شاعر مالي: 'أمير الشعراء' مرحلة مهمة في مسيرة الشعر العربي
علي جبريل: قصيدة النثر يجب ألا تتعالى على آبائها حين ترى أنه لا مكان اليوم للوزن ولا للإيقاع في عالم الشعر.
ميدل ايست أونلاين -
http://www.middle-east-online.com/?id=102821 كتب ـ محمد الحمامصي
انكشفت لي عوالم أجمل في مملكة الشعر
تحفل تجربة الشاعر المالي علي جبريل بالغنى والثراء، وقد حازت على العديد من الجوائز في أكثر من مسابقة ومهرجان أدبي في المملكة العربية السعودية، حيث ولد الشاعر وتعلم وحصل على شهاداته الجامعية، وهو الآن بصدد دراسة الماجستير بجامعة ابن رشد بهولندا، ويشارك في إقامة عدد من الأمسيات الشعرية والمنتديات الأدبية في مكة المكرمة منذ مراحل الدراسة الثانوية ولا يزال.
بدأ النشر في الصحف والمجلات منذ عام 1997. ولا يزال ينشر العديد من القصائد حتى الآن في مجلات مثل: المجلة العربية – مجلة الأدب الإسلامي – مجلة الإسلام اليوم – مجلة المعرفة (الصادرة عن وزارة التربية والتعليم بالمملكة العربية السعودية) – مجلة البيان – مجلة القافلة وغيرها من المجلات. كما ينشر في صحف وملاحق "جريدة عكاظ – جريدة المدينة"، وله مساهمات متنوعة في منتدى الحرف الأدبي الأسبوعي في مكة المكرمة منذ 2002.
وفي هذا الحوار معه نتعرف على بدايات تجربته ومراحل تطوره فضلا عن آرائه في شئون وشجون الشعر.
* بداية نود التعرف على تجربتك الشعرية ولادتها ومراحل تطورها؟
ـ التجربة الشعرية لدي مرت في مسيرتها عبر ثلاث مراحل مهمة.. كانت في نظري منعطفات مهمة ارتقت فيها التجربة وتعمّقت إلى حد كبير:
المرحلة الأولى: كانت بالنسبة إلي شرارة البداية؛ وكانت في بدايات المرحلة الدراسية الثانوية عبر مجموعة من الزملاء كان يجمعنا الشعر في أوقات الفراغ للاستماع إلى براعة كل منا في حفظ القصائد وترديدها! أو للمبارزة في مساجلات شعرية. وكانت تلك البدايات بمثابة شحن لمسيرتي؛ حيث تم فيها حفظ الكثير من عيون الشعر العربي. وقد أسهم في تطور هذه المرحلة بعض مدرسي المرحلة ممن كان لهم الفضل في تثبيت قدمي على سلم الشعر الفصيح.
المرحلة الثانية: تم فيها التعرف على تجارب شعرية أخرى وذلك في أواخر المرحلة الثانوية؛ وتعرفت فيها على العديد من التجارب الشعرية المهمة؛ كتجربة الشاعر السوري الكبير عمر أبو ريشة، كما مررت فيها أيضا بالتجربة الشعرية في العصر العباسي؛ حيث شدتني كثيرا قصائد المتنبي وأبي العتاهية، إلا أن التجربة الأندلسية على وجه الخصوص كانت أكثر قربا مني، وكان لها التأثير العميق على تجربتي الشعرية المبكرة.
المرحلة الثالثة: وهي الأهم بالنسبة إلي؛ حيث انكشفت لي عوالم أجمل في مملكة الشعر الرحبة والساحرة! وفيها أحاول الامتزاج بكل التجارب الشعرية العميقة، عبر الكثير من قصائد الأمم والشعوب الأخرى؛ وهنا يتجلى لي الشعر عالما لا نهائيا من السحر والجمال اللامنقضي! فقط عليَّ الركض واكتشاف مساحات الشعر الواسعة التي لم تطأها قدمي بعد، وقد كان للاحتكاك بالعديد من الأصدقاء الشعراء دور كبير في اطلاعي على العديد من تجاربهم الغنية؛ والاطلاع أيضا على الكثير من التجارب الشعرية العالمية.
