إمام الدين ولد أحمدو
Imam04@maktoob.comلا أريد الخوض فى اتون الأزمة السياسية الراهنة بل لا أريد العودة للحديث عن الشرعية المتنازع عليها.. فقد تحدثنا بما فيه الكفاية، ولا أعتقد أنه لزاما علينا فى كل مرة ندق هذا الباب تقديم مرافعات طويلة تقنع الآخر بسلامة التشبث بالشرعية والذود عنها،ولإقناعه بقوة إلتزامنا الدستورى وتشبثنا بقيم وثوابت ندافع عنها ..ففى بلدى لاتحتاج إلى ذلك فالسائرون فى صف السلطة جاهزون للتبرير لها ولو تجاوزت أعز المقدسات والشواهد على ذلك لاتحصى.. ففى العهد الطائعى كان البعض يجزم أن النظام حينها لو حكم بالعدول عن إحدى فروض العين المجمع عليها لما وجد سدنته ودعاته صعوبة فى الذب عنها واعتبارهم الرأي المخالف لها بدعة لم يكن العمل بها فى العهد النبوى..كما هو الحال بالنسبة لتعطيل يوم الجمعة.
تلك مسلمات متعارف عليها عند المتابع للشأن الموريتانى لم تعد تثير اهتمام أي كان،وليس الحديث عنها بالأمر الذى يعنينا فى الوقت الذى ينصب فيه الإهتمام بالمبادرة الليبية وزيارة القذافى التى قام بها لأنواكشوط، ليس بالطبع لأهمية الزيارة ومستوى الضيف الزائر فحسب، بل نتيجة لما خلفته الزيارة من لقط لم يكن فى الحسبان.
لقد جاء القذافى إلى نواكشوط والكل ساع بل راغب فى حل وتجاوز الأزمة السياسية فى موريتانيا وطي صفحتها إلى الأبد،وكان الكل رغم هواجس الخوف والشك التى يفرضها تاريخ الرجل يغلب لديه الشعور بأن القذافى رغم كل سوابقه لا يزال لديه بقية أخلاق وشيء من التقوى يساعده فى حل الأزمة الموريتانية.
وبالفعل إستقبل القذافى كل أطراف الأزمة الموريتانية وأوفد موفدا خاصا إلى موريتانيا أوصل الليل بالنهار وحاط نفسه بهالة إعلامية توحى أنه ساع بكل ما أوتي من قوة إلى تذليل الصعاب من أجل تجاوز الأزمة السياسية فى موريتانيا..ورغم كل ذلك فقد جاء القذافى إلى نواكشوط والكل أمل فى حل الأزمة الموريتانية وعاد إلى بلده والأزمة الموريتانية أبعد ما تكون إلى الحل بل أزداد الطين بلة والأمور تعقيدا..فما الذى حدث؟
لاأريد طبعا أن أطلق العنان للأوهام والتصورات الخاطئة ولا أريد بأي حال من الأحوال القول إن الزعيم"الثائر"جاء لدك إسفين التفرقة ونثر عطره المنشمى بين أطراف اللعبة السياسية الموريتانية،فذلك ما أربأ بالثائر المسلم عنه مع أن فى تاريخه "الثورى" للأسف شواهد تجعلنى أجزم أن هم القذافى الأول الذى تحمل فى سبيله عناء السفر وأهدر من أجله ملايين الدولارات من المال الليبى لم يكن المصلحة الموريتانية المحضة وقد اتضح ذلك بكل تجلياته فى مآل ما يسمى المبادرة الليبية للوساطة،قد يقول المدنى ان اتهام القذافى بالإنحياز نوع من اللغو لكن تعودنا فى ملاحظتنا للأمور أن ننظر إلى ما تفعله السكين فى يد قابضها.
ومن الجلي أن الفكرة التى إختمرت فى ذهن القذافى بدأ فى تجسيدها على أرض الواقع حين إستقبل الجنرال محمد ولد عبد العزيز فى طرابلس فقد كانت الخطة تقتضى أن يعرض بضاعته المتمثلة فى العودة إلى الصف الليبى وتبنى حكم "المؤتمرات الشعبية" ليرضى المجتمع الدولى وتتدفق الإستثمارات الليبية السخية..وفعلا كان قبول أصحاب المواقع بالعرض الليبى المغرى معوض لرأي أصحاب المواقف- ولست من الذين يقولون بأن طرد السفارة الصهيونية جاء إرضاءا للقذافى..فالذى يقول بدولة"أسراطين"لايقدر تاريخ الشعب الفلسطينى- ولذلك إكتفى القائد الليبى أثناء لقاءاته بقادة الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية بمحاولة إقناعهم بتبنى الطرح العسكرى والمشاركة فى الطبخة التى أعدها العسكر سلفا،ولم يدخر أي جهد فى سبيل ذلك،وأعاد المحاولة ذاتها مع الرئيس ولد الشيخ عبد الله ويجرى الحديث فى هذا المجال عن عشرات الملايين من الدولارات وغيرها من العطايا السخية التى تعود الزعيم الليبى ان يصنع بها "السلام".
