تقرير: طارق القزيري
05-03-2009
ربما كانت المرة الأولى منذ أعوام طويلة، التي لا تروج فيها شائعات التعديل الوزاري في ليبيا، قبيل انعقاد مؤتمر الشعب العام، وهو المؤسسة المعنية بالجانب التشريعي من المنظومة الإدارية السياسية في البلاد، إذ يرفض العقيد القذافي تسمية البرلمان، وفقا لنظريته السياسية، التي تجعل الشعب حاكما. وترفض فكرة التمثيل النيابي. ونظريا كان يفترض أن تخرج الأسماء المرشحة من خلال المؤتمرات الأساسية، لكن هذا الأمر ظل نظريا دائما، إذا تجري التعديلات - كما يرى المتابعون- وفقا لرغبة العقيد القذافي الشخصية، في كل الأحوال.
ثروة غير مرغوبة
ولكن يبدو أن القذافي فاجأ الجميع في هذا التوقيت؛ الذي أنشغل فيه الجميع بتوزيع الثروة وتراوحها بين الرفض والقبول والتعديل، وليعيد ترتيب الحقائب الوزارية، والتي تسمى في ليبيا باللجان الشعبية العامة، بدمج بعض الوزارات، وتحويل البعض الآخر لهيئات عامة فقط مكافحة للبيروقراطية، التي وصفها القذافي مؤخرا بأنها سبب الفساد في البلاد. هذا ووافق 64 مؤتمرا شعبيا أساسيا فقط من أصل 468 على توزيع الثروة الآن في حين وافق عليها من حيث المبدأ 251 مؤتمر لكن مع إرجاء عملية التوزيع المباشر إلى حين استكمال الإجراءات الخاصة به.
موسى كوسا من الفلسفة إلى المخابرات |
وكذلك تم إعادة تسمية قيادة البرلمان الليبي، وإن لم يخرج التغيير عن الخط العام السابق، حتى مع عودة أمبارك عبد الله الشامخ ليحل محل مفتاح اكعيبة، إذ ظلت الشخصيات الرئيسية نفسها، وظلت سياسة الباب الدوار على حالها، إذ تعد ليبيا من أقل الدول تجديدا في النخبة أو الطبقة السياسية المسيرة للبلاد.
تعديل سلطة الشعب
وأقرت ليبيا هذا العام ميزانية قدرها 37 مليار دولار أمريكي، قيل أنها ستنفق على مشروع توزيع الثروة وأغراض الميزانية العامة، لكن الأمر الملفت هو إيجاد حقائب جديدة في قيادة البرلمان ذات مهام تنفيذية، وصفت بأنها "توسيع المهام في مؤتمر الشعب العام" وذلك عبر "استحداث آليات جديدة للطاقة والبنية الأساسية والإنتاج والموارد البشرية والموارد الاقتصادية". دون أن يوضح هذا تحديدا مدى الفرق الفعلي حاليا بين الجهازين التنفيذي والتشريعي. وإن كان العقيد القذافي قد دأب على إحداث تعديلات في البنية السياسية والإدارية للبلاد، فإن التغيير الراهن يعد نقلة جذرية مقارنة بالسابق، وباتت نظرية القذافي نفسه غير ذات صلة بالواقع الليبي البتة.
تصدير المخابرات وغياب الثقافة
وكان لافتا في التعديل الوزاري الذي جاء بـستة أسماء لم تكن موجودة فيما سبق، إلغاء ن حقيبة الثقافة، في وقت تشهد فيه البلاد نوعا من الحراك وثقافة احتجاج ومطالبات، خاصة في أوساط المثقفين الذين يبدو أن الإطار السابق ثقافيا وإعلاميا لم يعد ملائما لهم. كما أن توجهات القذافي نفسه الإفريقية، ودعوته لتحشيد ثقافي من اجل ما يسميه بالولايات المتحدة الإفريقية، لا تبدو منسجمة مع إلغاء حقيبة الثقافة حتى في حال الاكتفاء فيها بهيئة عامة أو مجلس على مستوى الدولة للثقافة.