* هل ثمة مفهوم أو رؤية محددة تنطلق منها في كتابتك؟
ـ رؤيتي الخاصة للشعر تتحدد في مقدرة الشاعر على ملامسة ذاته الحقيقية لا المعاشة! وفي محاولته الالتصاق الداخلي بهواجسه الأعمق! ومحاولة اكتشافها وكشفها للقراء. الشعر إدمان للطرق على أبواب الذات، وبراعة في البحث عن المجهول؛ كما هو مرآة حقيقية للذات الشاعرة، تتجلى فيها صورتها الأولى؛ لا الأخرى.. المثقلة بمساحيق التجميل!
الشعر إدمان للطرق على أبواب الذات
* كيف ترى لأهمية مسابقة أمير الشعراء في دعم حركة الشعر العربي في لحظتها الراهنة؟
ـ أعتبر مسابقة "أمير الشعراء" مرحلة مهمة في مسيرة الشعر العربي الفصيح الذي أصبح نخبويا بعد أن كان يملأ الدنيا ويشغل الناس، وتبرز هذه الأهمية في نجاح أمير الشعراء في إضافة جماهير عريضة لنخب الشعر الفصيح، ومحاولته الارتقاء بتلك الجماهير إلى عوالم اللغة الفصيحة الشاعرة. وعبر مواسم البرنامج الأربعة كان قد نجح نجاحا باهرا في خلق جماهير تحتفي باللغة العربية الفصيحة.. في زمن سحب فيه النبطي البساط من تحت أقدام الفصيح! لكن برنامج "أمير الشعراء" ملأ الدنيا وشغل الناس بالعديد من التجارب الشعرية الجميلة.
* كيف هو المشهد الشعري في بلادكم؟
ـ لو أردت التحدث عن المشهد الشعري في مالي فلا بد من التعريج على شيء من تاريخها العربي الأسطوري! الذي كان يزخر بالعديد من مدارس اللغة العربية وبالكثير من الصحف الصادرة باللغة العربية؛ خاصة في حاضرة "تمبكتو" عاصمة الذهب والعلم، حيث بلغت المدارس التي كانت حينها تعتمد اللغة العربية في مناهجها التعليمية حوالي 180 مدرسة، وعدد الطلاب فيها زاد على العشرين ألف طالب! وحضور اللغة العربية في مالي لا يقتصر على التعليم فقط بل يتعدى ذلك إلى تكوين بعض لغات ولهجات الماليين؛ فقبائل "الفولاني" و"السونغاي" مثلا تكتب لهجاتها بالحروف العربية، بالإضافة إلى أن بعض القبائل المالية تعود إلى أصول عربية، كبعض قبائل "الطوارق" مثلا.
لكن التجربة الشعرية العربية في مالي اليوم راكدة وتحتاج إلى تحريك، خاصة من قبل المعاهد المختصة بتعليم اللغة العربية؛ ومن قبل المهتمين بها، فاللغة الفرنسية زاحمت كل شيء منذ حقبة الاستعمار ولا زالت تتصدر المشهد الثقافي في مالي.
أخيرا.. لا يمكننا تجاوز المشهد الأدبي بشكل عام والشعري بشكل خاص في مالي دون التعريج على تجربة الشاعر والروائي والمؤرخ المالي الكبير "أمادو همباطي با" الذي أعاد لشعب مالي شيئا من أساطيره وحكاياته الشعبية عبر مشاريعه الكتابية الكبيرة التي حاول فيها توثيق الكثير من أدب مالي الشفهي شعرا وحكايا.
