ساعات حرجة في تاريخ السودان | | | |
تصريحات البشير حملت نبرة التحدي لقرار اعتقاله |
الخرطوم- وقف ملوحا بعصاه الشهيرة.. متحديا من وصفهم بـ"الأعداء"، ومشيرا إلى سد "مروي" الذي افتتحه اليوم كأكبر سد على نهر النيل بإنتاجية 1250 ميجاوات/ساعة من الكهرباء.. يهتف بتكبيرات رددها خلفه آلاف السودانيين مؤكدين التفافهم حول رئيسهم في مواجهة قرار المحكمة الجنائية الدولية المرتقب غدا الأربعاء. لم يكن هذا هو المشهد الوحيد على الساحة السودانية التي تحبس أنفاسها قبل أقل من 24 ساعة من قرار المحكمة بشأن اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور؛ فقد أبدى مواطنون قلقهم من الغد قائلين إنه "قابل لكل شيء". |
علي عباس (35 عاما) شاب ريفي قال: "رغم قلقي من احتمال صدور قرار باعتقال الرئيس فإنني واثق من أن البلد ستحتمله بصبر وجلد وتكتفي بقليل الطعام الذي تنتجه أرضها بدلا من الانكسار". وأردف قائلا: المستهدف من القرار هو بلدنا الذي نهض على قدميه في عهد البشير بعد سنوات من الفقر والحاجة وانتظار المعونات الأجنبية"، مستشهدا بقريته "النقير"، التي "كانت تستلقي في الظلام بضاحية المناقل (بوسط السودان)، قبل أن تدخلها الحكومة ضمن الشبكة القومية للكهرباء". أما مهند أحمد حسن الذي يعمل إداريا بشركة سيارات بالعاصمة الخرطوم، فقد أعرب لـ"إسلام أون لاين.نت" عن قلقه من يوم غد قائلا: "إنه يوم قابل لكل شيء..". مشهد آخر يجسده انتظار هذا اليوم الفاصل في تاريخ السودان عبر عنه المواطن الدارفوري "هارون" (23 عاما)، حيث رأى الطالب الجامعي المعارض لحكومة البشير أن "قرار الاعتقال في حالة صدوره سيكون فرصة ذهبية لإسقاط البشير عن سدة الحكم على يد معارضيه بعد أن فشلت جميع محاولات إسقاطه.. والمدعى العام للمحكمة الجنائية عادل في اتهامته له بشأن دارفور". وقلل متوكل الفادني مدير إحدى المدارس الراقية بالخرطوم، من آثار القرار المرتقب على السودان موضحا: "البلد استطاعت النهوض من قبل وهي ترزح تحت العقوبات..". وأضاف: "مرة بعد أخرى كان الناس يقولون هذه هي القاصمة للنظام، ولكن سرعان ما يمتص النظام الضغوط والعقوبات.. وهذه المرة عند البشير أوراق يمكن المساومة أو التهديد بها، كاتفاقيات السلام التي أوقفت أطول حروب القارة الإفريقية". في إشارة إلى الحرب بين شمال السودان وجنوبه والتي انتهت بتوقيع اتفاق نيفاشا عام 2005. ترقب رسمي الترقب والقلق من تداعيات قرار الجنائية لم يكن حال مواطني السودان فقط، بل حال حكومتها أيضا التي حاولت على لسان قيادتها العسكرية والأمنية بث الطمأنينة بين المواطنين. فقد أكد وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم محمد حسين "أن يوم الأربعاء الموعود سيكون يوما عاديا، ولن يشهد مظاهر أمنية غير معتادة"، وأيده وزير الدولة بالإعلام د. كمال عبيد بقوله: "إن الوضع الأمني سيكون مستتبا وإنه لن تنشر مدرعات وناقلات جنود في الشوارع ما لم تدع ضرورة لذلك". وحذر عبيد البعثات الدبلوماسية في الوقت ذاته من استغلال حصانتها القانونية في الإضرار بالبلاد مؤكدا أن "الحكومة لن تتوان في استخدام القانون ضدها"، وهو ما ذهب إليه نائب مدير جهاز الأمن الوطني الفريق محمد عطا، الذي شدد على أن "الأجهزة الأمنية المختصة ستتعامل بحسم مع أي نشاط سلبي أو عمل تخريبي يؤيد أو يدعم إجراءات المحكمة الجنائية الدولية بأي شكل من الأشكال". من جهته أعلن حزب المؤتمر الوطني الحاكم اتخاذ ترتيبات سياسية وأمنية وشعبية لمواجهة القرار المرتقب، فيما دعت أحزاب سياسية أخرى إلى التعامل بوطنية مع القرار والابتعاد عما أسمته "التصفيات السياسية" عبر المحكمة الجنائية الدولية. وأشار عضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني محمد الحسن الأمين أن "الترتيبات تشمل بجانب الاستعداد الداخلي العمل الدبلوماسي داخليا وخارجيا". ووعد في لقاء مع الصحفيين بأن يتم استقبال القرار بردود رسمية وشعبية فورية "حتى يرى العالم أننا لن نؤخذ على حين غرة أو نسمح بالتدخل في شئوننا باعتبار أننا دولة ذات تاريخ عريق في قيام الثورات وتحقيق السلام". كما حرص على تأكيد موضوعية الردود, وتوقع ألا تكون هناك أي مقاطعة للسودان أو البشير حتى من أكثر الدول تأييدا للمحكمة الجنائية الدولية. "لن نعتقل البشير" بدورها تترقب بعثة الأمم المتحدة في السودان بحذر شديد قرار الغد، حيث كشفت تقارير صحفية عن أن البعثة منحت موظفيها إجازة عن العمل غدا تفاديا لأي أحداث شغب محتملة إذا ما صدر قرار باعتقال البشير. من جهته قال قائد قوات حفظ السلام في السودان "لى روى": "نتوقع اندلاع مظاهرات في العاصمة الخرطوم وتجمهر ووقوع حوادث عنف ولكننا لا نعرف مستوى العنف الذي سيحدث". وأطلق روى بعض التطمينات للشارع السوداني مؤكدا أن "قوات حفظ السلام الدولية ليس لها ولاية أو تفويض بإلقاء القبض على البشير، ونحن لن نقدم على مثل هذا العمل"، مرحبا في الوقت ذاته بتعهد الحكومة السودانية بتوفير الأمن للبعثة وقوات حفظ السلام. ويوجد بالسودان 13 ألفا من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. وفي المقابل استهان سودانيون آخرون بالقرار، معتبرين إياه لن يزيد معاناتهم في هذا البلد الإفريقي الخاضع لعقوبات دولية بالفعل منذ عدة سنوات. |