أ ش أ - يبحث مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال اجتماعه الطارىء فى فيينا بعد غد الخميس موضوع اختيار مدير عام جديد للوكالة خلفا لمحمد البرادعى الذى تنتهى فترة ولايته رسميا فى 30 نوفمبر القادم .

ويأتى الاختيار فى وقت يشهد انفتاحا دبلوماسيا كبيرا يمكن أن يساعد الوكالة فى مهمتها لمنع الانتشار النووى بعدما أشار الرئيس الامريكى باراك أوباما الى استعداده لاجراء محادثات مباشرة مع ايران بشأن الخلافات النووية وغيرها وهى المحادثات المجمدة منذ فترة طويلة بعد عقود من العداء المتبادل .

ويوجد خلافات كبيرة فى محيط الوكالة بشأن من يخلف البرادعى ، ويتنافس على خلافته مرشحان فى الوقت الحالى هما يوكيا اماتو مندوب اليابان لدى الوكالة ومندوب جنوب افريقيا عبد الصمد مينتى .

ويتمتع كل من اماتو ومينتى بخبرة عميقة فى مناصب ومفاوضات تتصل بمنع الانتشار ونزع السلاح النووى ، ويشتهر مينتى بنشاطه لمكافحة التفرقة العنصرية فى بلاده كما يعرف باتخاذه مواقف سياسية واضحة بخلاف اماتو المعروف بتحفظه ، وهو وسيط بارع طليق اللسان يتمتع بشخصية جذابة لكنه فى عيون الغرب قريب جدا من مواقف الدول النامية بشأن القضايا النووية.

اما أماتو مندوب اليابان فقد ترأس مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى الفترة بين عامى 2005-2006 وقد سبق له أن شغل عدة مناصب رئيسية ودبلوماسية حيث انضم الى العمل فى وزارة الخارجية اليابانية عام 1972 ثم عين مديرا لقسم الطاقة النووية والمدير العام لقسم مراقبة نزع السلاح عام 2002 ومندوب اليابان لمباحثات عدم انتشار الاسلحة النووية عام 2004 .

كما تم تعيين اماتو كمندوب دائم لليابان لدى الامم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية فى سبتمبر 2005 ، وانتخب رئيسا لمجلس المحافظين فى 3 اكتوبر من نفس العام وهو يحمل شهادة فى القانون الدولى من جامعة طوكيو .

ويرى أماتو أن لديه خبرة طويلة استقاها من عمله كدبلوماسى لاكثر من 30 سنة وأنه يستطيع التعامل مع القضايا السياسية الحساسة بطريقة غير متحيزة .

وأوضح المرشح اليابانى لخلافة الرادعى أن أهم شىء بالنسبة لوكالة الطاقة الذرية هو تطبيق ضمانات منع الانتشار النووى فى الدول الاعضاء بشكل مهنى ومستقل .

وتفضل الدول الغربية يوكيا اماتو ليخلف البرادعى فى حين تميل الدول النامية نحو تأييد مينتى .

وتريد الدول الغربية أن يكون مدير عام الوكالة أقل ميلا الى لعب دور سياسى حيث يقتصر عمله أكثر على تنفيذ التفويض الفنى لوكالة الطاقة الذرية من جراء عملية التفتيش لرصد وردع من يقومون بالانتشار النووى ورعاية الاستخدامات السلمية للذرة .

بينما تأمل الدول النامية أن يتمسك المدير القادم بمبدأ البرادعى فى الاستقلال وأن يكون فعالا فى تعزيز نزع السلاح النووى ودعم الاستخدام السلمى للطاقة النووية فى الدول النووية .

ويظهر الوضع الراهن تفوق يوكيا أماتو بفارق طفيف لكنه لم يصل بعد لاغلبية الاصوات المطلوبة التى تبلغ ثلثى الاصوات فى مجلس محافظى الوكالة الذى يضم 35 دولة .

ويتوقع دبلوماسيون لأن يصطدم السباق بين المندوبين اليابانى والجنوب افريقى بعقبة تكمن فى لأن يكون الاقتراع السرى المنتظر بعد غد غير حاسم مما يفتح المجال لمرشحين يمثلون حلا وسطا ، ويريد لأعضاء المجلس فوزا بأغلبية كبيرة إن لم يكن فوزا بالاجماع لاحد المرشحين إذ أن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يجب أن يتمتع بدرجة عالية من الاتفاق مع المجلس بكامله تجنبا للانقسامات السياسية التى تضر التفويض .

