، يكرر نفس المأساة، التي تجعل من بيت العنكبوت أكثر البيوت شراسة ووحشية وانعدامًا لأواصر القربى. وقد يحدث أن تتقاتل أنثيان مع بعضهما البعض، فتحمل القاتلة صغار المقتولة على ظهرها، أو أن الصغار تترك الأم المقتولة، وتتسلق ظهر الأنثى القاتلة، وتظل متعلقة بها إلى أن تكبر، وتصبح قادرة على العيش وحدها. وقالت الدكتورة هاموند:” العنكبوت يأكل بعضه البعض. إذا ما وضعت عنكبوتين في قفص، فسيأكل واحد منهما الآخر“. وقال الدكتور جفري تيرنر رئيس شركة نكسيا للتكنولوجيا الحيوية:” إن الناس بدؤوا يتساءلون عن إمكانية إنتاج المادة البروتينية تمامًا؛ كما يتم مع دودة القز لإنتاج الحرير. لكن المشكلة هي أن العناكب من الحشرات، التي يصعب السيطرة عليها، وأقلمتها على الاستزراع، وهي حشرات فردية وعدوانية “. ويضيف الدكتور جفري قائلاً:”عندما تضع عشرة آلاف منها في حجرة واحدة، ستجد بعد فترة أن واحدًا قبيحًا قويًّا منها هو الذي يبقي، ويموت الكل من شدة المنافسة والصراع فيما بينها “. وقد سبق أن ذكرنا أن العنكبوت الصيادة البنِّيَّة تعيش في جحور، تحفرها بنفسها، أو تختبئ في الشقوق الصخرية، وتعيش حياة انفرادية، وتصيد الحشرات بنفسها، ولا تتردد في أكل العناكب، التي من نفس جنسها، وهي شرسة الطباع قوية الافتراس. وفي بعض أنواع العناكب تلتهم الأنثى صغارها دون رحمة. هذا هو بيت العنكبوت، يبدو لمن تأمله أدنى تأمل أنه أوهن البيوت؛ كما وصفه القرآن الكريم. بيت يفتقد العلاقات الأسرية، والعاطفية الحميمة، ويقوم على المصالح والمنافع المادية الدنيوية المؤقتة. فإذا انتفت المصالح, وانتهت المنافع, انقلب إلى مذبحة، وخيم عليه الخوف والتربص والقتل. وحتى بالمقارنة مع عالم الحشرات يعد بيت العنكبوت أوهن البيوت من الناحية الأسرية، وأكثرها أنانية وشراسة.ثم بعد هذا كله نجد من أعداء الإسلام والموالين لهم من يتشدق ويقول: بيت العنكبوت من أقوى البيوت، والقرآن مخطىء حين وصفه بأنه أوهن البيوت. وهو يقول ذلك مع اعترافه بأن بيت العنكبوت مصيدة، يتصيد الفرائس من خلاله، ويعيش عليها. ولم يدر أن كونه مصيدة، يوقع الحشرات في حبائله اللزجة، التي تتخايل لها؛ وكأنها زينة تلمع أمامها، يكفي لأن يجعل من هذا البيت أوهى البيوت على الإطلاق من الناحية الاجتماعية والأخلاقية، ولم يدر أيضًا أن هذا الوصف الدقيق لهذا البيت؛ إنما جاء في سياق ضرب المثل لمن يتخذ من دون الله أولياء؛ حيث الصلات واهية، والروابط متقطعة، والغدر وارد في أي لحظة!! هذه هي الحقيقة، التي غفل عنها أولئك الذين اتخذوا من أعداء الله أولياء من دون الله، يستعينون بهم ويلوذون إليهم في رغب وفي رهب، ويتوجهون إليهم بمخاوفهم ورغائبهم, ويخشونهم، ويفزعون منهم, ويترضونهم؛ ليكفوا عن أنفسهم أذاهم, أو يضمنوا لأنفسهم حماهم، فكان مثلهم في ذلك﴿ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً ﴾.وإنهلتصوير عجيب صادق لحقيقة هؤلاء العناكب، وحقيقة أوليائهم، الذين يلوذون إليهم، ويحتمون بحماهم في هذا الوجود. الحقيقة التي غفل عنها أكثر الناس، فساء تقديرهم لجميع القيم, وفسد تصورهم لجميع الارتباطات, واختلت في أيديهم جميع الموازين، فما عرفوا إلى أين يتوجهون.. ماذا يأخذون، وماذا يدعون? وعندئذ خدعتهم تلك القوى الظاهرة، التي يتمتع بها أولياؤهم، فداروا حولها, وتهافتوا عليها؛ كما يدور الفراش على المصباح, ويتهافت على النار، ونسَوْا القوة الوحيدة، التي تخلق سائر القوى الصغيرة, وتملكها, وتمنحها, وتوجهها، وتسخرها كما تريد، وحيثما تريد، ونسَوْا أن الالتجاء إلى تلك القوى، سواء كانت في أيدي الأفراد, أو الجماعات, أو الدول؛ كالتجاء العنكبوت إلى بيت العنكبوت.. هذه الحشرة الضعيفة الرخوة الواهنة، التي لا حماية لها من تكوينها الرخو, ولا وقاية لها من بيتها الواهن، على الرَّغم من خيوطه القوية. وليس هنالك من حماية إلا حماية الله, وإلا حماه, وإلا ركنه القوي الركين. فهم من جهة عناكب واهنة، ليس لها من قوة سوى خيوطها القوية، التي تبني منها بيتها الواهن. وهم من جهة أخرى حشرات حقيرة، خدعتها تلك الخيوط القوية البراقة، فوقعت فيها، وكانت سببًا في هلاكها. أما أولياؤهم فهم بما امتلكوا من قوى أشبه ببيت العنكبوت وخيوطه، التي نسج منها؛ لأنهم رغم كل ما يمتلكون من قوى، لا يستطيعون حماية أنفسهم من الأخطار، التي تحدق بهم، وتهدد أمنهم في كل حين. وإذا كانوا لا يستطيعون حماية أنفسهم، فمن باب أولى ألا يستطيعوا حماية من اتخذهم أولياء من دون الله تعالى. وفي ذلك تأكيد على أن قوة الله وحدها هي القوة، وولاية الله وحدها هي الولاية، وما عداها فهو واهن ضئيل هزيل; مهما علا واستطال, ومهما تجبر وطغى, ومهما ملك من وسائل البطش والطغيان والتنكيل.. إنها العنكبوت، وما تملك من القوى، ليست سوى خيوط العنكبوت،﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾. ومن أراد أن يتأكَّد من هذه الحقيقة، فلينظر إلى أمريكا، وإسرائيل، ومن والاهما. وسيعلم حينذ أن العبرة ليست في قوة خيوط العنكبوت ومتانتها؛ وإنما العبرة في قوة بناء البيت من الناحية المادية والمعنوية: الاجتماعية والأخلاقية، وليتأمل بعد ذلك قول الله تعالى عقب هذا المثل:﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾(العنكبوت:43)لعله يعقل المراد من هذه الأمثال، ويدرك ما فيها من أسرار، تخفى على الكفرة الجاهلين، والملاحدة المتكبرين.. اللهم اجعلنا من الذين يعقلون أمثالك، ويفقهون كلامك، ويدركون أسرار بيانك، والحمد لله رب العالمين. | |
|