وبالطبع لم يكن بمقدور الزعيم الليبى أن يغير بوصلة الزمن بل لم يكن بمقدوره أن يوجه قادة الجبهة لوعيهم أن التاريخ والشعب سيكونان لهم بالمرصاد إن شاركوا فى معالم تلك الطبخة التى ما أريد بها وجه الوطن،وعبثا حاول القذافى إقناع قادة الجبهة دون أن يتوصل إلى نتيجة،قبل أن يشرع فى حزم أمتعته إلى العاصمة نواكشوط،وفى نواكشوط كان العقيد القذافى يتحسس مدى الوفاء العسكرى بالتعهدات التى حصل عليها..وبالفعل كان الإستقبال فوق المتوقع..بدأت حملة إعلامية كبيرة مرحبة ومهللة بمقدم القائد العظيم وتبارى الإعلام الرسمى كعادته فى تطريز عبارات الشكر والتقدير لضيف موريتانيا الكبير وراعى السلام الأكبر الذى لن ننسى له تفانيه من أجل المصلحة الموريتانية،وجاس الأمن الليبى خلال الديار بكل حرية وأمان، وتناسى حكام موريتانيا كل مفردات السيادة والقانون والمصلحة التى طالما تشدقوا بها واتخذوها ذريعة لكل تحرك عسكرى منذ الإستقلال إلى اليوم..كان القذافى الغائب عن الأرض الموريتانية منذ25 عاما المسيطر بكل ما تعنى الكلمة من معنى.. كان الأمن الليبى يتدخل فى كل صغيرة وكبيرة، يعطى الأوامر ويتخذ القرارات ويتولى التنفيذ،وبالطبع كانت رغبة القذافى تلقى هوى فى نفوس الآهثين خلف الكرسى الرئاسى،وحري بنا جميعا أن لانعتد أكثر بتعهد من لايملك لمن لايستحق.
ذلك أنه أثناء كل فصول تلك المسرحية سيئة الإخراج حاول القذافى ثني قادة الجبهة عن مواقفهم و وعد فى هذه المرة بإقناع أخوه عزيز بأن يقدم للجبهة ما تريد وأن يشركها فى السلطة.. ثم بدا له العجز مرة أخرى.
ويمم القذافى وجهه قبل قاعة ملئت جورا ونفاقا وطفق يتلو زبوره ويسب موريتانيا منذ الإستقلال حتى اليوم..سخر من موريتانيا من تجربتها الديمقراطية من قادتها دون أن ينسى أن يشفع كل فقرات نقد ه اللآذع بقهقهات كانت تملئ القاعة التى تصم الأذان تصفيقا وصياحا من قبل الحضور و الذى بالمناسبة ينتمى أغلبه لموريتانيا.
بشر القذافى بحكم المؤتمرات الشعبية وتحدث بما يحفظ من عيوب الديمقراطية التى لاتعدو بالنسبة للقذافى سوى تشبثا بكراس يعتبر القذافى المناهض للديمقراطية أشد الناس حرصا عليها..لم يفت القذافى أن يساوى بين الإنتخابات والإنقلابات وفى هذه الحالة النتيجة سيان.. بالنسبة ل"الثائر"الإنقلاب الذى حدث فى موريتانيا مساو للإنتخاب الذى هلل له العالم قبل سنتين وجعل موريتانيا نموذجا للتحول الديمقراطى.
و نتيجة لذلك يتضح أن "الوسيط" الذى انتدبه المجتمع الدولى لايؤمن أصلا بالديمقراطية ومفرداتها وليس لديه أدنى إستعداد ليدافع عن ما يخالف قناعاته،فالقذافى الذى وصل إلى السلطة منذ مايزيد على ثلاثة عقود من الزمن لم ينظم انتخابات قط لإستشارة الشعب الليبى الذى يفضل سماع رأيه من بوابة "المؤتمرات الشعبية" تلك مشكلة ليبية لاتهمنا فى شيئ.
إن ماحدث كان طعنة للجميع.. الجميع الذى صلى خلف القذافى.. والذى أنصت إليه بكل خشوع وهو يسب الصحابة ويدعو لعودة إحدى أكثر حلقات التاريخ الإسلامى قتامة وسوادا،لم ينسحب أحد ولم يكلف أحد نفسه عناء الرد على الخزعبلات المخالفة لكل قيم الإسلام.. انطلاقا من الإحتفال بالمولد النبوى الذى أحتفل به أول مرة فى عهد الدولة الفاطمية التى ترسو عليها بوصلة القذافى هذه المرة، وانتهاءا بالكلمات القاسية التى وجهها القذافى للصحابى الجليل معاوية بن ابى سفيان.
وهنا يطيب لى القول أن القذافى الذى أعترف بقتل ضحايا لوكربى وقتل رعايا ألمان..,و..و..و.. وهو الذى دفع دياتهم مغلظة من قوت الشعب الليبى ماكان يجدر به أن يتهم غيره بالسادية والتعطش للدماء إلا إذاكان من باب ما فى نفسك يدلك على الآخر...
إننى أقدر للزعيم الليبى آراءه وأحترمه ضيفا – ثقيلا بالطبع- ولا أجد بدا فى أن أحترم لأنصاره ودعاته منهجهم الذى أختاروه تحت إكراهات مقدرة ..لكن هم أنفسهم مطالبون على الأقل بتقبل الرأي الأخر وأن يحترموا للآخر خياراته وأن لايدفع أحد الشطط إلى ما لاتحمد عقباه..وإلى ذلك أرجو أن لانستحث الخطى بعد زيارة القذافى فى اتجاه الصوملة التى لا أراها تخدم أحدا على هذه الأرض.