وإذا كان غريبا تسمية رئيس المخابرات في ليبيا (موسى كوسا) وزيرا للخارجية، بديلا لعبد الرحمن شلقم الذي يعد أطول الوزراء في تاريخ ليبيا حملا لهذه الحقيبة، فإن البيان الذي وصف رئيس الدبلوماسية الليبية الجديد، بمكافح المنشقين والغرب، لا يقل غرابة عن التسمية نفسها. بالرغم من أن مصادر إعلامية قريبة ن السلطة في ليبيا وصفت تغيير شلقم بالمنتظر رغم ما وصفته بالنجاحات التي تحققت للدبلوماسية الليبية في فترة شلقم، في عدد من "الملفات المعقدة والحساسة التي حققت فيها الدبلوماسية الليبية في عهده نجاحات كبيرة ومنها قضية لوكربي واعتذار إيطاليا للشعب الليبي والقبول بتعويضه عن فترة الاستعمار" كما قالت وكالة بانا برس قريبة الصلة بالحكومة الليبية". كذلك كان لافتا إضافة مناصب بدرجة وكيل وزارة كما تسمى عادة في وزارة الخارجية للإعلام والأمن الخارجي.
لا توازنات ولا تيارات
وقبيل تعيينه وزيرا للخارجية أرتبط أسم موسى كوسا بقضية قانونية رفعها هو نفسه ضد مجلة جون افريك الفرنسية في باريس، بعد مقال سابق لها منذ عام 2007 تعرضت فيه إلى نشاطاته ضد المعارضة الليبية وعلاقته بالطائرة الفرنسية التي سقطت فوق صحراء النيجر في آخر الثمانينات. طبقا لصحيفة الشرق الأوسط. يذكر أن العقيد القذافي قد أعترف قبل مدة بأن وزارة الخارجية لا تتبع مجلس الوزراء؛ بل تدار من قبل دوائر النظام نفسه، او الضباط الأحرار كما قال العقيد.
ويرى الإعلامي والمحلل السياسي الليبي، جمعة القماطي أن تعيين موسى كوسا في وزيرا للخارجية، ومنحه صلاحيات تشمل الإعلام والأمن الخارجي، يؤكد أنه ربما يتم إعداده لمنصب أكبر، ويرى القماطي أن رؤساء المخابرات في المنطقة أصبح يكلفون بمناصب سياسية، وأبرز مثال على ذلك هو الدور الذي يقوم به مدير المخابرات المصرية عمر سليمان، الذي ترشحه بعض الأوساط لخلافة مبارك، كما يرى القماطي أن موسى كوسا بالرغم من دراسته الفلسفة تحول إلى رجل أمن محترف، وهو من قام بالتفاوض مع الغرب في الملف النووي، وقضية لوكربي، بالإضافة إلى عدم وجود قبيلة كبيرة تسنده، وتثير هواجس القذافي، وبالرغم من العلاقة الوطيدة بين سيف الإسلام القذافي وموسى كوسا، إلا أن مؤسسة القذافي للتنمية التي يديرها سيف الإسلام انتقدت تعيين كوسا، بحجة أنه لم يتم عن طريق الاختيار وإنما تم بالتعيين، ويرى بعض المراقبين أن هذا الانتقاد يراد من وراء إخفاء هذه العلاقة.
ومما تجدر ملاحظته أيضا أن الجدل حول التغيير الأخير في ليبيا، لم يرتبط - حتى الآن على الأقل - بتلك الأحاديث الرائجة في الأوساط الليبية عن صراع القوى، والتوازنات، وتيارات وأجنحة النظام، فلم يسجل نسبة التغيير الجديد لصالح أي جهة مما سبق، وكان بقاء البغدادي المحمودي أمينا للجنة الشعبية العامة (رئيسا للوزراء) أمرا مفهوما، في وقت لم يخمن أحد وقوع التغيير أساسا.