* وماذا عن رأيك في المشهد الشعر العربي والتفاعلات القائمة بين أشكال القصيدة من عمودية وتفعيلية ونثرية؟
ـ مشهد الشعر العربي لا يزال منذ عقود يراوح مكانه في نظري؛ بسبب الصراعات المفتعلة حول أشكال أدبية يفترض بها أن تخلق جوّا من التفاعل والتنوع لا التدافع والصراع، الأدب عوالم متنوعة.. تتفاعل مع بعضها البعض دون أن تحاول إلغاء بعضها البعض. الصراع المفتعل بين أشكال القصيدة؛ من عمودي وتفعيلة وأخيرا قصيدة النثر؛ لا ينبغي أن يكون هو الشغل الشاغل لجمهور الأدباء والمثقفين، خاصة حين يكون هذا الافتعال شكليا صرفا لا يتجاوز العناوين العريضة إلى المضامين العميقة! وأظن أن المشهد الشعري العربي سيتقدم خطوات كبيرة فقط حين نؤمن بأنه لا خطر لأحد على أحد.
لقد ولدت قصيدة التفعيلة من رحم النص العمودي ولم تطفئ وهج العمودي، وولدت قصيدة النثر مؤخرا ويجب أن تأخذ مسار تطورها الطبيعي دون أن نصنع منها بعبعا سيقضي على الشعر واللغة! ودون أن تتعالى قصيدة النثر أيضا على آبائها؛ حين ترى أنه لا مكان اليوم للوزن ولا للإيقاع في عالم الشعر.
أن تتجاور الأشكال الأدبية المختلفة هو المحفز الأهم لها في نظري للتقدم، في عصر تتوالد فيها المدارس والنظريات كل يوم.
* البعض يرى تراجعا للشعر العربي ومكانته هل ترى ذلك صحيحا وما أسبابه من وجهة نظرك وكيف يخرج الشعر ويعود إلى الواجهة؟
ـ التراجع في ساحة الشعر العربي نتيجة لتراجع مساحة اللغة العربية، أن نتحدث عن انحسار الشعر العربي مرحلة متقدمة، يجب أن نتحدث هنا أولا عن اللغة العربية التي تحتضن الشعر العربي. الشعر النبطي اليوم يستقطب الجماهير الكبيرة ليس لأنه في تنافس لدود مع الشعر الفصيح؛ بل لأنه انعكاس للهجة الشعبية التي تكتسح كل العواصم العربية؛ رغم الجهود المشكورة في تعميق وجود اللغة العربية.
أن يخرج الشعر العربي إلى الواجهة نتيجة لمقدمة مهمة؛ هي أن يعود للغة العربية حضورها اليومي؛ فالشعر مرآة للواقع، وإلا فلا يصح أن نبحث عن ضوء الشمس في عتمة الليل، وهذا لا يعني بالطبع أن لا نحاول تصحيح مسار الشعر العربي.
* هل ترى أن النقد يواكب حركة الشعرية العربية؟
ـ أظن أن النقد في المشهد العربي يتعالى – في العموم – على التجارب الشعرية الشابة، فقصائد الشباب المنشورة في العديد من المجلات الشعرية العربية لا تحظى بالدراسات النقدية التقويمية مثلما تحظى تجارب كبار الشعراء؛ وهذا سبب من أسباب مراوحة المشهد الشعري مكانه، يجب أن ينزل النقاد من أبراجهم العالية إلى الكثير من التجارب الشعرية الواعدة؛ التي تبشر بمستقبل كبير للشعر العربي. وهذا ما يفعله برنامج "أمير الشعراء" حيث يحاول الارتقاء بشعر الشباب وذلك بعرضه على كبار نقاد الشعر في الوطن العربي، وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير. كما لا ينبغي أن تغفل التجربة النقدية العربية تحديث ذاتها باستمرار.
الجمعة يناير 07, 2011 7:54 am من طرف ابو قحط