زمة الثمانينات بدأت بعد لجوء شاه إيران إلى الرباط وانفجرت بسبب «تصدير الثورة»... وتتجدد الآن بسبب «أطماع الإيرانيين» في البحرين ... العلاقات المغربية - الإيرانية... مسيرة ثلاثة عقود من قطعها وإعادتها وقطعها مجدداً

مباشرة بعد انتهاء القمة الإسلامية التي استضافتها الدار البيضاء في عام 1984، ظهر الملك الراحل الحسن الثاني على التلفزيون ملوحاً بمنشورات تحض على إحداث القلاق واضطرابات وأعمال عنف في المغرب، قال إن السلطات الإيرانية تقف وراءها. وأنحى باللوم على «دعاة الفتنة» الذين قال إنهم يستخدمون اجتهادات المذاهب الإسلامية لتمزيق الوحدة وتكريس التفرقة.
بعد أقل من 24 ساعة على خطابه الذي اتسم بلهجة شديدة، أعلن في الرباط عن تفكيك خلايا ذات ميول إسلامية متطرفة تستخدم السلاح لإطاحة النظام، فيما كانت القمة الإسلامية في الدار البيضاء اهتدت إلى صيغة سياسية لتكريس عودة مصر إلى منظمة المؤتمر الإسلامي ثم جامعة الدول العربية لاحقاً. وبدا في غضون ذلك أن محوراً سياسياً بصدد التبلور يجمع بين المغرب ومصر ودول إسلامية معتدلة في مواجهة المد الإيراني الذي كان لا يزال يتحدث عن تصدير ثورة الراحل آية الله الخميني.
بعد ثلاثة عقود على الأزمة العاصفة التي أدت إلى قطع العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وإيران بسبب لجوء الشاه رضا بهلوي الذي أطاحت به الثورة الإيرانية إلى المغرب تحت مبرر الضيافة، يوم قال الملك الحسن الثاني إن من أخلاقيات بلاده التزام سلوك «اكرموا عزيز قوم ذل»، تندلع أزمة جديدة، الأولى على عهد خلفه الملك محمد السادس.
وعلى رغم أن الرباط كان لها سوابق في الاحتجاج الديبلوماسي عن طريق سحب السفراء ودعوتهم إلى التشاور، كما حدث مع الجارة الشمالية إسبانيا مرتين على الأقل بسبب «اساءات» للنظام أو الإنحياز في قضية الصحراء أو المساس بالمشاعر، كما في الزيارة التي قام بها العاهل الإسباني خوان كارلوس إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين شمال البلاد، أو كما في علاقات عتب مع السنغال ومع فنزويلا، فإنها المرة الأولى التي يصل فيها الأمر إلى قطع العلاقات الديبلوماسية مع دولة إسلامية.
في مثل هذا الوقت تقريباً من العام الماضي، أعلنت الرباط تفكيك خلية إرهابية وجهت إليها اتهامات بالتورط في المساس بالأمن العام. وأفادت بيانات رسمية أن المتورطين، ومن بينهم زعامات في تيارات إسلامية، تلقوا التدريب على استخدام الأسلحة في معسكرات تابعة لـ «حزب الله» في لبنان، لكنها لم تتحدث عن تورط مباشر للتنظيم الإسلامي. وعرضت إلى وقائع حول حملات للتشيع تحاول استقطاب مناصرين. ولم يفت المراجع الأمنية والقضائية الربط بين اعتقال أفراد شبكة عبدالقادر بلعيرج والكشف عن جرائم اغتيال جرت في الأراضي البلجيكية تأثر بعضها، كما يُزعم، بفتاوى إيرانية.
غير أن إعلان الخارجية المغربية أول من أمس في مبررات اللجوء إلى قطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران، ركز على «نشاطات ثابتة للسلطات الإيرانية، بخاصة البعثة الديبلوماسية في الرباط، تستهدف الاساءة إلى المقوّمات الدينية الجوهرية للمملكة»، في إشارة إلى وحدة الدين والمذهب (المالكي). لكنه لم يربط بين خلية بلعيرج والتطورات الراهنة، واكتفى بوضع ممارسات البعثة الديبلوماسية الإيرانية في البلاد بأنها «تدخل سافر في الشؤون الداخلية للمملكة يتعارض وقواعد وأخلاقيات العمل الديبلوماسي».
ورأت مصادر ديبلوماسية في الموقف الذي اتخذته الرباط مؤشراً إلى «تدهور خطير في العلاقات»، لا سيما أنه يعتبر امتداداً لأزمة نشأت بين المغرب وإيران منذ اتخاذ العاهل المغربي الملك محمد السادس موقفاً متشدداً في مساندة مملكة البحرين على اثر صدور تصريحات لمراجع إيرانية عكست اطماعاً في أراضي البحرين وسيادتها.
في أبرز التطورات أن السلطات المغربية دعت القائم بأعمال سفارتها في طهران بالوكالة إلى العاصمة الرباط للتشاور لفترة أسبوع بداية من الخامس والعشرين من الشهر الماضي، وطلبت إلى إيران توضيحات حول بيان تضمن «تعبيرات غير مقبولة»، لكنها لم تتلق ردوداً في الموضوع، فيما أبدت طهران استغرابها لموقف الرباط قطع علاقاتها الديبلوماسية معها. غير أن هذه التطورات اعتُبرت، في رأي أكثر من مراقب، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. فالرباط كانت على خلاف مع إيران في تعاطيها وأزمة الشرق الأوسط، بخاصة وأن المغرب الذي يرأس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي، لم يخف دعمه السلطة الوطنية الفلسطينية، ودعا مرات عدة إلى وحدة الشعب الفلسطيني وعدم الانقياد وراء الخلافات التي تنخر الجسد الفلسطيني، وأعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس رفضه تحويل التعاطي والقضية الفلسطينية إلى أجندة خاصة بكل دولة عربية أو إسلامية، فيما رصد بارتياب دعوة إيران أحزاباً وشخصيات مغربية ذات ميول إسلامية إلى المشاركة في مؤتمر لدعم غزة استضافته طهران.
ولاحظت المصادر أنه على رغم العلاقات العادية التي كانت تربط بين المغرب وإيران قبل ترديها، فإن العاهل المغربي لم يستقبل أي مسؤول إيراني من بين الشخصيات الرفيعة المستوى التي زارت الرباط. لكن مسؤولين مغاربة عابوا على إيران في وقت سابق الابقاء على خيوط اتصال مع جبهة «بوليساريو» على رغم التزامهم تعليق الوجود الرمزي للجبهة في العاصمة طهران. وحرص رئيس الوزراء المغربي السابق عبدالرحمن اليوسفي في زيارة رسمية إلى طهران، على ابلاغها رسالة واضحة في الموضوع، فيما جرت اتصالات عدة بين البلدين ضمن جهود تكريس الحوار بين المذاهب الإسلامية، وسبق لشخصيات مغربية إسلامية أن دخلت على خط العلاقة بين المغرب وإيران أسفرت في عام 1991 عن معاودة العلاقات الديبلوماسية التي كانت قُطعت بعد الثورة الإيرانية. لكن المغرب أبدى حرصاً أكبر على صون مجاله الديني من مخاطر أي اختراق ازاء المد الشيعي الذي تنامى وجوده بشكل لافت داخل أوساط إسلامية.
يذكر أن البوادر الأولى لتنامي المد الإسلامي المتطرف برزت بعد الثورة الإيرانية، وزاد في تناميها تطوع ناشطين إسلاميين إلى جانب المجاهدين في أفغانستان ابان الوجود السوفياتي السابق.