وقد جرت العادة أن يتم اختيار المدير العام الجديد للوكالة الذرية بتوافق الاراء فى مجلس المحافظين وفى حالة تعذر ذلك يلجأ مجلس المحافظين الى التصويت كما ينبغى على المرشح الفائز أن يحظى بتأييد ثلثى أعضاء مجلس المحافظين أى 24 صوتا ثم يتم تعيين المدير العام فى جمعية الوكالة فى يونيو على أن تصدق الدول الاعضاء فى المؤتمر العام للوكالة البالغ عددهم 145 دولة على انتخاب مجلس المحافظين للمدير العام الجديد خلال المؤتمر العام للوكالة فى سبتمبر المقبل .

وهناك أربع دول عربية أعضاء فى مجلس المحافظين هى مصر والجزائر والعراق والمملكة العربية السعودية .

يذكر أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعى كان قد أعلن فى العام الماضى عدم رغبته فى ترشيح نفسه لاعادة شغل منصبه الحالى لفترة 4 سنوات قادمة .

وكان مجلس المحافظين قد انتخب محمد البرادعى لمنصب المدير العام خلال اجتماعه الذى عقده فى يونيو 1997 ثم اعيد انتخابه للمرة الثانية عام 2001 ، واصطدم ترشيح البرادعى فى منصبه لفترة ثالثة عام 2005 بمعارضة الولايات المتحدة التى اتهمته بمحاباة ايران فى ملفها النووى لكن البرادعى تغلب على الاعتراض الامريكى بمساندة العديد من الدول الاعضاء فى الوكالة .

وقاد البرادعى الذى سبق له أن عمل نائبا للمدير العام السابق هانز بليكس للشئون القانونية والعلاقات الخارجية للوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال فترة حساسة وحافلة بالتحديات خصوصا فيما يتعلق بالمفاوضات مع كوريا الشمالية والعراق وليبيا وايران وتقديرا لجهودهما فى تكريس الاستخدام السلمى للطاقة الذرية حصل البرادعى والوكالة الدولية لطاقة الذرية مناصفة على جائزة نوبل للسلام عام 2005 .

والوكالة الدولية للطاقة الذرية هى منظمة حكومية مستقلة تعمل تحت اشراف الامم المتحدة تأسست فى 29 يونيو عام 1957 بغرض تشجيع الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية والحد من التسلح النووى ولللاضطلاع بهذه المهمة تقوم باعمال الرقابة والتفتيش والتحقيق فى الدول التى لديها منشآت نووية ، والمقر الرئيسى للوكالة فى مدينة فينيا بالنمسا .

وتواجه الوكالة ومديرها الجديد تحديات هائلة خلال الوقت الحالى أولها الارهاب النووى والذى زاد اهتمام العالم به بعد هجمات سبتمبر 2001 وأصبحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تضطلع بدور مهم فى التصدى لهذه التهديدات التى اصبحت حقيقة واقعة بعد انتشار المواد المشعة أو ما يطلق عليه القنبلة القذرة وامكان استخدام الجماعات الارهابية الاسلحة والمواد النووية خصوصا أن بعض هذه المواد قابلة للسرقة من الدول التى تنخفض فيها معدلات الامن بعد ان انهكتها الصراعات .

والتحدى الثانى الذى يواجه الوكالة الذرية هو منع الانتشار النووى وهو النظام الذى شهد تطورات ايجابية فى السنوات الاخيرة الا انها تطورات تسير ببطء شديد وبالرغم من مرور أربعة عقود على توقيع معاهدة حظر الانتشار النووى فإن عدد الرؤس النووية التى ما زالت موجودة فى العالم تقدر بنحو 25 الف رأس نووية وهو ما يعنى ضرورة مضاعفة الجهود الدولية الرامية للحد من انتشار الاسلحة النووية .

وهناك أيضا مشكلة النقص العالمى للطاقة والاحتباس الحرارى نتيجة استخدام اكبر للطاقة الذرية وهما المشكلتين الابرز خلال القرن الحادى والعشرين وتعطيهما الوكالة الدولية للطاقة الذرية اهتماما كبيرا فى خطتها الرامية الى اقامة نظام نووى عالمى يحقق السلام والرخاء حتى عام 2020 وما وراءه وهى الخطة التى وضعتها لجنة مستقلة بطلب من الكتور محمد البرادعى المدير العام للوكالة منذ عام 2007 .