حيث تحدث الدكتور عبد الحميد حمام عميد كلية الفنون بالجامعة الأردنية عن الربابة في التاريخ وأشار في بداية بحثه إلى أن الرباب لغة تعني السحاب الأبيض وتساءل: هل استعار العرب كلمة الرباب من السحاب الذي يجر نفسه من مكان لآخر كما يُجر القوس على الوتر وقال: أما الربابة أو الرباب فتعني جماعة الأسهم والخيط الذي تشد به السهام والربابة بكسر الراء فتعني العهد والميثاق. وأشار حمام أيضاً إلى أن هذه الآلة الموسيقية غارقة في القدم حيث كانت في الهند قبل خمسة آلاف سنة آلة قوسية وقد اندثرت.
وذكر في معرض حديثه أن الخليل بن أحمد الفراهيدي (المتوفى 971م) ذكر أن العرب كانت تغني أشعارها على صوت الرباب.
ويشير الدكتور حمام إلى أن المصادر تؤكد انتقال هذه الآلة الوترية من الهند إلى بلاد فارس ومنها إلى بلاد العرب وبعد ذلك عرفتها أوروبا عن طريق العرب في الأندلس وصقلية وعن طريق بيزنطة من منطقة الأناضول وقد ظهرت رسومات أنواع الربابات في أوروبا منذ القرن الثاني عشر الميلادي.
وأشار حمام إلى أن الفارابي تناولها في كتابه الشهير (الموسيقي الكبير) وركز على مستوياتها المختلفة وأنواع نغمها، وهذا دليل على المكانة التي حظيت بها تلك الآلة في العصر العباسي على الرغم من سيادة آلة العود في تلك الحقبة وأشار إلى ذكرها من قبل ابن سينا في شفائه إضافة إلى العديد من الكتاب والمفكرين العرب الذين تحدثوا عنها بإسهاب في مؤلفاتهم ولقيت الربابة كما بيّن حمام عناية ورعاية خاصة في حقبة حكم المماليك والأيوبيين.
وأعطى حمام في محاضرته فكرة وافية عن آلة الربابة في أغلب البلدان العربية وانتشارها خاصة في بادية الشام والخليج العربي ومصر والسودان وبين قبائل الطوارق في المغرب العربي التي تتميز باقتصار العزف على الربابة على النساء دون الرجال وخُلص الدكتور عبد الحميد حمام وهو الحامل لشهادة الدكتوراه بالموسيقا إلى القول إن آلة الربابة تتميز عن غيرها بطابعها الخاص الجميل ولذلك بقيت حتى يومنا هذا ولم تندثر.
كما قدم الدكتور عبد القادر سالم عبد القادر من جامعة الخرطوم بحثاً عن الربابة التي تسمى في السودان (أم كيكي) ويطلق على عازف الربابة لقب (هدّاي) وأشار إلى انتشارها في عدد من دول قارة إفريقيا وأكد أن هذه الآلة عُرفت في مصر منذ العهد الفرعوني حيث كان لها أشكال مختلفة ويعزف عليها بأصابع اليد أو بواسطة ريشة من الخشب وإن مصر عرفت الربابة بشكلها الحالي عن طريق بني هلال الذين هاجروا من الجزيرة العربية إليها ومن ثم إلى المغرب العربي، وأشار إلى أن الربابة تحمل اسم (جرانه) في المغرب ويشد عليها وتران من أمعاء الحيوان بعكس الربابة في الشرق العربي التي يشد عليها وتر من ذيل الخيل العربي الأصيل (السبيبة).
أما في السودان فهي منتشرة في كردفان ودارفور وعند قبائل البقارة وتصنع من ثمار الياقطين وتجلّد بجلد الماعز أو البقر أو الغزال وأشار إلى أن عازف الربابة في السودان يعتبر شاعر القبيلة.
وقدم الإعلامي المصري حسام عبد الهادي مداخلة عن آلة الربابة في مصر حيث بيّن أن عازف الربابة يطلق عليه لقب (الشاعر) وإن بعض الموسيقيين سعوا لتطوير آلة الربابة واستخدامها لأداء الألحان بمصاحبة الآلات الموسيقية الحديثة وخاصة في أغاني المسلسلات التلفزيونية.
وقد تبارى العازفون من عدة دول عربية في أداء الألحان على الربابة وكل يحاول أن يثبت براعة خاصة في ذلك وكان لافتاً ومؤثراً عزف الشاعر المصري سلامة متولي حيث استطاع أداء أصعب ألحان أغاني السيدة أم كلثوم على الربابة ذات الوترين وكأنها كانت فرقة موسيقية كاملة.
وقد دعا الجميع إلى الاهتمام بأمر الربابة (آلة الحزن المعتق) ودراسة خصائصها اللحنية واستخدامها في الموسيقا التقليدية والحديثة لما لها من لونية يمكن أن تعطي الألحان ثراء وتحديثا من خلال تكبير صندوقها الصوتي وزيادة عدد أوتارها والاهتمام بالقوس المستخدم في العزف والطلب من معاهد تعليم الموسيقا في العالم العربي إدراج الربابة ضمن الآلات الشرقية التي تدرس بشكل أكاديمي.
لقد كان ملتقى الفجيرة خطوة في طريق العودة إلى الينابيع الأولى للموسيقا العربية التي تعيش اليوم أسوأ أيامها بعد اختلاط نابلها بحابلها والمؤمل أن يتطور هذا الملتقى لكي يتحول إلى محفل موسيقي معرفي كبير.
إن اهتمام إمارة الفجيرة بما هو مهم وعميق على صعيد الثقافة والمعرفة والفن لم يعد خافياً، الأمر الذي وضع هذه الإمارة على خارطة الثقافة العربية.