إقبال التهامي: سيد أحمد البخاري أهلاً بكم إلى هذا اللقاء مع قناة (الجزيرة). أنتم شغلتم الرأي العام المغربي والعربي بالتصريحات الأخيرة التي أدليتم بها في شأن قضية المهدي بن بركة، وغيرتم الكثير من الإفادة الرسمية التي ظلت متداولة حتى الآن، سنحاول خلال هذا اللقاء إلقاء مزيد من الضوء على قضية المهدي بن بركة، لكن بداية سيد البخاري يعني كيف نقدمكم لمشاهدي (الجزيرة)؟
هل أنتم عميل سابقاً في جهاز المخابرات المغربي؟ هل لازلتم تعملون مع جهاز المخابرات أم أنتم شاهداً في قضية المهدي بن بركة؟
أحمد البخاري: أنا كنت في المخابرات المغربية في قسم مكافحة التخريب وكان رئيسي المباشر هو محمد العشعاشي وزملائي منهم عبد القادر ساكا ومحمد المسناوي.
إقبال إلهامي: كان المعروف أن المهدي بن بركة اختطف في باريس، واغتيل في باريس ، وظلت جثته هناك، أما الآن فأنتم تقولون أن جثة المهدي بن بركة نقلت عبر طائرة عسكرية إلى الرباط حيث أذيبت في حامض الأسيد، يعني ما هي روايتك حول قصة المهدي بن بركة؟ أو لنقل من قتل المهدي بن بركة؟
أحمد البخاري: في الحقيقة الكلام الذي أقوله اليوم، هو الحقيقة كما عشتها في داخل المخابرات المغربية، وكل ما قيل سابقاً وما كتب سابقاً، كتبه أو رواه أفراد كانوا ينظرون إلى القضية من الضفة الأخرى أي من الخارج، أما نحن العاملون في المخابرات المغربية، فكنا على إطلاع بالحقيقة، وخاصة الأفراد الذين عايشوا تلك الأحداث عن قرب، وأنا كنت من ضمنهم لأنني من الدائرة المحيطة بمحمد العشعاشي الذي يعتبر الرأس المخطط والمدبر لعملية بن بركة.
إقبال إلهامي: كيف تمت العملية؟ يعني ما هي روايتك للعملية؟
أحمد البخاري: بدأت العملية في شهر مارس/ آذار من عام 1965، مباشرة بعد المظاهرات التي شهدتها الدار البيضاء، أي مظاهرات الطلبة التي دامت ثلاثة أيام، ففي اليوم الثالث، اجتمع الجنرال أوفقير مع الدليمي ومحمد العشعاشي، واليوم الرابع كان يوم السادس والعشرين من مارس في ذلك الصباح اجتمع المسؤولين والقيادات في جهاز المخابرات المغربية، وتناقشوا حول الوضع في المغرب بعد تلك المظاهرات وناقشوا أيضاً الخطة التي طرحها العشعاشي لوضع حد لنشاطات بن بركة، وذلك إما القيام باختطافه وإرجاعه إلى المغرب حياً أو قتله...
إقبال إلهامي [مقاطعة]: يتم تصفيته يعني بشكل نهائي.
أحمد البخاري [مستأنفاً]: هذا الاجتماع عقد يوم السادس والعشرين من مارس 1965 حيث اجتمعت قيادة المخابرات بكاملها، وضمنهم ستة مسؤولين في مدينة من الرباط وستة من المسؤولين على مستوى الأقاليم في المغرب وبعض المسؤولين العسكريين في جهاز المخابرات المغربي وثلاثة من الخبراء الأمريكيين في الـ C.I.A . وهم الكولونيل مارتن الذي كان خبيراً في جهاز مكافحة الشيوعية والكولونيل سكوت الذي كان خبيراً في جهاز مكافحة التجسس والكولونيل ستيف الذي كان خبيراً في جهاز العمليات التقنية.
وبعد هذا الاجتماع، عقد اجتماع آخر يوم السادس والعشرين من مارس عام 1965، حوالي الخامسة عصراً، وكان الاجتماع على مستوى إدارات مكافحة الشيوعية، وكان حاضراً فيه الكولونيل مارتن وإلى جانبه أقرب مساعدي السيد/ محمد العشعاشي، وكان الهدف من الاجتماع هو توزيع الأدوار على الرجال الذين سيتولون القيام بعملية بن بركة، حتى يكونوا مكملين لبعضهم البعض وذلك لإتاحة الفرصة لنجاح العملية.
