تقرير: محمد أمزيان
08-03-2009
في الوقت الذي يتصاعد فيه سهم النائب البرلماني اليميني خيرت فيلدرز بسبب هجومه على الإسلام لكونه ثقافة 'غريبة‘ عن المجتمع الهولندي، طفت على سطح الأخبار مجددا قضية المحامي المسلم محمد عنايت بعد أن رفض الوقوف أمام هيئة المحكمة. فهل يحرم الدين الإسلامي الوقوف أمام الهيئة القضائية؟ وهل يسهم تصرف كهذا في ازدياد الناقمين على الوجود الإسلامي في المجتمعات الغربية؟
المحامي الجالس
أصبح المحامي محمد عنايت حديث المجالس القضائية والصحفية التي تتساءل عما إذا كان تصرفه 'الغريب‘ ينافي الأعراف والتقاليد القضائية المعمول بها في كل المحاكم الحديثة، حتى في البلدان الإسلامية نفسها. فهو يدخل قاعة المحكمة بزي تقليدي يعتبره إسلاميا، يتكون من طاقية سوداء ولباس فضفاض يشبه لباس الباكستانيين والهنود. وعندما يدخل القضاة قاعة المحكمة، يرفض هو الوقوف ويبقى جالسا على كرسيه، فاستحق بذلك لقب "المحامي الجالس" عن جدارة. تصرف عنايت جاء ليلقي مزيدا من الزيت على نار النقاش الدائر في المجتمع الهولندي حول "الحرية" الدينية، وفي ذات الوقت حول واجب احترام أعراف المحاكم. وظهر أن المحامي الجالس وجدها فرصة ليصبح إحدى الوجوه 'المألوفة‘ على المشهد الإعلامي الهولندي بأطيافه.
|
يعتبر عنايت نفسه مواطنا هولنديا، ولكنه مسلم. لا يجادله أحد في ذلك. ولكن المنتقدين يرون أنه يزدري المحكمة، وهو أعرف بتبعات تصرفه. هذا ما دفع هيئة المحامين في مدينة روتردام التي يمارس فيها المحامي عنايت، برفع دعوى إلى المجلس التأديبي للفصل في المسألة. ولكونه يعرف المجاهل القانونية، فقد رفع بدوره دعوى استعجالية من أجل استبدال بعض القضاة. رفض أمره، فأصبح أمام الأمر الواقع. لكن المحامي الجالس لم يقف.
خالف تعرف
عنايت محامي مثير للجدل، ليس بسبب آرائه ولا القضايا التي يدافع عنها، بل بسبب جرأته وتجرئه على خرق الأعراف. هناك طبعا من يؤيده في تصرفه، لكن الكثيرين من المسلمين يرون أن عناده يشوه صورة الإسلام والمسلمين في مجتمع لم يعد يتسامح كما السابق. المدينة التي يمارس فيها يسيرها الباشا أحمد أبو طالب، وهو هولندي من أصل مغربي. وهي أيضا مدينة كانت بمثابة القلعة الرئيسية للتيار الشعبوي الذي أسسه السياسي بيم فورتاون. وكان فورتاون صاحب آراء جريئة ومنتقدة للثقافة الإسلامية وللمجتمع متعدد الثقافات. حصل فورتاون على جماهيرية عظمى أدخلت الرعب في قلوب خصومه السياسيين. لكن الموت عاجله على يد أحد المدافعين عن حقوق الحيوانات، واغتاله في المدينة الإعلامية قبل عدة سنوات.
تربة مغذية
مات فورتاون، بيد أن فكره لم يمت واستمر في شكل تيارات وأحزاب، أهمها حزب الحرية الذي يتزعمه البرلماني خيرت فيلدرز. البعض يرى تشابها كبيرا بين فيلدرز وبيم فورتاون. إلا أن التشابه لا يتعدى سقف الهجوم العنيف على الثقافة الإسلامية. قد يقول قائل إن فيلدرز وفورتاون ودي فينتر في بلجيكا، عنصريون، متطرفون و أعداء الإسلام. ولكن في أي خانة يمكن وضع عنايت، والإمام أبو صهييب الذي رفض مصافحة وزيرة الاندماج السابقة بحجة أنها امرأة، ومن يدور في فلكهما؟ ألا يغذي هكذا تصرف من قبل بعض المتطرفين الإسلاميين تربة المتطرفين الهولنديين؟
يظل عنايت جالسا رغم إنذار المجلس التأديبي له. وإذا اقتضى الأمر، فسيتوجه بشكواه إلى المجلس الأوربي الأعلى لحقوق الإنسان. وقد سبق أن رفع محمد عنايت دعوة قضائية على بلدية روتردام بعدما رفضت طلب عمل تقدم به إليها لامتناعه عن مصافحة النساء. خسر الدعوى في روتردام، فهل سيخسرها في ستراسبورغ؟