وفي هذا الاجتماع قرر محمد العشعاشي تعيين عشرين من ضباط الشرطة، الذين ينتمي أغلبهم إلى مدينة وجدة وعلى رأسهم ميلود التونزي الذي عرف فيما بعد باسم إلياس الشتوكي.
إقبال إلهامي: هذا الاسم الذي ظل لمدة طويلة غير معروف.
أحمد البخاري: وكان الشتوكي مكلفاً بهذه المجموعة المؤلفة من عشرين شخصاً، من المختصين في العمليات التقنية أي مختصون في المتابعة السرية هذه هي المجموعة الأولى المؤلفة من عشرين شخصاً، والمجموعة الثانية مكونة من عشرة أشخاص والمسؤول عنهم هو المفتش الراحل العلوي المدغري، وكانت مهمتهم هي التنصت على جميع مكالمات المهدي بن بركة في الخارج، وكذلك مراقبة بريده الخاص.
إقبال إلهامي [مقاطعة]: يعني أجهزة تصنت ومتابعة الرسائل التي تصل (بن بركة).
أحمد البخاري: وكانت هناك مجموعة ثالثة مؤلفة من عشرة أشخاص تم تعيينهم في الاجتماع المذكور ومهمتها العمل داخل المغرب، للتنصت على المكالمات والبريد داخل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكذلك بعض الأحزاب الأخرى وبعض زعماء الأحزاب الآخرين، الذين بدؤوا بالتنصت على مكالماتهم ومراقبة بريدهم.
إقبال إلهامي: لنتحدث الآن عن قضية بن بركة، نحن الآن في مارس 65 بدأ الجنرال محمد أوفقير كان آنذاك وزير الداخلية مساعده المقدم أحمد الدليمي ومحمد العشعاشي، رئيس قسم مكافحة التخريب، بدؤوا في تحضير العملية، ماذا وقع بعد ذلك؟
أحمد البخاري: التحضير للعملية بدأ قبل هذا الوقت، فالعشعاشي بدأ بالتحضير للعملية منذ ديسمبر عام 1964 ويناير عام 1965، وكان مقرراً في الخطة الأولية التي وضعت أن يتم اختطاف بن بركة في العاصمة الجزائرية وفي خلال مدة محدودة هي ثلاثة أشهر، وخطة العشعاشي هذه تمت الموافقة عليها خلال اجتماع في مقر المخابرات المغربية.
وبدأ تنفيذ الخطة يوم السابع والعشرين من مارس عام 1965، ووصل أفراد الشرطة السرية يوم السابع والعشرين من مارس وكانوا عشرين رجلاً وصلوا إلى جنيف حيث يقيم بن بركة وبدؤوا منذ تلك اللحظة عملية المتابعة لبن بركة.
وفي نفس اليوم بدأت المجموعة الأخرى المكونة من عشرة أشخاص ومعهم رئيسهم العلوي المدغري، عملها وهو التنصت على مكالمات بن بركة ومراقبة بريده.
وفي الوقت نفسه بدأ العشرة الآخرون عملهم داخل المغرب وهو التنصت على المكالمات والبريد وبدأت عملية المتابعة لبن بركة على مدار أربع وعشرين ساعة وهذا لمدة سبعة أشهر ويومين.
وفي الأسبوع الثاني أو الثالث من شهر أبريل من عام 1965، بدأت تصلنا تقارير مكتوبة أسبوعياً وكانت بالطبع تقارير مشفرة لن يستطيع فك رموزها أي شخص سوانا نحن، كذلك بدأت تصلنا التقارير عبر الهاتف وابتداء من يوم السابع والعشرين، تم تعيين خمسة من ضباط المخابرات ليقوموا بعمل وردية خاصة.
إقبال إلهامي: مداومة دائمة.
أحمد البخاري: مداومة خاصة.
إقبال إلهامي: في هذه المداومة الخاصة يتم متابعة أعمال تنصت تجارية حول بن بركة، والرسائل التي تصل إليه، نعم.
أحمد البخاري: في الأسبوع الثاني أو الثالث من شهر أبريل بدأنا نجمع كل التقارير التي تصلنا ونتدارسها مع محمد العشعاشي لأن العشعاشي كان مكلفاً بكتابة تقرير أسبوعي يسمى "التقرير الأسبوعي الشامل" وإرساله إلى المسؤولين.
وتبين لنا بعدها أن المهدي بن بركة كان يمر بأزمة مالية، لأنه في ذلك الوقت كان بن بركة يتنقل كثيراً للإعداد لمؤتمر القارات الثلاث، وإمكاناته المالية لم تكن كافية لتمويل تحركاته، وكان البلد الوحيد الذي يساعد بن بركة بشكل جيد هي الجزائر، أيام حكم أحمد بن بيلا، وكانت تساعده كذلك مصر أيام الرئيس جمال عبد الناصر، هذا البلدان هما اللذان كانا يساعدانه، أما الآخرين فكانت معوناتهم ضئيلة.
ومع أن الخطة الأولية لخطف بن بركة من الجزائر، وكانت تصلنا معلومات من ضباط المخابرات المغربية الذين كانوا يعملون في الجزائر كمخبرين يزودونا بالمعلومات، وأبلغونا أن الشرطة الجزائرية تشدد الحراسة على بن بركة وعلى المنزل الذي كان يسكن فيه، ولهذا تم تغيير الخطة التي وضعت سابقاً.
إقبال إلهامي: يعني عملية اختطاف بن بركة أو تصفيته في الجزائر أصبحت مستحيلة.
أحمد البخاري: أصبحت مستحيلة وصعبة.
إقبال إلهامي: تشديد الرقابة الأمنية عنه.
أحمد البخاري: ولاحظنا أيضاً أن أزمته المالية كانت تزداد سوءاً..
إقبال إلهامي [مقاطعة]: بمعنى أن المهدي بن بركة عندما أتى من جنيف إلى باريس للمشاركة في أحد الأفلام كان بسبب أزمة مادية، هذه المعلومات التي وصلت.
أحمد البخاري: ولكن الإعداد لخطة تصوير الفيلم بدأ منذ شهر أبريل وبدأنا منذ ذلك الوقت لأعداد الأدوار لهؤلاء المجرمين الفرنسيين حيث كلفتهم المخابرات المغربية بالبحث عن أشخاص فرنسيين من كتاب سيناريو وصحفيين ومخرجين، حوالي أربعة أو خمسة أشخاص يقوم كل منهم بدور معين ضمن خطة الخطف ومن بين هؤلاء مخرج فرنسي مشهور هو مترانسان وكان مشهوراً في أوساط اليسار الفرنسي وتم تكليفه بإخراج الفيلم وكان أحد الصحافيين الذي تقرب كثيراً من بن بركة وهو فيليب بيرنييه، كان قد قام سابقاً بالعمل في الإذاعة المغربية في بداية الاستقلال وقام هؤلاء بالتقرب من بركة بحجة الإعداد لفيلم بعنوان باستا، ويدور حول محاربة الاستعمار ودحره في العالم الثالث، وقاموا بالإعداد لميزانية الفيلم وجندت المخابرات المغربية شخصاً يهودياً ليكون واجهة تقوم بتمويل الفيلم.
إقبال إلهامي: يعني عملية إنتاج الفيلم كلها كانت تتم في جهاز المخابرات المغربية بالرباط.
أحمد البخاري: المخابرات المغربية بالرباط، وكان العشعاشي مكلفاً بالإشراف على إعداد الفيلم بما فيه ميزانية الإنتاج، وبقى هؤلاء الفرنسيون على اتصال ببن بركة بحجة الإعداد للفيلم ويلتقون معه إما في القاهرة أو باريس أو جنيف أو ألمانيا وكان آخر موعد له معهم في التاسع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول عام 1965 في باريس، وكانوا عندما يلتقون معه بهدف أن يبدو بن بركة وكأنه شخص اعتاد التعامل مع هذه الأوساط الإجرامية.
إقبال إلهامي: كان يجب الإيحاء بهذا.
أحمد البخاري: حتى ما تمت في المستقبل عملية اختطافه أو اغتياله يبدو الأمر وكأنه تصفيه حسابات داخل هذه الأوساط الإجرامية.